آخر الأخبار

الأردن وسوريا: محاولات لترميم العلاقة بعد عقود من الشد والجذب

شارك
مصدر الصورة

يستضيف الأردن، الأحد، اجتماعاً لدول الجوار السوري، لبحث قضايا رئيسة متعلقة بالأمن ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وعودة اللاجئين، وفق ما أعلنته وزارة الخارجية الأردنية في بيان رسمي، بمشاركة مسؤولين رفيعي المستوى من الأردن وتركيا والعراق ولبنان وسوريا.

ورغم شُح التفاصيل حول أجندة اللقاء والقرارات - أو التوصيات - المرتقبة عنه، إلا أن توقيت الاجتماع يعكس مدى أهميته في ظل التطورات المتسارعة في سوريا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والتي شهدت سقوط نظام حكم استمر قرابة خمسة عقود، وانتقال السلطة إلى قيادة جديدة تمثل قوى المعارضة.

وفي الأسابيع الأخيرة، اندلعت اشتباكات بين قوات وزارة الدفاع السورية وعناصر تصفها دمشق بـ "فلول النظام السابق"، وهو تطور يُرجَّح أن يكون أحد الملفات على طاولة الاجتماع، في ظل مساعٍ إقليمية لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق البلاد إلى موجة جديدة من الصراع.

ويبدو أن عمّان، التي تستضيف الاجتماع، تستعد للعب دور بالتعاون مع "دول الطوق السوري"، لإيجاد أرضية مشتركة تساند مؤسسات الدولة السورية وتدفع باتجاه استقرار البلاد التي عانت من التوتر والاضطرابات لأكثر من عقد ونصف.

ورغم أن العلاقة الأردنية-السورية لم تكن في أفضل حالاتها خلال حكم حافظ الأسد أو نجله بشار، يبدو أن تقارباً ما بدأ يلوح في الأفق، تجلى في سلسلة زيارات متبادلة بين الجانبين، كان آخرها زيارة رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى عمّان.

في هذا التقرير، نستعرض مسار العلاقة بين الأردن وجاره الشمالي، مروراً بمراحل الصراع المباشر، والفتور، وصولاً إلى التقارب الحذر، في ظل مساعٍ مشتركة لاستعادة الاستقرار ورسم مستقبل جديد للعلاقات الثنائية.

ما قبل التأسيس: من وحدة الدم إلى تضارب المشاريع السياسية

تعود جذور العلاقة بين سوريا والأردن إلى فترة ما قبل تأسيس الدولتين الحديثتين، حيث كانت المنطقة جزءاً من بلاد الشام تحت الحكم العثماني، ومع انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، خضعت المنطقة لإعادة تشكيل سياسية وفق اتفاقية سايكس بيكو (1916)، التي قسّمت بلاد الشام بين النفوذ البريطاني والفرنسي.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، خضعت سوريا للانتداب الفرنسي، بينما أُنشئت إمارة شرق الأردن تحت الانتداب البريطاني عام 1921، بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين، الذي كان يسعى لتوحيد بلاد الشام تحت حكم الهاشميين.

في المقابل، كانت سوريا تحت حكم الملك فيصل بن الحسين - وهو شقيق عبدالله أمير الأردن- حتى معركة ميسلون عام 1920، التي أدت إلى فرض الانتداب الفرنسي وإخراج فيصل من الحكم.

مصدر الصورة

وشكّل الأردن قاعدة عبور للثوار السوريين ضد الاحتلال الفرنسي، وقدم الدعم لقادة الثورة السورية الكبرى (1925-1927)، مثل سلطان الأطرش، وهو ما زاد من توتر العلاقات مع فرنسا.

ورغم أن استقلال البلدين حدث في ذات العام 1946، إلا أن العلاقات اتخذت طابعاً جديداً فرّقته "تبعية المشروع السياسي" وجمعته الحدود ورابط الدم الذي يجمع شعبي البلدين.

صراع المسارات: المَلكية في مواجهة القومية العربية

في مرحلة ما بعد الاستقلال (1946-1950)، وانتهاء الانتدابين الفرنسي والبريطاني أصبحت سوريا جمهورية برلمانية، بينما أعلن الأردن نظاماً ملكياً يرأسه الملك عبد الله الأول.

وسلكت الدولتان منذ استقلالهما مسارين مختلفين، فالأردن كان يميل إلى سياسات متحالفة مع بريطانيا، بينما تبنت سوريا نهجاً جمهورياً، وتحولت إلى مركز لتبني القومية العربية الذي يعارض الملكيات في المنطقة، وكانت الحكومات السورية المتعاقبة تتبنى خطاباً معادياً للمشاريع الهاشمية متماهياً مع المشروع الذي يتوسع آنذاك في القاهرة.

