آخر الأخبار

جورجيا بين الحلم الأوروبي وكابوس النفوذ الروسي

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

مع بزوغ فجر عام 2025، تجد جورجيا نفسها على مفترق طرق تاريخي، حيث تتصارع قوى متناقضة لرسم مستقبل البلاد، ففي مشهد دراماتيكي يلخص عمق الأزمة، غادرت الرئيسة المنتهية ولايتها سالومي زورابيشفيلي قصر الرئاسة في ديسمبر/كانون الأول 2024 وسط حشود من مؤيديها الداعمين للاندماج الأوروبي. وفي الوقت نفسه، تم تنصيب خليفها الموالي لروسيا، ميخائيل كافيلاشفيلي، في جلسة برلمانية مغلقة، مُدشنا حقبة جديدة من التوتر السياسي.

هذا المشهد المتناقض يُجسد الصراع العميق الذي تعيشه جورجيا بين طموحات الاندماج مع الاتحاد الأوروبي من جهة، والضغوط الروسية المتزايدة من جهة أخرى.

فبينما تستمر الاحتجاجات الشعبية المؤيدة للغرب في الشوارع، تعمل مؤسسات الحكم الحالية -التي تُتهم بالخضوع للنفوذ الروسي- على تثبيت أركانها وسط تجاذبات إقليمية ودولية حادة.

في خضم هذه الأجواء المشحونة، تبرز أسئلة ملحة حول مستقبل المسار الأوروبي لجورجيا:


* فما هي حدود قدرة زورابيشفيلي على دفع أجندة الاندماج الأوروبي من خارج السلطة؟
* وهل لا تزال هناك فرصة لجورجيا للحاق بركب الدول المنضمة حديثا إلى فضاء شنغن، في منطقة تعتبرها روسيا حيوية لأمنها القومي؟
* وإلى أي مدى نجحت القوى الموالية لموسكو في حسم مصير جورجيا إقليميا، خاصة بعد قرار تعليق مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي حتى عام 2028؟ مصدر الصورة متظاهرون موالون لرئيسة جورجيا المنتهية ولايتها المؤيدة للاتحاد الأوروبي زورابيشفيلي (غيتي)

ضربة مزدوجة

بعد نحو من 35 عاما من استقلالها عن الاتحاد السوفياتي في العام 1991، يعيد التاريخ نفسه في جورجيا، حيث يخرج الجورجيون اليوم إلى الشوارع مرة أخرى من أجل الفكاك من دائرة الهيمنة الروسية والسير على درب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

إعلان

ولأجل ذلك لا تتوقف الاحتجاجات والحراك المجتمعي في شوارع تبليسي وباقي المدن منذ إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية التي فاز بها حزب "الحلم الجورجي" الحاكم وتأكيدها في البروتوكول النهائي للجنة المركزية للانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وذلك على الرغم من تحفظ بعثة المراقبة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، التي تعد جورجيا عضوا شريكا فيها، بشأن الإجراءات التي رافقتها والمشكلات التي شابت عملية الاقتراع.

وللتذكير فاز "الحلم الجورجي" بنسبة 53.93% من الأصوات، بينما حصدت الأحزاب المعارضة مجتمعة نسبة 37.78%، مما دفعها الى اتهام اللجنة المركزية للانتخابات بتزوير نتائج الاقتراع مع مطالبات بإلغائها.

لكن الاحتجاجات الشعبية تفاقمت أكثر عقب إعلان رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 تأجيل مفاوضات للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حتى عام 2028، ما يعد ضربة مزدوجة للمعارضة الجورجية والاتحاد.

ويشير الخبير في العلاقات الدولية رضوان قاسم إلى أن المثال الجورجي لا يعد سابقة ضمن السياسات الغربية في دعم الأنظمة المعادية لروسيا أو في دعم الانقلابات على الأنظمة التي تدور في فلك النفوذ الروسي في المنطقة.

ويضيف قاسم في تحليله للجزيرة نت أن "محاولات توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) حتى أطراف روسيا يدل على أن الغرب ما زال يسعى إلى خنق موسكو وتفكيكها للسيطرة على الطاقة أساسا، لكن الوضع الآن مختلف في جورجيا، فكل مؤسسات الحكم موالية لروسيا وهذا يعني أن الفشل الغربي يتكرر بعد محاولة سابقة فاشلة لدعم الانقلاب في كازاخستان".

وفي تقدير الخبير، فإن النتائج الحالية قد تجعل المساعي داخل التكتل الأوروبي -على الأقل من أجل إضعاف السلطة الحاكمة- أكثر تعقيدا بسبب دخول إدارة جديدة في البيت الأبيض بقيادة الرئيس دونالد ترامب والذي يحمل سجلا غير ودّي مع دول الاتحاد الأوروبي، بحسب رأيه.

إعلان

والتحول الأكبر والأخطر وفق قاسم، هو ما قد تفرزه الانتخابات البرلمانية المقبلة في ألمانيا والتي تبدو فيها المعارضة الشعبوية قريبة من موسكو كما أنها تطالب بإعادة العلاقات مع روسيا.

وعلى الرغم من الضغوط الدولية الغربية التي تحاصر حزب "الحلم الجورجي" الحاكم بما في ذلك العقوبات الأميركية التي استهدفت مؤسسه الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي المعروف بصلاته مع روسيا، فإنه لا شيء يوحي بضمانات لمستقبل جورجيا على المدى المتوسط.

وعلى العكس من ذلك، يسيطر انطباع لدى مراقبين والمعارضة أن الحزب الحاكم في جورجيا أصبح أكثر "استبداديا" مع الميل أكثر فأكثر نحو موسكو، بما في ذلك تمرير قوانين مشابهة لتلك التي يستخدمها الكرملين لقمع حرية التعبير وتقييد الحريات الفردية.

ويعتبر العديد من شخصيات المعارضة في جورجيا أن تولي ميخائيل كافيلاشفيلي، الذي يعد ناقدا قويا للغرب، منصب رئيس البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2024 من دون منافس، يمثل خطوة نحو تقوية قبضة الحزب الحاكم على السلطة وإبعاد جورجيا عن طموحاتها في الانضمام إلى الاتحاد. كما وصفته الرئيسة المنتهية ولايتها، سالومي زورابيشفيلي بأنه يعكس توجها متزايدا نحو روسيا في السياسة الجورجية.

مصدر الصورة مؤسس حزب الحلم الجورجي بيدزينا إيفانيشفيلي يظهر على الشاشة أثناء حضوره التجمع الانتخابي الأخير (رويترز)

من هو ميخائيل كافيلاشفيلي؟

يشتهر كافيلاشفيلي، البالغ من العمر 53 عامًا، بمسيرته الرياضية كلاعب كرة قدم محترف، حيث لعب لفرق مثل مانشستر سيتي الإنجليزي وعدد من الأندية في الدوري السويسري. دخل الحياة السياسية في 2016 بعد انتخابه عضوًا في البرلمان الجورجي عن حزب "الحلم الجورجي".

وفي عام 2022، شارك في تأسيس حركة "قوة الشعب"، التي اشتهرت بخطابها المعادي للغرب. كما كان أحد صانعي القانون المثير للجدل الذي يلزم المنظمات التي تتلقى تمويلا خارجيا بتسجيل نفسها كـ"ساعية لتحقيق مصلحة قوة أجنبية"، وهو قانون مشابه للقانون الروسي الذي يستخدم لتشويه سمعة المنظمات المعارضة.

إعلان

وتأتي هذه الخطوة التي اعتبرتها المعارضة استسلاما آخر للنفوذ الروسي بعد أشهر من تمرير البرلمان الجورجي قانون "العملاء الأجانب"، الذي يشبه بالفعل قانونا روسيا يستخدم لقمع الصحافة المستقلة ومجموعات المراقبة واستهداف المعارضين.

ويخشى الآن العديد من الجورجيين الذين يتطلعون إلى الاتحاد الأوروبي، إقامة نظام "على الطراز الروسي" متحالف مع فلاديمير بوتين، الذي تسيطر قواته بالفعل على 20% من أراضي البلاد في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا منذ حرب أغسطس/آب 2008.

ويرى الخبير رضوان قاسم أن روسيا قد تكون في موضع أفضل الآن لكن ليس هناك ضمانات بأن هذا الوضع سيستمر طالما هناك -وفق تقديره- تحرك غربي متواصل لدعم المعارضة المعادية لروسيا بهدف قلب الموازين في جورجيا وغيرها من دول المنطقة، دعما لمصالحها.

ولكن بشأن الوضع الراهن تدقيقا، يقول الخبير "إذا ما قسنا الأمور بمنطق الخسارة والربح فإن روسيا اليوم هي الفائزة بالنقاط في جورجيا. والغرب الآن خاسر سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا، وهذا ما نراه في أوكرانيا حتى الآن".

لكن هل هذا يعني هزيمة نهائية لشق المعارضة الذي تقوده سالومي زورابيشفيلي؟

مصدر الصورة كافيلاشفيل الذي انتخبه المشرعون رئيسًا جديدًا لجورجيا يؤدي اليمين في 29 ديسمبر/كانون الأول 2024 (الفرنسية)

سالومي زورابيشفيلي مهندسة المشروع الأوروبي

لا تحمل رئيسة جورجيا المنتهية ولايتها ذكريات جيدة عن الحقبة السوفياتية في بلدها الأم، حيث اضطرت للعيش بعيدة عنه برفقة والديها المهاجرين إلى فرنسا، أين استقرا بعد سنوات من اجتياح الجيش الأحمر لجورجيا وضمها للاتحاد السوفياتي عام 1922.

وهناك في فرنسا أين ولدت؟ درست سالومي وانضمت الى جهاز الدبلوماسية الفرنسية منذ سبعينيات القرت الماضي، حيث شغلت عدة مناصب في باريس ونيويورك وروما وواشنطن وفيينا ونجامينا وبروكسل قبل أن يتم تعيينها في عهد الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك سفيرة فرنسا في جورجيا في العام 2003، وهو ما مهد لها لاحقا الحصول على المواطنة ودخول الساحة السياسية في بلدها الأم في أعقاب الثورة الوردية، بموافقة الحكومة الفرنسية.

إعلان

وفي عام 2004 أصبحت سالومي وزيرة خارجية جورجيا، لتبدأ على الفور في إعادة توجيه السياسة الخارجية لبلدها نحو الغرب، وبدء التفاوض بشأن الخطوات الأولى لاندماج جورجيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

رافق قيادتها للخارجية توقيع تبليسي لعدة اتفاقيات مع حلف شمال الأطلسي والتفاوض حول خطة العمل مع الاتحاد الأوروبي. وكان لها دور بارز في ترتيب إخلاء القواعد العسكرية الروسية بالكامل في اتفاق 30 مايو/أيار 2005.

كان تأسيسها حزب "طريق جورجيا" نافذتها لإعلان نفسها في الساحة السياسية غير أنها سرعان ما عادت من جديد إلى العمل الدبلوماسي من بوابة الأمم المتحدة هذه المرة.

وبعد عودتها إلى جورجيا، تم انتخابها كعضو مستقل في البرلمان الجورجي. وانتخبت في 2018 رئيسة للبلاد كأول امرأة تتقلد هذا المنصب في تاريخ جورجيا.

أعطت سالومي منذ بداية عهدتها الرئاسية الأولوية لمشروع اندماج جورجيا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وكانت وراء الدفع نحو توقيع الإعلان المشترك في 2018 مع أوكرانيا ومولدوفا بشأن تنسيق جهود الشراكة الشرقية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

مصدر الصورة رئيسة جورجيا المنتهية ولايتها سالومي زورابيشفيلي تدلي بتصريحات أمام قصر أوربيلياني في تبليسي (الأناضول)

لكن بعد خروجها من القصر الرئاسي بات هذا الحلم على المحك، ويعتمد على مدى قدرتها على إبقاء الشارع والمعارضة في حالة استقطاب لدفع الحكومة إلى التراجع عن قرار تعليق مفاوضات الانضمام.

وتعليقا على ذلك، يقول تورنيكي غورداتشي وزير الإدماج الأوروبي في جورجيا عام 2010 والباحث في معهد "جاك ديلور" الفرنسي "لقد انتهى الأمر بالمعارضة إلى الاتحاد خلفها لأنها ظلت المؤسسة الوحيدة المؤيدة لأوروبا في البلاد بعد الحرب الروسية لأوكرانيا. كما أن الأحزاب السياسية لديها كل المصلحة في استمرار الحفاظ عليها باعتبارها قوة موحدة للقوى الموالية للغرب في البلاد. نأمل أن يظل هذا الوضع قائما حتى إجراء انتخابات جديدة".

ويقول أيضا الخبير المتخصص في شؤون الاتحاد الأوروبي في بروكسل حسين الوائلي للجزيرة نت "لا أعتقد أن هناك الكثير من العوائق التي تعترض الجبهة السياسية التي أخذت جورجيا نحو روسيا. غير أنه من المبكر القول بأن روسيا ربحت في جورجيا. هذا فوز مؤقت. ثم إن الاتحاد الأوروبي أعطى عدة إشارات للمجتمع المدني في جورجيا بأنه يمكنه أن يلعب دورا مهما لقلب موازين المعادلة لمصلحة المشروع الأوروبي".

وبغض النظر عن التكهنات السياسية بشأن مصير التوجهات الخارجية لتبليسي، فإن هناك إجماعا بين الخبراء حول الأهمية الجيوسياسية لجورجيا، وهو عامل يجعل من هذا البلد متحركا سياسيا وسريع التأثر بالتداعيات الخارجية المحيطة به، ويلقي هذا بمخاوف مستمرة من الانزلاق الى وضع مشابه للتجربة الأوكرانية التي باتت تخشاها جميع الدول في المنطقة.

إعلان

ويوضح الوائلي في تحليله "جورجيا تمثل مجالا جيوسياسيا عميقا ومهما للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنابيب الغاز التي تشق البلاد وخاصة تلك التي تخرج من أذربيجان وتتجه إلى تركيا. هذه الأنابيب قد تتعطل في ظل حكم المؤسسات والجبهة السياسية الموالية لروسيا، مع أن هذا يتوقف على تفاهمات تركية روسية جورجية".

مع ذلك يستبعد الخبير أن تتحول جورجيا إلى نسخة مكررة من أوكرانيا، والسبب الرئيسي في تقديره أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يريد حربا جديدة عند أطراف روسيا ومزيدا من الاستنزاف للاقتصاد الأميركي الذي يعاني من عجز وضعف وديون ضخمة تقدر بـ36 تريليون دولار.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا