آخر الأخبار

طبيب عيون عائد من غزة: أهلها يحبون الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

قال الدكتور ضياء أحمد رشدان، استشاري أول في طب العيون وجراحتها، ورئيس قسم العيون بمستشفى سدرة للطب في قطر، الذي كان في غزة، إن أهلها طيبون رغم الألم، وصابرون رغم الصعوبات، ويتمثل فيهم قول الشاعر محمود درويش "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا".

تصريحات الدكتور رشدان جاءت في حوار خاص لـ"عيادة الجزيرة"، بعد أن عاد من رحلته إلى غزة.


*

بداية حدثنا عن ترتيبات المهمة، متى غادرتم الدوحة، وحتى متى استمرت زيارتكم لغزة؟

المهمة هي رقم 32 من المهمات اللي تنظمها مؤسسة "رحمة حول العالم"، وبدأ الترتيب لها من نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، وبدأت المهمة بتاريخ 17 أبريل/نيسان الماضي.

كان السفر عن طريق عمّان، وصلنا إلى عمّان قبل بيوم، وكان يوما طويلا. وذلك بسبب الانتظار حتى الحصول على تصريح لدخول غزة. ووصلت الموافقة في وقت متأخر من الليل قبل ساعات محدودة من وقت السفر.

للأسف، لم يحصل جميع المشاركين على التصاريح. الطاقم الذي كان في عمّان كان عددهم 22. وصلت التصاريح لـ9 فقط، 5 من إندونيسيا وكنت أنا من ضمن 4 أطباء من قطر. الرحلة بدأت صباح الخميس الساعة السادسة ونصف صباحا. واستمرت لمدة 13 ساعة، وصولا لأول نقطة إقامة في غزة.

طبعا 13 ساعة مدة طويلة جدا بالنسبة للمسافة المقطوعة. ولكن كانت على مراحل، وانتقلنا فيها من حافلة إلى أخرى، بإجمالي 4 حافلات. وصلنا بالنتيجة إلى غزة بعد غروب الشمس، بفضل الله.


*

أين كان عملكم في قطاع غزة؟

الفريق انقسم إلى قسمين، الجزء الأكبر ذهب إلى مجمع ناصر الطبي. أنا كنت من الفريق الذي ذهب إلى المستشفى الأوروبي في خان يونس.

كنت أنا وزميل مختص في جراحة الصدر في المستشفى. منذ البداية، بدأنا بجولة في المستشفى، حيث تعرفنا عليها وعلى أفراد الطواقم الطبية الموجودين في ذلك الوقت، كل حسب اختصاصه، وبدأنا مباشرة بعد ذلك تقديم الاستشارات الطبية للمرضى الموجودين في اختصاصاتنا.

إعلان

*

ما طبيعة الحالات التي قمتم بمعاينتها والتعامل معها؟

الحالات المتعلقة بصحة العين يمكن أن نقسمها لنوعين: النوع الأول الذي يتعلق بالحرب بشكل مباشر، وهي بشكل أساسي إما جروح العين وجروح الوجه والشظايا داخل العين وحول العين. والنوع الثاني هي الرضوض والإصابات المغلقة. وأعني بذلك الإصابات للعين غير الشاملة لجرح. ولكن هذه لا تقل أبدا خطورة عن الإصابات التي بها جرح أو حتى شظايا داخل العين.

من هذه الإصابات، الإصابات بالنزف بأقسام مختلفة من العين، القسم الأمامي أو ضمن الشبكية، وقد شاهدت حالات متكررة، 3 حالات لافتة للنظر، جميعها فيها نزف من طبيعة واحدة بمكان واحد في الشبكية. وجود هذه الحالات كلها في المكان نفسه، والظروف نفسها، يعني أنها تعود إلى المسبب نفسه. وهي حالات لم أشاهد مثلها في حياتي خلال مسيرتي المهنية أبدا. وهو ما يستدعي مني القراءة والبحث والدراسة عن الآلية التي تطورت بهذه الحالات.

لأنه خلال مسيرتي المهنية كلها، وفي كل حالات الرضوض التي عاينتها، لم أشاهد مثل هذه الحالات من قبل على الإطلاق. في المقابل، خلال زيارة قصيرة جدا إلى غزة شاهدت 3 حالات منها.

الحالات المتعلقة بإصابات العين أو بمشاكل العين التي عالجتها هي الحالات المزمنة التي تأخر علاجها، خصوصا حالات الساد -أو الماء الأبيض- وهو ببساطة كثافة العدسة في العين التي يؤدي إعتامها إلى نقص الرؤية سواء كانت بسبب الرضوض على العين أو الساد أو الماء الأبيض الخلقي، بطبيعة الحال يحتاج إلى علاج سريع جدا بدون تأخير للأطفال، لكي تتطور الرؤية وتأخير ذلك يؤدي لمشاكل كبيرة.

الحالات السادة المرتبطة بالعمر أيضا يؤدي التأخر في علاجها جراحيا إلى صعوبة وخطورة العمل الجراحي من ناحية قساوة وعتامة أكثر للبلورة، ومن ثم احتمال الاختلاطات أو المشاكل ضمن العمل الجراحي أن تكون أكبر.

بفضل الله، أجريت 86 عملية عينية ومختلفة الأنواع تقريبا 36 استشارة وفحوصات سواء للمرضى في العيادات أو استشارات في أجنحة المرضى.


*

هذا بالنسبة إلى الحالات المتعلقة بالعين، نريد الآن أن نعرف أبرز الحالات الأخرى غير المرتبطة بالعين التي شاهدتموها خلال وجودكم في غزة.

طبيعة مشاهدتنا كانت تعتمد على طلب استشارة عينية سواء لمرضى في الإسعاف، أو مرضى في العناية، أو مرضى في العمليات، وهي بالنتيجة حالات مرتبطة بشكل مباشر بالحرب.

أنا أتحدث عن حالات تعرضت لرضوض وجروح متعددة، حالات حرجة جدا، حالات تتطلب أكثر من فريق طبي يتعامل معها، مثل فريق الجراحة العصبية، وفريق الجراحة الصدرية، وفريق الجراحة العامة والهضمية، وفريق جراحة العظام. والتعامل مع هذه الحالات الحرجة جدا يكون حسب أولوية الترتيب والأهمية والخطورة، الأخطر فالأقل خطورة، ومن ثم تعرضت لمثل هذه الحالات أو طلب من مني المساعدة في تقديم استشارة عينية لمثل هذه الحالات، فتعرضت لها خارج إطار العيادة العينية أو خارج إطار غرفة عمليات العيون.


*

بتقديركم، كم يحتاج القطاع الصحي في غزة من جهد ووقت حتى يعود كما كان قبل الحرب؟

إعلان

إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القطاع الصحي على شفا الهاوية، فنحن نتكلم عن قطاع صحي قريب من نقطة الصفر، وعليه فإنه يحتاج إلى إعادة بناء وليس ترميم فقط. نحن نتكلم عن المشافي التي تم استهدافها منذ بداية الحرب. الطواقم الطبية التي تم استهدافها، نحن نتكلم عن طواقم طبية في المستشفيات أو في أماكن النزوح.

البنية التحتية للمشافي بحاجة إلى إعادة بناء. الأجهزة بحاجة إلى استبدال، لا إصلاح فقط، لأن الأجهزة تم إنهاكها بشكل كبير جدا. سيارات الإسعاف التي دمرت بحاجة إلى استبدال، ونظم الأرشفة، ونظم التعقيم في المستشفيات أيضا بحاجة إلى صيانة، إلى إعادة بناء صراحة.

الكوادر الطبية من سكان غزة، يعانون أيضا، وتم استهدافهم أيضا، الكوادر الطبية منهكة بشكل كبير.

الأطباء تحت التدريب فقدوا فرصة كبيرة للتدريب خلال السنة ونصف السنة الماضيين، فهم بحاجة إلى تسريع التدريب ودعم التدريب. الفريق الطبي رائع جدا سواء كانوا أطباء متدربين أو مختصين أو استشاريين، ويعملون بجد وبلا ملل وبلا كلل، ولكنهم بشر؛ منهم من يسكن في الخيام، منهم من لا يستطيع أن يأتي إلى المستشفى لصعوبة وغلاء المواصلات، القطاع الصحي بحاجة إلى جهد هائل جدا، وذلك ليس غريبا، وليس صعبا على أهل غزة، خاصة إذا توفر البذل والعطاء الكبير من الخيرين في العالم للمساعدة في ذلك.


*

كيف وجدتم الناس في غزة؟

صراحة، الناس منهكون، الناس متعبون، الناس جميعا يعانون، لكل شخص تحدثت معه هنا قصص، وقصص من الألم والفقد والنزوح، ولكن مقابل كل هذا هناك همم تفوق السحاب، هناك إصرار كبير جدا، هناك صبر مدهش بشكل لا يصدق، هناك إصرار كبير جدا.

قد يكون الشاعر محمود درويش نظر إليهم منذ زمن عندما قال "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا". وكثيرا ما سمعتها، يقولون "نحن نحب الحياة". وهذا الشيء رأيته في أهل غزة. وهذا الشيء يدعو للتفاؤل، ويدعو للأمل أن هذا الشعب الصابر إن شاء الله سينهض، كما ينهض طائر الفنيق، وهو شعار بلدية غزة بالمناسبة. والأسطورة تقول إن طائر الفنيق نهض من الرماد، أنا لا أؤمن بالأساطير، ولكن ما نراه في غزة أشبه بالأساطير.


*

نريد أن تحدثنا عن موقف إنساني أثر فيكم.

اسمح لي أن أعرض موقفين وليس موقفا واحدا. الموقف الأول وهو موقف إنساني جميل، خلال الساعة الأولى من وجودنا في غزة، بعد أن قطعنا مسافة ضمن القطاع، الحافلة توقفت في انتظار التنسيق لإعطاء الأمان لإكمال الطريق. الانتظار كان لمدة ساعة ونصف ساعة. طبعا، طوال هذه الفترة نشاهد الدمار، نشاهد الركاب، نشاهد السيارات القديمة، نشاهد السيارات بعدد ركاب هائل جدا.

الموقف الإنساني هو الأطفال الذين يلعبون بالطائرات الورقية من صنع أيديهم. لم يكن طفل أو اثنان، بل كثيرون يستمتعون بين ركام منازلهم في الشوارع الصعبة التضاريس ويصرون على الحياة، فهذا هو الموقف الأول.

الموقف الثاني هو موقف صعب، بعد إحدى الليالي الصعبة من القصف القريب. بدأت سيارات الإسعاف في التوافد إلى المستشفى. المؤلم كان عندما تصل سيارة الإسعاف إلى المستشفى، تتوقف عند بوابة المستشفى لإنزال مصاب أو أكثر، ومن ثم تتابع طريقها بالالتفاف والعودة باتجاه ثلاجات الموتى. وهذا مشهد تكرر أكثر من مرة، وهذا مشهد صعب جدا وموقف صعب جدا، بغض النظر عن الأرقام التي تسجل للشهداء والمفقودين والمصابين، ولكن كل واحد من هؤلاء الشهداء له اسم، له أهل، له أصدقاء، له جيران، له قصة، له حياة، فالشهداء ليسوا أرقاما، يتوافد الأهل، ويذهب جزء منهم باتجاه داخل المستشفى، ويذهب آخرون وراء سيارة الإسعاف باتجاه ثلاجات الشهداء، مشهد صعب جدا.


*

اسمح لي بسؤال شخصي، ماذا كان رد فعل العائلة عندما قررتم الذهاب لغزة؟

إعلان

بداية، والداي متوفيان -رحمهما الله- ولكن لم يكن لدي شك ولو للحظة أنهما سيدعمانني لو كانا أحياء، إخوتي أخبرتهم قبل شهرين تقريبا بنية الذهاب، ووجدت تشجيعا رغم دهشتهم وخوفهم الطبيعي بسبب خطورة المهمة.

زوجتي أخبرتها منذ البداية، لأنها ستكون المسؤولة في غيابي عن المنزل، وهذه المرة تختلف عن المرات السابقة جميعها.

أولادي عرفوا بالصدفة بعد إفطار رمضاني تم خلاله الإعلان عن المهمة القادمة، وأن أطباء من قطر سوف يكونون ضمن هذه المهمة، فابني الأوسط أشار لي بعينه، فأومأت له برأسي بعد الإفطار وأخبرته، وتأكد أن ما كان يعنيه هو أنني يجب أن أشارك، فقلت له: بفضل الله، أنا من ضمن المشاركين، إن شاء الله، إذا يسر الله ذلك.

أخبرت ابني الأكبر أيضا، أما ابنتي الصغيرة فأخبرناها بشكل متأخر بعد انتهاء المهمة، وفي ذلك الوقت تنفس الجميع الصعداء، بأن المهمة انتهت بخير وسلام وأنني سأعود في اليوم التالي -إن شاء الله- إلى قطر.


*

هل من كلمة أخيرة عما رأيتموه في غزة؟

ما رأيناه في غزة أسوأ وأصعب بكثير مما نراه أو مما رأيناه من قبل على شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن أهل غزة ناس طيبون رغم الألم، صابرون رغم الصعوبات، كرماء رغم المصاعب التي يعيشونها، مثال رائع جدا عن كرم أهل غزة الهدايا التي أرسلوها معي لابنتي الصغيرة، فرغم الصعوبات كانوا مهتمين بهذه التفاصيل الدقيقة، وكانوا دائمي الاعتذار أنهم لم يكرمونا كما يليق بكرم أهل غزة.

ولم ينسوا شراء الكعك بالتمر مع القهوة على الرغم من أنه مرتفع الثمن وصعب توفره، في محاولة إكرام غالية علي جدا، التقدير كان رائعا جدا وكبيرا جدا من أهل غزة، وهو ما يحفزني ويدعوني لتشجيع زملائي على الذهاب إلى غزة إن شاء الله، وأتمنى أن تكون العودة في ظروف أفضل ومع توقف الحرب وبأمن وأمان لأهل غزة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار