لا شك أننا نعيش في أوقات استثنائية، حيث تختلف وجهات النظر حول الاقتصاد العالمي بشكل كبير، فمن جهة، يمثل ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول، والتقدم الكبير في مجال الرعاية الصحية، والاكتشافات التكنولوجية المذهلة زخمًا إيجابيًا ذا مغزى.
بالإضافة إلى ذلك، أدت الارتفاعات الكبيرة في أسعار الأصول إلى زيادة كبيرة في صافي الثروة، خاصة لأولئك الذين استثمروا بكثافة في مؤشر S&P 500 والعقارات.
"هيرميس" للعربية: حالة عدم يقين في 2025 بسبب السياسات الأميركية المتناقضة
ومع ذلك، هناك رواية معاكسة تظهر لكثير من المواطنين حول العالم، لا سيما أولئك الذين تأثروا سلبًا بالتضخم أو النزاعات العسكرية.
وتواجه الحكومات في جميع أنحاء العالم تحديات متزايدة بسبب تضخم العجز المالي، وسط الحاجة إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية والأمن وتطوير القوى العاملة وسلاسل التوريد، بحسب مدير الأصول الأميركي "KKr".
وبحسب مذكرة للعملاء قال "KKr" إنه من المؤكد أن المستثمرين يجب أن يتوقعوا عوائد أقل وتذبذبًا أكبر مقارنة بعام 2024، ومع ذلك، فإن الإنتاجية القوية في الولايات المتحدة، والظروف المالية الميسرة، والنمو القوي في الأرباح الاسمية، تمنحنا الثقة بأن الدورة الاقتصادية لم تنتهِ بعد، وأن المزيد من المكاسب قد تكون بانتظار المستثمرين في عام 2025.
وبحسب توقعات جمعتها "العربية Business" لمراكز البحوث لنحو 40 من مديري الأصول والبنوك وشركات الاستثمار تراوحت توقعات نمو الاقتصاد العالمي لعام 2025 ما بين 2.2% و3.4%.
وتوقع بنك أوف أميركا أن يظل النمو الاقتصادي الحقيقي العالمي مستقرًا في 2025 عند حوالي 3.2%، بقيادة الولايات المتحدة بنسبة 2.4%.
وقال إنه بينما تبقى المخاوف بشأن مستويات العجز الكبيرة والدين الحكومي، والمبادرات السياسية المحتملة، والمخاطر الجيوسياسية المرتفعة، والأسئلة المتعلقة بإجراءات الاحتياطي الفيدرالي في صدارة الاهتمام، فإن هناك نقاطًا مضيئة يمكنها الحفاظ على تقدم السوق الصاعد، من وجهة نظرهم.
وذكر أنه من المتوقع أن تستمر دورة أرباح الشركات الأميركية بقوة مع تحقيق نمو جذاب في عام 2025، أعلى من 9%، على أن تدخل أسواق الأسهم في مرحلة جديدة من إعادة التوازن، خاصة أن قيام الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة،سيخفف الضغط عن أسهم الشركات ذات رأس المال الصغير ويدعم دورة الاندماجات والاستحواذات في أسهم الشركات ذات رأس المال المتوسط.
وتوقع أن يبدأ الذكاء الاصطناعي في التأثير على مجموعة متنوعة من القطاعات الصناعية، مما يساعد على الحفاظ على هوامش أرباح الشركات، وزيادة الإنتاجية بشكل ملحوظ، ودعم تطوير البنية التحتية وقطاع توليد الطاقة.
ويقول مدير الأصول "KKr" إنه عند النظر إلى المستقبل، فإن رؤية "ترامب لأميركا قد تركز على تعزيز النمو السريع ومعالجة العجز الكبير من خلال تقليل اللوائح وخفض الضرائب.
كما تشمل هذه الرؤية التركيز على الاستقلال الاقتصادي، بما في ذلك سلاسل توريد مرنة وزيادة إنتاج الطاقة المحلي من المصادر التقليدية، خاصة في ظل الطلب المتزايد على الطاقة الناتج عن الذكاء الاصطناعي، وهو محور اهتمام فريق الرئيس الجديد.
ومع ذلك، فإن موازنة النمو وإلغاء القيود وفرض التعريفات الجمركية ستحتاج إلى أن تُدرس بعناية في ظل احتمالية عودة التضخم للارتفاع وسط زيادة نفقات الفائدة واتساع الفجوة الاقتصادية بين الفئات المختلفة.
وتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بنسبة 2.5% في عام 2025، أي بزيادة 40 نقطة أساس عن التوقعات السائدة.
كما توقع نمو أرباح مؤشر S&P 500 بنسبة 11% على أساس سنوي في 2025، مما يعني أرباحًا لكل سهم بقيمة 273 دولارًا، مقارنة بالتوقعات السائدة التي تبلغ 266 دولارًا.
وقال بنك أوف أميركا إنه مع تولي الإدارة الجديدة مهامها في يناير 2025، من المتوقع أن تركز على تعزيز النمو في القطاع الخاص بدلاً من برامج الإنفاق الحكومي الكبيرة الممولة بزيادات في الضرائب، وإن هذا يفسر سبب واحدة من أكبر ارتفاعات ما بعد الانتخابات في سوق الأسهم في الذاكرة الحديثة.
أوضح أن التوقعات للأرباح والنمو في اقتصاد منخفض الضرائب وقليل التنظيم تبدو أقوى، وستكون الأولوية الأولى للأغلبية الجمهورية الجديدة هي تمديد تخفيضات ترامب الضريبية لعام 2017، التي من المقرر أن تنتهي بنهاية عام 2025.
ولفت إلى أنه مع متوسط العجز حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2020، يبقى السؤال الرئيسي هو كيفية تمويل تمديد هذه التخفيضات الضريبية.
وأشار إلى أن مزيج خفض العجز إلى 3% ورفع إنتاج النفط بمقدار 3 ملايين برميل يوميًا للحفاظ على انخفاض أسعار الطاقة والتضخم، وتعزيز الإنتاج في القطاع الحكومي من خلال وزارة كفاءة الحكومة سيكون ضروري لتحقيق هدف التضخم المنشود.
وتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية التي بدأت بالفعل في التحسن في السنوات الأخيرة، حيث بلغ متوسط النمو حوالي 2% منذ عام 2019، مقارنة بحوالي 1% في العقدين السابقين.
توقع "KKr" نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنسبة 0.8% في 2025، وهو أقل بـ40 نقطة أساس من التوقعات السائدة. أما في الصين، فتوقع نموًا بنسبة 4.4% مقارنة بتوقعات السوق عند 4.5%.
ويرى مدير الأصول لازارد أن التغييرات الكبيرة في سياسة الولايات المتحدة ستؤدي تأثيرات جوهرية على النمو العالمي، والتضخم الأميركي، وربحية الشركات.
وقال إن الصين ستكون في قلب العاصفة، ومن المرجح أن ترد على الحمائية التجارية الأميركية بإجراءات انتقامية غير متكافئة، بالإضافة إلى تحفيز مالي ونقدي كبير.
وذكر أن منطقة اليورو قد تواجه ضغوطًا من السياسات التجارية الأميركية، وزيادة الإنفاق على التسليح، والتهديدات الأمنية المحتملة من روسيا المتصاعدة.
ولفت إلى أن اليابان ستكافح لتحقيق توازن بين فوائد التضخم الإيجابي وغضب الناخبين من ارتفاع تكاليف المعيشة، مع محاولة استقرار الين.
وقال إن الصين تواجه تحديات كبيرة مع دخول عام 2025، فأزمة العقارات المستمرة أثرت بشدة على ثقة المستهلك، بينما قد تؤدي حرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة إلى أسوأ تباطؤ في النمو منذ عقود.
وحاولت الحكومة المركزية معالجة الركود الاقتصادي بشكل أكثر عدوانية في الأشهر الأخيرة، لكنها لم تنجح بعد في تقديم تحفيز مالي كافٍ أو معالجة المشكلات الهيكلية الأساسية التي أدت إلى هذا الوضع.
واستمرت أزمة العقارات في الصين خلال عام 2024. في ذروتها، ساهم القطاع العقاري بما يصل إلى 25%-30% من الناتج المحلي الإجمالي قبل أن تبدأ الحكومة جهود تقليص حجم القطاع. منذ تطبيق سياسة "الخطوط الحمراء الثلاثة" في أغسطس 2020، تخلفت غالبية شركات التطوير العقاري الكبرى المملوكة للقطاع الخاص عن سداد ديونها.
وبالنظر إلى تأثير السياسات التجارية الأميركية، يرى أن الصين قد وضعت خطة واضحة للرد في حال فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية على السلع الصينية.
