في مشهد مالي غير مألوف، يعيش الذهب والأسهم موجة ازدهار متزامنة تذكّر بفترتين متناقضتين في التاريخ الاقتصادي: عام 1979 حين كان التضخم جامحًا والاضطرابات الجيوسياسية على أشدّها، وعام 1999 الذي تميّز بهدوء نسبي وهيمنة فقاعة الإنترنت.
غير أنّ التفسير السائد لهذا الازدواج في الصعود، كما يرى تقرير فايننشال تايمز ، أبعد بكثير من نظرية "التحوّط ضدّ المخاطر".
ويُرجع الكاتب روتشير شارما رئيس "روكفلر إنترناشونال" هذا الصعود المتوازي إلى فيض السيولة العالمي الناتج عن تريليونات الدولارات التي ضختها الحكومات و البنوك المركزية خلال الجائحة وبعدها.
وتبقي هذه الأموال -التي "ما زالت تتدفق في النظام المالي" الأسواقَ في حالة زخم مصطنع، وتدفع أسعار الأصول كافة من الأسهم إلى الذهب.
ووفق التقرير، بلغ حجم الأموال التي يحتفظ بها الأميركيون في صناديق أسواق النقد 7.5 تريليونات دولار، أي ما يزيد بنحو 1.5 تريليون دولار عن المعدل التاريخي، في وقت لا تزال فيه معدلات الفائدة الإسمية أدنى من نمو الناتج المحلي الإسمي، مما يجعل السياسة النقدية "فضفاضة رغم التصريحات المتشددة للفدرالي".
وأشار التقرير إلى أنّ أميركا تقود العالم المتقدّم بأعلى عجز مالي ، وهو ما يخلف فائضًا مقابلاً في القطاع الخاص، وفق معادلة "كاليكي-ليفي". كما تعزّز الثقة المفرطة في الدعم الحكومي والمركزي لدى المستثمرين شهيّتهم للمخاطرة، إذ أصبحوا مبرمجين على توقّع الإنقاذ بمجرد ظهور "بوادر أزمة" كما يقول شارما.
تريليونات الدولارات التي ضختها الحكومات والبنوك المركزية خلال الجائحة وبعدها ما زالت تتدفق في النظام المالي وأبقت الأسواق في حالة زخم مصطنع
وقد ساهمت هذه الثقة، مقرونة بتطوّر تطبيقات التداول المجانية وانتشار أدوات استثمارية عالية المخاطرة، في ضخ مزيد من السيولة بجميع زوايا السوق، مما جعل العلاقة بين الذهب والأسهم "تتحوّل من انعدام ارتباط تاريخي إلى صعود متزامن غير مسبوق".
ويرى الكاتب أنّ "مركز الثقل في الطلب على الذهب تحوّل من البنوك المركزية إلى الصناديق المتداولة "إي تي إف إس" (ETFs)" إذ ارتفعت حصتها من إجمالي الطلب 9 أضعاف هذا العام لتصل إلى نحو 20%، مسجلة أعلى تدفقات فصلية في تاريخها خلال الربع الثالث من 2025.
ويضيف أنّ التفسيرات التقليدية حول "الخوف من تدهور الدولار" لم تعد كافية لتبرير أفضل أداء للذهب منذ عام 1979، لأن الدولار ظل مستقرًا خلال الأشهر الأخيرة بينما واصل الذهب ارتفاعه "البارابولي".
الازدهار المزدوج بين الذهب والأسهم ليس دليلاً على توازن الأسواق، بل علامة على وفرة نقدية خطيرة صنعت وهمًا بالحصانة من المخاطر
ويلفت تقرير فايننشال تايمز إلى أنّ مؤشرات السندات لا تعكس مخاوف تضخمية حقيقية، إذ تشير عوائدها طويلة الأجل إلى توقعات تضخم لا تتجاوز 2.5%. كما أنّ السلع الأخرى مثل الفضة والبلاتين ارتفعت، إلى جانب الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم التكنولوجية الخاسرة والصناديق الرافعة.
ويحذّر شارما من أن "الفدرالي ما زال غافلًا عن تضخّم أسعار الأصول" مشيرًا إلى أنّ أي تسارع جديد في التضخم قد يدفع البنك المركزي إلى تشديد السياسة النقدية بشكل مفاجئ، مما سينهي هذه الحفلة المزدوجة بانهيار متزامن لكلٍّ من الذهب وأسهم الذكاء الاصطناعي .
ويؤكد التقرير أن الازدهار المزدوج بين الذهب والأسهم ليس دليلاً على توازن الأسواق، بل علامة على وفرة نقدية خطيرة صنعت وهمًا بالحصانة من المخاطر، ولكن الحقيقة أن السيولة الزائدة قد تكون الشرارة التي تفجّر "فقاعة الثراء السهل" في أي لحظة.