يبدو أن إقدام الإدارة الأميركية -أمس الثلاثاء- على نشر نحو 64 ألف وثيقة كانت مصنفة سرية سابقا حول اغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي ، لم يروِ غليل وسائل الإعلام، لا سيما صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست، اللتين أجمعتا على أمر واحد وهو أن ما لم يُنشر أكبر بكثير مما أُميط اللثام عنه.
وهذا ما دفع صحيفة واشنطن بوست للحديث عن قضايا أخرى تكشفت فعلا من خلال وثائق كينيدي.
وجاء في إحداها أن وكالة الاستخبارات المركزية استغلت في عام 1960 صديقا مقربا من الزعيم الكوبي آنذاك فيدل كاسترو لجمع معلومات عن نشاطات الثورة الكوبية.
وقالت الصحيفة إن ذلك الشخص يدعى مانويل ماتشادو لوساس، وكان أمينا لصندوق الحركة الثورية المكسيكية وعميلا للسي آي إيه.
وفي عام 1962، قامت الوكالة بتلويث 800 كيس من السكر الكوبي بمواد كيميائية تجعل السكر غير صالح للاستهلاك الآدمي. وكانت تلك الكميات على متن سفينة شحن في طريقها من كوبا إلى الاتحاد السوفياتي .
وكتبت وكالة المخابرات المركزية أن المادة الملوثة كانت "مادة كيميائية تُستخدم في عملية تحوير الكحول"، مضيفةً أن ذلك سيجعل شحنة السكر بأكملها -80 ألف كيس- غير صالحة للاستهلاك الآدمي عند تكريرها في الاتحاد السوفياتي.
وكشفت وثائق جديدة أن وكالة المخابرات راقبت الصحفي مايكل جيتلر من صحيفة واشنطن بوست في السبعينيات ضمن جهودها لتعقب تسريبات أمنية. أثار هذا الكشف قلقا بشأن انتهاك حرية الصحافة.
وأشارت إحدى الوثائق إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية أنشأت منظمة وهمية تُعرف باسم "اتحاد الثورة"، بهدف التغلغل داخل الجماعات العربية الثورية اليسارية في الشرق الأوسط . وشملت عملياتها استخدام عناوين بريدية في بوسطن وفيلادلفيا لتوزيع الدعاية وجذب اهتمام هذه الجماعات.
ولئن كان نشر الوثائق استهدف تعزيز الشفافية، فإن واشنطن بوست أبرزت أنه أثار سلسلة من الأسئلة الأخلاقية والقانونية.
وقد تضمنت تلك الوثائق أيضا معلومات شخصية مثل أرقام الضمان الاجتماعي لموظفين حكوميين من السبعينيات، مما أثار استياء المتضررين، مثل جودي ك. بارغا، التي أعربت عن صدمتها من نشر تفاصيلها الخاصة دون إذن.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن المحامي لاري شنابف القول إن الحكومة الأميركية ربما بالغت في تصنيف الوثائق كسجلات سرية، مما يثير الجدل حول استخدام هذا الإجراء بشكل مفرط.
وقالت نيويورك تايمز إن هذه الوثائق، بدلا من الكشف عما ادعاه روبرت كينيدي ابن شقيق الرئيس الأسبق جون كينيدي ذات مرة من أن هناك دليلا دامغا على تورط وكالة الاستخبارات في اغتيال عمه، فإن الوثائق تضمنت مذكرات حول ميزانياتها السرية ومخبريها، وأعمالا مثل الاختراقات غير القانونية والمراقبة.
صحيفة نيويورك تايمز استخلصت بضع نقاط رئيسية من تلك الملفات، التي قالت إنها أثارت اهتمام المؤرخين والصحفيين والباحثين الذين انكبوا على الوثائق أملا في العثور على أي معلومة يمكن اعتبارها مهمة.
وبينما توقع الكثيرون أن تكشف الوثائق عن أدلة جديدة تغير فهم الجماهير عن حادثة الاغتيال التي وقعت في مدينة دالاس بولاية تكساس يوم الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1963، فإن المفاجأة الأكبر كانت في أن الخطوة لم تبُح بأسرار كبيرة.
وجاءت هذه الخطوة بعد توقيع الرئيس دونالد ترامب أمرا تنفيذيا في 23 يناير/كانون الثاني قضى برفع السرّية عن سائر الملفات المتعلقة باغتيال كينيدي وشقيقه روبرت ورائد حركة الدفاع عن الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ.
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن السرية التي أحيطت بها تلك الوثائق، لم تكن لإخفاء دليل على وجود متآمرين آخرين في اغتيال كينيدي، وإنما لحماية أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) و"الممارسات غير السليمة" التي تتبعها أحيانا في جمع المعلومات وتنفيذ العمليات.
وفي حين لم تفصح الوثائق سوى عن القليل مما يطعن في الحقائق المعروفة عن اغتيال جون وروبرت كينيدي ورائد حركة الدفاع عن الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ ، فإن نيويورك تايمز لا تعتقد أن هذا الكشف قد يكتب نهاية عمليات رفع السرية.
أما صحيفة واشنطن بوست، فقد أفادت أن رفع السرية عن ملفات كينيدي لم يغيِّر حتى الآن الفكرة السائدة من أن الجندي السابق في مشاة البحرية الأميركية (المارينز) لي هارفي أوزوالد هو الذي اغتال الرئيس في ذلك اليوم.
وورد في تقريرها أن إحدى الوثائق كشفت أن جيمس مكورد -الذي كان موظفا رفيعا في وكالة سي آي إيه لفترة طويلة، وأُدين لاحقا في فضيحة ووترغيت التي كان السبب في تقديم الرئيس ريتشارد نيكسون استقالته في عام 1973- لعب دورا رئيسيا في تطوير تقنية "الفحص الفلوري" للكشف عن أجهزة التنصت الخفية، وهي تقنية غيرت مستقبل التجسس.
وكان الرئيس دونالد ترامب قد تعهد، في زيارته الأخيرة لمركز كينيدي في واشنطن، بنشر 80 ألف وثيقة بدون أي رقابة أو حجب، إلا أن 64 ألفا فقط منها هي التي أُفرج عنها ولكن بعض أجزائها لا يزال محجوبا.
وعلى الرغم من أن 99% من وثائق الاغتيال أصبحت متاحة الآن، فإن هذا لم يُنهِ الجدل أو يُقنع أصحاب نظريات المؤامرة، الذين يعتقدون أن هناك المزيد مما لم يُكشف عنه.