في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
مع تصاعد الحملة العسكرية الأميركية ضد الحوثيين في اليمن، وتزايد الضربات الجوية التي تنفذها القوات الأميركية هناك، عاد الجدل داخل الأوساط السياسية والعسكرية في واشنطن حول أثر هذا الانخراط العسكري على الجبهة الشرقية، وتحديدًا في ما يتعلق بالقدرة على ردع التمدد الصيني في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
ففي الوقت الذي حذر فيه مسؤولون في الكونغرس الأميركي من أن استمرار العمليات في اليمن قد يؤدي إلى نقل الذخائر بعيدة المدى من المخزونات المخصصة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط، اعتبر محللون استراتيجيون أن هذا التوجه ينذر بخلل محتمل في التوازن العسكري الأميركي في مواجهة الصين، التي ما فتئت تعزز من وجودها البحري والجوي في المنطقة.
استهلاك لا استنزاف... ولكن الصين تراقب
في تحليله للمشهد العسكري، قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الركن المتقاعد خليل الحلو إن ما يجري في اليمن لا يرقى إلى مستوى "الاستنزاف العسكري"، بل يندرج في إطار "الاستهلاك المحسوب للذخائر"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة تحتفظ بهوامش استراتيجية تمنعها من السقوط في فخ التشتت العسكري.
وأوضح الحلو في حديثه لبرنامج التاسعة على "سكاي نيوز عربية" أن: " العمليات الجوية الأميركية لا تتم بكثافة تؤدي إلى استنزاف فعلي. فقد تراجعت وتيرة الضربات من 20 إلى 30 غارة يوميًا في بدايات الحملة، إلى أقل من 5 غارات في بعض الأيام مؤخرًا، وهو ما يُعد نشاطًا منخفض الحدة مقارنة بما قامت به واشنطن خلال حربها ضد داعش".
وأعاد الحلو التذكير بأن الولايات المتحدة شنت أكثر من 30 ألف طلعة جوية ضد داعش بين عامي 2014 و2017، استخدمت خلالها ما يزيد عن 60 ألف طن من الذخائر، دون أن يُشار في حينه إلى أزمة في القدرات القتالية أو تراجع في الردع الاستراتيجي.
التحدي الحقيقي في الشرق الأقصى
لكن، ورغم تأكيده على متانة القدرات الأميركية، لم يُخفِ الحلو قلقه من التأثيرات الجيوسياسية لأي إعادة تموضع عسكري من شرق آسيا إلى الشرق الأوسط. وأشار إلى أن الصين تراقب عن كثب تحركات واشنطن، وقد تفسر أي فراغ أو إعادة توزيع للموارد على أنه دعوة ضمنية لتوسيع نطاق خروقاتها في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان.
قال الحلو: "الصين تقوم يوميًا بعشرات الخروقات الجوية فوق تايوان، وقد أجرت منذ أيام فقط مناورات بحرية ضخمة في المنطقة. هذه التحركات لا يجب أن تُواجه بتراجع في التواجد الأميركي هناك".
كما لفت إلى أن الصين أنشأت قواعد عسكرية على الجزر التي سيطرت عليها خلال العقدين الماضيين، مما دفع الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها البحري والجوي لخلق توازن ردعي، محذرًا من أن: "أي سحب لإمكانيات من تلك المنطقة قد يُفسر كضعف، لا كمرونة استراتيجية، وهو ما قد يدفع بكين إلى خطوات أكثر جرأة".
تسليح، ميزانية، ومخاوف طويلة الأجل
تطرّق الحلو إلى البعد اللوجستي والاقتصادي لهذا الصراع، مشيرًا إلى أن جزءًا كبيرًا من المخزون الأميركي من الذخائر، خصوصًا الكلاسيكية، قد استُهلك بالفعل في الحرب الأوكرانية. ورأى أن هذا الواقع يفرض على صناع القرار في واشنطن إعادة النظر في الموازنات الدفاعية للأعوام المقبلة.
وفي هذا الإطار، ذكّر بأن موازنة الدفاع الأميركية لعام 2025 تخطت حاجز الـ900 مليار دولار، وهي الأعلى في التاريخ، كما أكد أن الرئيس دونالد ترامب انه لن يتردد في رفع موازنة 2026.
قال الحلو: "في التفكير الاستراتيجي الأميركي، لا يجب أن ينخفض المخزون عن حد أدنى، حتى لا تُفاجأ الدولة بحرب أو أزمة عسكرية كبرى دون أن تكون مستعدة".
اليمن.. ساحة مفتوحة ولكن ليست مستنقعًا
في الملف اليمني، شدد الحلو على أن الولايات المتحدة لا تنوي التورط البري في اليمن، لكنه أشار إلى احتمال تنفيذ عمليات محدودة وهادفة، مثل السيطرة على ميناء الحديدة الذي وصفه بأنه "الرئة التي يتنفس منها الحوثيون".
وأضاف: "هناك حديث جدي داخل الأوساط الأميركية حول إمكانية تنفيذ عملية محدودة للسيطرة على الميناء، دون أن يعني ذلك الغرق في مستنقع بري. اليمن أكبر من العراق، واحتلاله ليس واردًا، لكن استمرار الغارات الجوية سيلحق ضررًا كبيرًا بالبنية العسكرية للحوثيين".
واستشهد بتجربة إسرائيل مع حزب الله عام 2006، حيث استطاعت الحملة الجوية وحدها أن تُضعف قدراته بشكل كبير دون اجتياح بري واسع.
في موازاة الضربات العسكرية التي يقودها ترامب على الحوثيين، تواجه واشنطن معضلة استراتيجية تتعلق بإدارة الأولويات العسكرية بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى. وبينما لا تزال القدرات الأميركية تُمكنها من خوض أكثر من معركة في آن، فإن رسائل الانسحاب النسبي من آسيا قد تفتح شهية التنين الصيني للمزيد من المغامرات العسكرية.