آخر الأخبار

هل سويسرا محايدة حقا تجاه القضية الفلسطينية؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في أعقاب الحروب النابليونية التي عصفت بأوروبا، اجتمع القادة الأوروبيون في مؤتمر كبير في فيينا عام 1815، وتقرر جعل سويسرا منطقة محايدة عازلة بين النمسا وفرنسا، ومن حينها عرفت البلد بحيادها تجاه القضايا الخارجية.

وحافظت سويسرا إلى حد كبير على سياسة الحياد خلال الكثير من الأحداث العالمية المعاصرة وخصوصا الحربين العالميتين بل دفعها حيادها إلى عدم الانخراط في التكتلات الأوروبية، فهي ليست حتى الساعة عضوا في الاتحاد الأوروبي ولا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ولم تنضم للأمم المتحدة إلا في عام 2002.

لكن حياد سويسرا يتعرض دائما لاختبار حقيقي عندما يتعلق الأمر بإسرائيل والقضية الفلسطينية، بل إن هذا الحياد يكاد يصبح من الماضي إزاء الحرب العدوانية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة .

فقد ارتبط اسم البلد مبكرا بالصراع في الشرق الأوسط، حيث احتضنت المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في بازل في أغسطس/آب 1897 والذي مثل النواة الأولى لعمليات تهجير اليهود إلى فلسطين تمهيدا لإقامة الكيان الإسرائيلي.

وبعد أسبوع من انعقاد ذلك المؤتمر، كتب صاحب مبادرة إنشاء المنظمة الصهيونية العالمية ورئيس المؤتمر ثيودور هرتزل "في بازل أسّستُ الدولة اليهودية".

لكن سويسرا، بحسب دراسة للباحثين إيف شتاينر وساشا زالا بعنوان "سويسرا والصراع العربي الإسرائيلي"، ظلت تعلن على مدى تاريخ هذا الصراع تمسكها بسياسة متوازنة تجمع بين الحياد والالتزام الإنساني ودعم قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط. فهل كانت حقا محايدة تجاه القضية الفلسطينية؟

محطات تاريخية في علاقة سويسرا بالقضية الفلسطينية:


* في عام 1927 أنشأت سويسرا قنصلية لها في يافا التي كانت آنذاك مدينة فلسطينية ذات أغلبية عربية.
* بعد الحرب العالمية الثانية، ازدهرت العلاقات الاقتصادية والقنصلية بين سويسرا وفلسطين تحت الانتداب البريطاني مع إنشاء غرفة التجارة السويسرية الفلسطينية.
* بعد قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين وإعلان قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948 أرجأت الحكومة الفدرالية السويسرية اعترافها بالكيان الجديد، تجنّبا -حسب الدراسة المذكورة أعلاه- لتصنيفها منحازة إلى أحد طرفي الصراع.
* بعد توقيع اتفاقيات الهدنة التي أوقفت حرب 48 بين العرب والإسرائيليين، منحت سويسرا كلا من إسرائيل والأردن اعترافها الرسمي في يناير/كانون الثاني 1949.
* في عام 1956، تولت سويسرا نقل قوات حفظ السلام بواسطة الخطوط الجوية السويسرية إلى مصر وتحديدا منطقة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.
* في عام 1964، وقعت سويسرا وإسرائيل اتفاقية إلغاء التأشيرة وهذا مكّن من زيارة العديد من الشخصيات الإسرائيلية إلى سويسرا، وتطوير العلاقات التجارية بين الطرفين.
* بعد حرب 1967 دعمت سويسرا بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة "إينيتسو"، فوفرت طائرات وساهمت في الإشراف على تبادل أسرى الحرب.
* بعد حرب 1973 تعرض حياد سويسرا لاختبار جديد حيث أبدت تعاطفها مع إسرائيل، وأوقفت دعمها المالي لليونسكو في أعقاب قرارات لتلك المنظمة الدولية أزعجت إسرائيل، لكن صحيفة تايم لاين السويسرية أرجعت ذلك الموقف إلى تأثر سويسرا حينها بهجمات نفذها مسلحون فلسطينيون على الأراضي السويسرية ضد أهداف إسرائيلية. مصدر الصورة ياسر عرفات أثناء مبادرة جنيف في سويسرا 2012 (الفرنسية)
* في نفس الفترة تحدثت مصادر صحيفة عن اتفاق سري بين سويسرا ومنظمة التحرير الفلسطينية وقعه بيير غرابر وفاروق القدومي يقضي بتقديم سويسرا الدعم الدبلوماسي للمنظمة مقابل ضمانات بعدم شنّ هجمات فلسطينية ضد المصالح الإسرائيلية على الأراضي السويسرية.
* في عام 1975، كان افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في جنيف.
* في عام 1979 دعمت سويسرا قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس الشرقية ليست لها أي شرعية قانونية.
* تزامنا مع مفاوضات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كونت سويسرا مجموعة من الدبلوماسيين مختصة في الصراع في الشرق الأوسط.
* في أكتوبر/تشرين الثاني 2003 أطلقت سويسرا "مبادرة جنيف" التي أشرف عليها الدبلوماسي السويسري ألكسيس كيلر وتضمنت مقترح اتفاق سلام يتناول قضايا الصراع الرئيسة (القدس، واللاجئون الفلسطينيون، وترسيم الحدود)، وتم التوقيع عليه من قبل شخصيات أكاديمية إسرائيلية وفلسطينية لكنها لا تمثل الجهات الرسمية، ورغم الدعم الدولي، ظلت تلك المبادرة تراوح مكانها من دون أن تحقق خرقا في مواقف الأطراف.
* بعد فوز حماس بالانتخابات البرلمانية الفلسطينية في 2006، ظلت سويسرا على تواصل معها، حتى إن وفدا من حماس زار سويسرا عام 2012 لحضور جلسة للاتحاد البرلماني الدولي، ومقرّه جنيف، كما حضر الوفد مؤتمرا جامعيا حول غزة بعنوان "غزّة.. حتى لا ننسى".
* خلال الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة من 2008 إلى 2021، كان موقف سويسرا هو تقديم المساعدات الإنسانية والدعوة إلى وقف إطلاق النار، وامتنعت سويسرا تاريخيا عن تصنيف حماس منظمةً إرهابية. مصدر الصورة مشير المصري ترأس وفد حركة حماس الذي زار سويسرا 2012 لحضور جلسة للاتحاد البرلماني الدولي (الأناضول – أرشيف)

7 أكتوبر والتخلي عن الحياد

يعتبر الباحث فيليب بوجلين -في مقال في صحيفة "لي تامب" السويسرية- أن سويسرا تخلت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023 عن حيادها وتقاليدها الإنسانية، إذ أعلنت نيتها حظر حماس وحجبت التمويل عن وكالة اللاجئين الفلسطينية (الأونروا).

ويرى الباحث أنه إن كان حصل شبه إجماع من الأطراف السياسية على إدانة هجوم حماس على إسرائيل والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 إسرائيلي من بينهم اثنان يحملان الجنسية السويسرية، إلا أن هذا الإجماع النسبي تحطم بسرعة بسبب الرد الإسرائيلي الوحشي في غزة، والذي أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء.

وفي صحيفة سلات الفرنسية يتساءل الباحث ليو بيير هل ما زالت سويسرا محايدة حقا على الساحة الدولية؟ إذ يعتبر أن البلد تمكنت بحيادها من لعب دور رائد في العديد من قضايا العالم، مثل دورها في توقيع اتفاقيات إيفيان بين فرنسا والجزائر عام 1962، وفي عملية إطلاق سراح الرهائن الذين احتجزتهم القوات الثورية الكولومبية (فارك)، وفي الوساطة بين تركيا وأرمينيا، إلا أن حياد سويسرا فضحه الصراع الروسي الأوكراني وفضحه بشكل أكبر الصراع في الشرق الأوسط.

ففي الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تستطع سويسرا الخروج عن المواقف الغربية المشتركة مثل تعليق المساعدات للأونروا، وعدم الاعتراف بفلسطين؛ فعندما أتيحت فرصة التصويت لصالح انضمام فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة في العاشر من مايو/أيار 2024، فضلت سويسرا الامتناع عن التصويت.

وفي وقت تتزايد فيه الدعوات لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة يستمر التعاون العسكري بين سويسرا وإسرائيل وتتبادلان بيع المعدات العسكرية بعضهما البعض، حسب الباحث لييو بيير.

وفي ذات السياق، يرى أستاذ القانون الدولي الإنساني السويسري إيف ساندوز في مقال له أنه يجب على سويسرا إعادة التوازن إلى موقفها تجاه الصراع في الشرق الأوسط وأن تتصرف بموضوعية ونزاهة في الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وأن تعمل على وقف الأعمال العدائية الجارية في غزة التي تسببت في معاناة لا توصف للسكان وانتهاك صارخ للقانون الدولي.

وأضاف ساندوز، أنه لا مراء في أن الهجوم الإسرائيلي على غزة يأتي في أعقاب هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي وصفه بـ"المدان"، لكن أستاذ القانون الدولي الإنساني يرى أنه من الخطأ النظر إلى العدوان الإسرائيلي من زاوية الدفاع عن النفس، بل يجب اعتباره حلقة دموية من صراع لم يتوقف قط، وإنما ينفجر بوحشية على فترات منتظمة مثل بركان خامد.

ويخلص ساندوز أنه حتى لو نظرنا من زاوية الدفاع عن النفس، فإن الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة يتجاوز كل الحدود التي وضعها القانون الدولي.


لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا