من المتوقع أن يتولى فريدريش ميرتس - زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي – منصب المستشار القادم لألمانيا.
وتشير التوقعات إلى أن يفوز حزبه بحوالي 28 في المئة من أصوات الناخبين في ألمانيا. والسؤال الآن عن القوى السياسية التي قد تشكل معه ائتلافاً حاكماً.
ويصف أنصار ميرتس، 69 سنة، بأنه العلاج لأزمة الثقة في أوروبا، وهو وجه مألوف بالنسبة للحرس القديم في حزبه.
وعلى الصعيد السياسي، لم يكن أداؤه مرضياً على الإطلاق، ورغم ذلك، وعد بقيادة قوية للبلاد ومعالجة العديد من المشاكل التي تعاني منها في غضون أربع سنوات.
ومع ظهور نتائج الانتخابات مساء الأحد الماضي، لفت ميرتس الانتباه عندما أعلن أن الولايات المتحدة تبدو غير مبالية بمصير أوروبا وتساءل عن مستقبل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مطالباً أوروبا بتعزيز دفاعاتها.
وكشفت محاولته المثيرة للجدل الشهر الماضي – تمرير اقتراح غير ملزم يتضمن تشديد قواعد الهجرة بدعم من أصوات اليمين المتطرف من البرلمان – عن رجل مستعد للمغامرة من خلال كسر أحد أهم المحرمات الرئيسية.
ويُعد مثل هذا القرار انفصال واضح آخر عن موقف الحزب الديمقراطي المسيحي الأكثر وسطية تحت قيادة منافسته السابقة في الحزب أنغيلا ميركل.
ورغم أن ميرتس فشل في نهاية المطاف في تغيير القانون، إلا أنه وجه كل طاقته إلى الحملة الانتخابية التي انطلقت بعد انهيار حكومة المستشار، أولاف شولتز أواخر العام الماضي.
ومن المعروف أن ميركل كانت تهمش ميرتس قبل أن تصبح مستشارة، فاستقال من البرلمان والتحق بعدة وظائف تدر الكثير من المال في عدد من الشركات، وأصبح البعض يعتبره سياسياً سابقاً.
لكنه يبدو الآن مستعداً للحصول على المنصب الذي طالما تطلع إليه.
في 23 من يناير/ كانون الثاني الماضي، قبل شهر واحد من الانتخابات الألمانية المبكرة في ألمانيا، تجمع حشد كبير في أحد فنادق الخمس نجوم في برلين لسماع خطاب ميرتس حول السياسة الخارجية.
لم يكن الضجيج بالقرب من "صالة الرقص" في فندق "أوتيل دي روما" قادماً من مصدر كهربائي، بل كانت صرخة قادمة من بعيد منذ حوالي 20 سنة مضت عندما كان ميرتس يراجع مشواره في عالم السياسة.
ميرتس هو أيضاً طيار معتمد، سبق وأن واجه انتقادات عام 2022 لقيادته طائرة خاصة إلى جزيرة سيلت شمال ألمانيا لحضور حفل زفاف زميله السياسي كريستيان ليندنر.
وعندما صعد إلى المنصة في فندق "دي روما"، قوبل زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المعارض في ألمانيا بتصفيق هادئ، وهو الحزب الذي يتصدر استطلاعات الرأي باستمرار.
ميرتس طويل القامة نحيف يرتدي بدلة ونظارات. ويبدو هادئاً وتقليدياً يغلب عليه مظهر رجال الأعمال عندما يحاول إظهار استعداده لتولي السلطة.
لقد كانت رحلة شاقة حتى وصل إلى هذه النقطة.
وُلِد ميرتس في مدينة بريلون غرب ألمانيا، عام 1955 لعائلة كاثوليكية محافظة بارزة.
وكان والده قاضياً محلياً، وهي نفس الوظيفة التي تشغلها زوجة ميرتس شارلوت حتى يومنا هذا.
انضم ميرتس الأصغر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بينما كان لا يزال في المدرسة.
وفي مقابلة أجريت معه قبل 25 سنة مع صحيفة دير شبيغل الألمانية، ادعى فيه أنه كان شاباً أكثر جرأة مما قد تشير إليه سيرته الذاتية المتشددة.
كما كانت له مغامرات أخرى كثيرة مثل سباق الدراجات النارية في الشوارع، والتسكع مع الأصدقاء بجانب كشك رقائق البطاطس، وممارسة لعبة ورق في الصفوف الخلفية من غرفة الدراسة عندما كان طالباً، والتي حكى عنها للصحيفة الألمانية.
وانتهت حفلة للمراهقين التي أشار إليها بتبول جماعي من بعض الطلاب في حوض السمك في المدرسة، وفقاً لمجلة دير شبيغل الألمانية.
وهناك شكوك في أن ميرتس كان مثيراً للشغب وهو في سن المراهقة. ويرى أحد زملاء الدراسة السابقين أن سلوك فريدريش الشاب المشاغب كان في أغلب الأحيان مجرد رغبة في "أن تكون له الكلمة الأخيرة".
وروى لي بعض معارفه، سراً وعلى الملأ، بعض القصص عن فريدريش ميرتس؛ من بينها أنه يستمتع بتناول الجعة وأحياناً ما يكون لطيفاً. كانت هذه الحكايات كثيرة على الرغم من أن القليل منهم فقط هم من كان لديهم حكايات توضح مزاعمهم.
والتحق بالجيش بعد الانتهاء من المرحلة الثانوية قبل أن يبدأ دراسة القانون ويتزوج زميلته شارلوت غاس عام 1981.
ولدى ميرتس وزوجته شارلوت ثلاثة أطفال.
وعمل ميرتس في المحاماة لعدة سنوات، لكنه كان دائماً ما كان يركز على العمل السياسي. وانتخب لعضوية البرلمان الأوروبي في عام 1989 وهو لا يزال في الثالثة والثلاثين من عمره.
وقالت داغمار روث-بيهريندت، التي أصبحت في ذلك الوقت عضواً في البرلمان الأوروبي عن حزب يسار الوسط الديمقراطي الاجتماعي الألماني: "كان كلانا صغيرين في السن ونشيطين للغاية، ولنقل غير مدللين".
وروت أن الشاب ميرتس كان جاداً وموثوقاً وصادقاً ومهذباً.
كما وصفته بأنه كان خفيف الظل - وهي الصفة التي ترى أنها أصبحت أقل وضوحاً الآن، قائلة: "أعتقد أن كم الضربات التي تعرض لها بمرور الوقت ربما جعلته قاسياً بعض الشيء".
ولكن هل بدا عليه في وقت مبكر من حياته المهنية أنه قد يكون يوماً ما مستشار ألمانيا؟
وقالت روث-بيهريندت: "ربما أجيب بلا، لا يمكن. هيا، لا بد أنك تمزح!".
مع ذلك، كان الجميع يعلمون أنه طموح للغاية، وسرعان ما انتقل ميرتس من السياسة في الاتحاد الأوروبي إلى البرلمان الوطني الألماني، البوندستاغ، في عام 1994.
بعد ذلك، ترقى في المناصب. وكان يُنظر إليه على أنه موهوب في الفصيل الأكثر يمينية وتقليدية في الحزب.
وقال كلوز- بيتر فيلش، عضو الحزب الديمقراطي المسيحي في البرلمان الألماني "البوندستاغ" الذي يعرف ميرتس منذ أكثر من 30 سنة: إنه "متحدث رائع ومفكر عميق".
كما وصفه "بالمحارب"، مدللاً على ذلك بأنه قام بثلاث محاولات للحصول على زعامة الحزب.
ويمكن قراءة فشله في المرتين الأولى والثانية في عام 2018 و 2021 على أنه دليل على كفاحه لاستقطاب القاعدة الشعبية.
لكن في أوائل العقد الأول من القرن 21، عندما انحرفت طموحاته في البداية، خسر أمام أنغيلا ميركل في صراع على السلطة داخل الحزب.
لم يكن هناك توافق واضح بين ميركل، خبيرة الكيمياء الكمية من الشرق الشيوعي السابق، وميرتس، المحامي الواثق من نفسه من الغرب.
وتجاهل ميرتس هذه الحلقة المريرة من مسيرته السياسية – في مقال موجز غلب عليه طابع السيرة الذاتية نُشر على موقع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي – إذ يقول إنه قرر بحلول عام 2009 مغادرة البرلمان "لإفساح المجال أمام نفسه لمزيد من التفكير".
وعلى مدار سنوات التفكير تلك، عمل في قطاع التمويل وقانون الشركات وترقى في المناصب حتى أصبح مديراً تنفيذياً وعضو مجلس إدارة في العديد من الشركات الدولية حتى أن البعض يقولون إنه أصبح مليونيراً.
ومر أكثر من عقد من الزمان قبل أن يعود إلى البرلمان، وسعى منذ ذلك الحين إلى توجيه الضربات إلى نهج ميركل الأكثر وسطية فيما يتعلق بالتوجه المحافظ لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
لقد جاءت لحظة فارقة من الانفصال السياسي في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما نجح فريدريش ميرتس في تمرير اقتراح غير ملزم بشأن تشديد قواعد الهجرة، معتمداً على أصوات حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني.
ورغم تأكيده رفض أي تعاون مباشر مع حزب البديل من أجل ألمانيا، أثار ذلك التحرك احتجاجات جماهيرية ضده كما أدانته ميركل في أكثر من مناسبة.
ونادراً ما كانت المرأة التي حكمت ألمانيا لمدة 16 سنة تتدخل في الشأن السياسي.
وقال منتقدوه في ذلك الوقت إن ما فعله مناورة انتخابية لا تُغتفر، لكن المؤيدين أصروا على أن ميرتس كان في الواقع يسعى إلى إبعاد الناخبين بذكاء عن أقصى اليمين.
وخاطر ميرتس، عندما كان عضواً في البرلمان، بتنفير شرائح أكثر اعتدالاً من الناخبين وإبعادهم عنه عندما صوت في تسعينيات القرن العشرين ضد مشروع قانون تضمن تجريم الاغتصاب الزوجي.
وأوضح لاحقاً أنه يعتبر الاغتصاب الزوجي جريمة بالفعل، لكن اعتراضه كان على تفاصيل أخرى في مشروع القانون.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن ميرتس لا يحظى بشعبية كبيرة بين الشباب والنساء - لكن كلاوس بيتر فيلش يعتقد أن الصورة التي رسمتها له وسائل الإعلام الألمانية غير عادلة.
وقال لي فيلش: "قابلته عدة مرات في دائرتي الانتخابية. كما تصفه النساء بأنه لطيف".
كما دافعت شارلوت ميرتس عن زوجها، قائلة لصحيفة فيستفاليا: "ما يكتبه البعض نظرة زوجي للمرأة ليس صحيحاً على الإطلاق".
وقالت إن زواجهما يقوم على الدعم المتبادل: " كلانا يهتم بعمل الآخر ونقسم مسؤوليات رعاية الأطفال بطريقة متوافقة مع التزاماتنا المهنية".
وأياً كانت الانتقادات، فقد أخبرني أحد الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي أن بروكسل "تنتظر وصوله (ميرتس) بفارغ الصبر".
وقال لي: "حان الوقت للمضي قدماً من هذا المأزق الألماني وتشغيل هذا المحرك".