وأشار "لازارد" إلى أن التحدي الرئيسي للصين هو فائضها التجاري الكبير مع الولايات المتحدة، الذي بلغ نحو 280 مليار دولار في عام 2023، ورجح أن تشمل استجابة الصين إجراءات متعددة الجوانب، منها الاستعاضة عن الواردات الأميركية بمصادر بديلة مثل البرازيل، وتعقيد العمليات للشركات الأميريكية العاملة في الصين، بجانب فرض قيود على تصدير مكونات رئيسية للولايات المتحدة لإضعاف إنتاجيتها وتنافسيتها.
توقع بنك أوف أميركا ارتفاع التضخم مع استمرار مؤشر التضخم الأساسي لنفقات الاستهلاك الشخصي عند مستويات تتراوح بين 2.5% و3.0%، وأن يختم معدل الفائدة للاحتياطي الفيدرالي العام عند مستويات بين 3.75% و4.00%، مع خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة في مارس ويونيو 2025.
ورجحأن يستقر عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات حول 4.25%، وأن يبلغ متوسط أسعار الخام الأميركي عند حوالي 61 دولارًا للبرميل في عام 2025.
ورجح "KKr" أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفضين في أسعار الفائدة خلال 2025، مقارنة بالتوقعات السائدة التي تشير إلى ثلاثة مرات، أما بالنسبة لعائد السندات لأجل 10 سنوات، فتوقع أن يكون في نطاق 4.25%-4.5% في 2025، مقارنة بالتوقعات السائدة عند 4.1%.
ويرى أن معدل التضخم في الولايات المتحدة سيكون أعلى من التوقعات السائدة، حيث متوقعًا معدلًا يبلغ 2.6% في 2025 مقارنة بالتوقعات عند 2.4%، وأن تضيف التعريفات الجمركية 30 نقطة أساس إلى التضخم في 2025.
أما في أوروبا والصين، فيرى أن التضخم سيستمر في الانخفاض، حيث توقع معدلًا يبلغ 1.9% لمنطقة اليورو (مقابل 2.0% في التوقعات السائدة) و0.9% للصين أقل بـ30 نقطة أساس من التوقعات.
وقال مدير الأصول لازارد، إنه من المحتمل أن يستجيب البنك المركزي الأوروبي للتحديات التجارية والنمو من خلال خفض أسعار الفائدة بشكل أكثر عدوانية في عام 2025.
وأشار إلى التوقعات الحالية تتجع إلى تخفيضات بنحو 141 نقطة أساس بحلول نهاية يونيو، مما يخفض معدل الفائدة المستهدف للبنك إلى حوالي 2.0%.
أضاف أنه إذا تطورت حرب تجارية شديدة، قد يخفض البنك أسعار الفائدة بشكل أكبر، لكنه أشار إلى خفض أسعار الفائدة في أوروبا، مع تقليل التيسير في الولايات المتحدة، قد يؤدي إلى ضعف اليورو، مما يزيد من تكلفة السلع المستوردة ويعزز التضخم في المنطقة.
في الوقت نفسه، قد يؤدي فرض تعريفات أميركية إلى تقوية الدولار الأميركي، مما يجعل الصادرات الأميركية أكثر تكلفة والواردات الأميركية أرخص، ما يؤدي لنفاذ المنتجات الأوروبية، ويقلل من اتساع عجز التجاري للقارة العجوز، ويقلل تأثر اليورو.
وقال مدير الأصول "ستيت ستريت" إنه على الرغم من التقلبات العديدة في المزاج الاقتصادي الكلي خلال العام الماضي، إلا أن السيناريو الأساسي ظل كما هو مع تباطء التضخم وخفض أسعار الفائدة الذي نشهد تنفيذه الآن في جميع أنحاء العالم — مع استثناء ملحوظ يتمثل في اليابان.
وتوقع أن يستمر هذا الاتجاه لفترة أطول، على الرغم من أن الانتصار الجمهوري بقيادة ترامب في الانتخابات الأميركية قد يؤدي إلى بعض التغيير في هذا السرد خلال الجزء الأخير من عام 2025، ومع ذلك، ستظل الحاجة إلى مزيد من الوضوح بشأن نتائج السياسات ضرورية قبل إجراء أي تغييرات في التوقعات.
لكنه أشار إلى في الوقت الحالي، أصبح من الممكن - بل وربما من المحتمل - ألا تتحقق جميع التخفيضات الفصلية الأربعة في أسعار الفائدة الأمريكية التي يتوقعها لعام 2025.