في ظل التصعيد التجاري الذي تشهده العلاقات الاقتصادية العالمية، إثر فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوما جمركية على العديد من السلع والمنتجات القادمة من مختلف دول العالم، تواجه العديد من الدول تحديات كبيرة في التعامل مع هذه الإجراءات.
وفي خضم هذه "الحرب التجارية"، تبرز مصر كإحدى الدول التي يمكن أن تستفيد من اتفاقية " الكويز"، التي أبرمت مع الولايات المتحدة عام 2004، فبينما تفرض الإدارة الأميركية رسوما جمركية على العديد من الواردات، قد يكون لهذه الاتفاقية دور في تقليل تأثير تلك الرسوم على المنتجات المصرية، خصوصا في قطاعات الملابس والمنسوجات.
وكانت الإدارة الأميركية قد أعلنت فرض رسوم جمركية بنسبة 10 بالمئة على بعض الواردات المصرية في خطوة تهدف إلى تقليل العجز التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي الأميركي.
وبلغ حجم الصادرات المصرية إلى الأسواق الأميركية العام الماضي نحو 3.50 مليار دولار، ومعظمها من الملابس الجاهزة.
ماهي اتفاقية "الكويز"؟
وتعد "الكويز" اتفاقية تجارية تضم كلا من مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، وتسمح الاتفاقية للمنتجات المصرية بالدخول إلى أميركا دون جمارك بشرط أن يدخل فيها مكون إسرائيلي بنسبة محددة، وكانت نسبة المكون الإسرائيلي عند بداية تفعيلها 11.7 بالمئة، وانخفضت بعدها بعامين إلى 10.5 بالمئة.
وبموجب الاتفاقية تعفى الصادرات المصرية مثل الملابس الجاهزة والمنسوجات من الرسوم الجمركية، وبعد استبعاد هذه المنتجات الداخلة ضمن الاتفاقية، يصبح المتبقي من حجم الواردات إلى الولايات المتحدة نحو 5 بالمئة فقط، مما يعني محدودية تأثير قرارات ترامب على حجم التجارة المصرية إلى أميركا.
كيف تم حسابات الرسوم الجمركية؟
يقول أستاذ الاقتصاد بكلية السياسة والاقتصاد جامعة السويس حمادة صلاح: "إن إدارة ترامب اتخذت سلسلة من الإجراءات الحمائية الاقتصادية، كان أبرزها فرض رسوم جمركية على الواردات السلعية وليس على الخدمات بهدف تقليص العجز المزمن في الميزان التجاري الأميركي، والذي تجاوز 1.2 تريليون دولار، وقد تم تطبيق هذه الرسوم على صادرات 184 دولة".
وأضاف أن هذه "الخطوة نادرة الحدوث لم تتكرر في التاريخ سوى مرتين: عام 1828 وعام 1930، وكلتاهما أسهمتا في حدوث ركود اقتصادي حاد، وقد اعتمدت الإدارة الأميركية حينها معادلة بسيطة لحساب التعريفة الجمركية، تتمثل في: (العجز التجاري مع الدولة مقسوما على إجمالي الواردات منها) مقسوما على 2 ما يعادل نسبة الرسوم الجمركية المفروضة".
وتابع: "مثلا، في عام 2024، صدّرت الولايات المتحدة إلى الصين سلعا بقيمة 143 مليار دولار، بينما استوردت منها بما يقارب 438 مليار دولار، أي أن العجز التجاري بلغ 295 مليار دولار، ما يمثل 68 بالمئة من إجمالي الواردات من الصين. وبقسمة هذه النسبة على 2، وصلت الرسوم الجمركية المفروضة إلى 34 بالمئة".
وأوضح أن هذه القاعدة "طبقت على معظم دول العالم. أما الدول التي تحقق معها الولايات المتحدة فائضا تجاريا أو عجزا بسيطا، فقد فرضت عليها رسوم جمركية موحدة بنسبة 10 بالمئة، وهو ما انطبق على أكثر من 100 دولة، من بينها مصر".
وأضاف صلاح في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "ما يميز مصر هو عضويتها في اتفاقية الكويز، مما منحها وضعًا تفضيليا نسبيًا مقارنة بدول أخرى، وهنا يتبادر إلى الأذهان تساؤل: "هل تحمي الكويز الاقتصاد المصري بالكامل من آثار الحماية الأميركية؟
والإجابة: ليس تماما. فالتأثير قد يكون مباشرا أو غير مباشر من خلال عدد من القنوات، ويتوقف حجم التأثير على ردود أفعال الدول الكبرى، وكذلك على السياسة النقدية الأميركية المستقبلية".
ماذدا سيحدث بعد فرض الرسوم؟
يقول صلاح، إن فرض الرسوم الجمركية يضعنا أمام سيناريوهين رئيسين، حيث يقوم السيناريو الأول على أنه "إذا تم إقرار الرسوم الجمركية دون تحفيزات مالية أو تخفيضات ضريبية، فقد يؤدي ذلك إلى تباطؤ إنفاق المستهلكين والشركات داخل الولايات المتحدة، مما يضغط على النمو الاقتصادي. حينها، قد يلجأ الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) إلى خفض أسعار الفائدة لمحاولة تحفيز النشاط الاقتصادي، وتشجيع الاقتراض".
ويضيف أن "السيناريو الثاني يقوم على أن تؤدي الرسوم إلى تضخم مرتفع. أما السيناريو الاخر فيتمثل في تسبب الرسوم الجمركية في ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وفي هذه الحالة قد تواجه الولايات المتحدة ما يعرف بـ" الركود التضخمي" (تباطؤ في النمو مع ارتفاع في الأسعار).
وهنا يكون الفيدرالي في موقف صعب؛ حيث لا يمكنه خفض الفائدة لتجنب زيادة التضخم. وبالتالي، قد يبقي الفائدة مرتفعة لفترة طويلة".
ويتابع أستاذ الاقتصاد أنه: "بشكل عام وفي الحالتين، فإن انكماش التجارة العالمية سيؤثر على حجم صادرات مصر إلى العالم، كما قد يؤدي إلى انخفاض عائدات قناة السويس نتيجة تراجع حركة الشحن، وهو ما يعني انخفاض المعروض من الدولار داخل الاقتصاد المصري، وبالتالي ضغوط على الجنيه المصري وارتفاع سعر الدولار.
وفي حالة رفع الفائدة الأميركية لكبح التضخم، قد يحدث هروب لرؤوس الأموال الأجنبية من الأسواق الناشئة -ومنها مصر- إلى السوق الأميركي، بما يفاقم أزمة النقد الأجنبي، ويضغط على معدلات التضخم داخل مصر بشكل مزدوج".