وما زاد حدّة تضارب مسار الدولتين، صعود الحكومات القومية في سوريا بعد سلسلة انقلابات عسكرية، مثل حكومة أديب الشيشكلي (1951-1954) التي زادت من التوتر مع الأردن، وصولاً إلى حكومة شكري القوتلي (1955-1958) التي دخلت في تحالف وثيق مع مصر الناصرية ضد المحور الهاشمي.

في عام 1955، دعمت كل من بريطانيا والولايات المتحدة حلف بغداد الذي ضم العراق وتركيا وإيران لمواجهة النفوذ السوفييتي، وكان الأردن مرشحاً للانضمام، لكن سوريا ومصر قادتا حملة شرسة ضده باعتباره أداة استعمارية، وهو ما أدى إلى احتجاجات واسعة في الأردن وصلت إلى حد تهديد النظام الهاشمي.

وتصاعدت حدة الأزمة الشعبية في عام 1957 بعد سلسلة من التوترات، قام على إثرها الملك حسين بطرد الضباط والقيادات المقربة من سوريا ومصر.

مصدر الصورة

وفي عام 1958، دخلت سوريا في اتحاد مع مصر تحت اسم "الجمهورية العربية المتحدة" بقيادة جمال عبد الناصر، وقد زاد ذلك من عزلة الأردن، خاصة أن مصر وسوريا كانتا داعمتين للحركات القومية المعادية للملك حسين.

في المقابل، شكل الأردن والعراق الاتحاد الهاشمي (1958) كرد فعل على الوحدة السورية-المصرية، لكنه انهار سريعاً بعد ثورة 14 يوليو/تموز 1958 في العراق التي أطاحت بالملك فيصل الثاني.

ورغم الخلافات، شارك الأردن وسوريا في حرب 1967 ضد إسرائيل، لكن الهزيمة أدت إلى احتلال الضفة الغربية والجولان، وسرعان ما انهار هذا التحالف بأحداث "أيلول الأسود" في عام 1970 بعد الدعم الذي قدمته سوريا البعثية للفصائل الفلسطينية في الأردن بهدف زيادة نفوذها وسيطرتها.

في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وبالرغم من تحسن العلاقات مقارنة بماضيها، إلا أن التوتر ظلّ يسودها بسبب دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران، بينما انحاز نظام حافظ الأسد إلى الأخيرة في ظل قيادتها الإسلامية الجديدة بعد سقوط نظام الشاه - حليف الأردن السابق.

وفي عام 1994 وقع الأردن اتفاقية وادي عربة - معاهدة سلام مع إسرائيل- ولم يكن المزاج الرسمي السوري راضياً عنها.

عبدالله الثاني وبشار الأسد.. ألفية جديدة وقائدان شابان

مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين غيّر حدثان بارزان شكل القيادة في كل من الأردن وسوريا: توفي الملك حسين بن طلال في 7 فبراير/شباط 1999 بعد صراع مع المرض، وتولى ابنه عبدالله الثاني العرش، ثم توفي الرئيس حافظ الأسد في 10 يونيو/حزيران 2000، وانتقل الحكم إلى ابنه بشار الأسد بعد تعديل طارىء جرى على الدستور السوري.

عند تولي الزعيمان الشابان، سدة حكم بلادهما، حاول كل منهما فتح صفحة جديدة وتحسين علاقتهما، لكن وبالرغم منذ ذلك، كان الخلاف حاضراً في ملفات متعلقة بالاقتصاد والحدود والغزو الأمريكي للعراق و"التدخل السوري في لبنان" والموقف من حركة المقاومة الإسلامية حماس.

لكن الشرخ الأكبر في العلاقة ظهر مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011 والتي شكلت نقطة تحول كبرى في العلاقة بين البلدين، حيث تبنى الأردن موقفاً داعماً للحل السياسي ودعمت عمان بعض الفصائل المعارضة، وهو ما اعتبرته دمشق تدخلاً في شؤونها.

مصدر الصورة

ويصف مركز كارنيغي للشرق الأوسط، موقف الأردن في هذا الموضع بأنه "انضمّ إلى المعسكر المناهض للأسد على مضض، وكان متخوّفاً من عواقب هذه الخطوة، وخير دليل على ذلك أن عمّان لم تعمد إلى قطع علاقاتها نهائياً مع دمشق".

ومع تدهور الأوضاع في سوريا، زادت التهديدات الأمنية على الحدود بين الجارين، بما في ذلك عمليات التهريب واقتراب الجماعات المتشددة. يقول هنا شهاب المكاحلة، في بحث له عبر منتدى فكرة وهو تابع لمعهد واشنطن، إن المسؤولين الأردنيين ارتأوا ضرورة إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحةً بين المسؤولين الأمنيين والعسكريين نظراً للمخاوف الأمنية المتعلقة بالإرهاب.

ويشير إلى أنه منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، "خشي الأردن من أن أي صراع في سوريا سيساعد المسلحين والجهاديين على الحدود الأردنية على توسيع معاركهم داخل الأراضي الأردنية الشمالية".

ومع تعزز موقف النظام السوري بعد التدخل الروسي في 2015، تغيرت طبيعة العلاقة تدريجياً، وغدا الأردن مهتماً أكثر بإعادة فتح المعابر بين البلدين والتنسيق الأمني المحدود لمجابهة التهديدات جرّاء تعسكر جماعات متشددة قرب حدوده، وتزايد محاولات تهريب المخدرات والتي شكلت مصدر قلق أمني كبير لعمان.

بحلول عام 2018، يقول مركز كارينغي، "أصبح احتمال بقاء الأسد في السلطة شبه مؤكد، ولم تجد عمّان نفسها مجاورة لنظام ساخط وحسب، بل أيضاً لحلفائه روسيا وإيران وحزب الله، وبات عليها التعامل مع التحديات الناجمة عن ذلك".

ويضيف أنه في مواجهة هذا الواقع الجديد، أبدى الأردن رغبة في بناء علاقات أفضل مع جارته الشمالية، وحرص في الوقت نفسه على عدم إثارة حفيظة حلفائه الأساسيين، ولا سيما الولايات المتحدة التي بقيت معادية للأسد بشدّة.

ولعلّ المؤشّر الأبرز على رغبة الأردن في تحسين علاقاته مع سوريا كان قراره بفتح معبر درعا الحدودي بعد أن استعاد النظام السيطرة على المنطقة من أيدي قوات المعارضة في أغسطس/آب 2018.

مرحلة ما بعد الأسد

في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، حمل الرئيس السوري بشار الأسد حقائبه وغادر إلى موسكو، بعد سقوط المحافظات على التوالي بأيدي قوات المعارضة ووصولها إلى مشارف دمشق.

وتولى أحمد الشرع قيادة الحكومة الانتقالية في سوريا ولاقى دعماً أردنياً، حيث كان وزير خارجية المملكة في دمشق بعد ساعات حاملاً "دعمه لتحقيق الأمن لسوريا ووحدة أراضيها واستقرار مؤسساتها".

واتفق الأردن وسوريا على تشكيل لجنة أمنية مشتركة لتعزيز أمن الحدود ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، بالإضافة إلى منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويقول الوزير الأسبق والكاتب الصحفي الأردن سميح المعايطة، في هذا الصدد: "الأردن حسم خياراته منذ اليوم الأول لسقوط بشار الأسد وأعلن عن احترام إرادة الشعب السوري".

ويشير المعايطة في مقالٍ له بصحيفة الرأي المحلية، إلى أن "هذا الاتجاه كان مهما لايجاد طريق مؤثر لرفع العقوبات الأوروبية والأمريكية عن سوريا، فهذا مسار مهم لإنقاذ الاقتصاد السوري وإخراجه من أزماته".

مصدر الصورة

وتوّجت المرحلة الجديدة، بزيارة قام بها رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في فبراير/شباط الماضي إلى الأردن، التقى فيها بالعاهل الأردني، وقد أعرب الأردن عن استعداده لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا، بما في ذلك تزويدها بالكهرباء والغاز، والمساهمة في تخفيف أزمة الطاقة التي تواجهها البلاد.

ورغم التباين التاريخي في النهج السياسي بين البلدين، إلا أن الجغرافيا والمصالح المشتركة فرضت الحفاظ على قنوات التواصل، وإن كانت محدودة لفترات طويلة، خاصة في ظل التحديات الأمنية والاقتصادية التي باتت تُملي على عمّان ودمشق التعاون الحذر.

ومع سقوط نظام الأسد وتولي قيادة جديدة في سوريا، يواجه الأردن معادلة جديدة تفرض عليه دوراً داعماً للاستقرار، باعتباره عاملاً أساسياً في التخفيف من أزماته السياسية والاقتصادية والأمنية.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا