شهدت الساحة العراقية تضاربا في وجهات النظر بين المختصين والجهات الرسمية حول إعلان الحكومة على لسان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن حزمة ضخمة من الفرص الاستثمارية بقيمة 450 مليار دولار بالتزامن مع عقد ملتقى العراق للاستثمار.
وأكدت الحكومة، على لسان مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس مجلس الوزراء، أن هذه الخطوات ليست مجرد إعلان، بل هي "خارطة طريق للتحول الشامل اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وبيئيا" تهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي وخفض البطالة وتحقيق الريادة الإقليمية ضمن إطار "رؤية العراق 2050".
وقال صالح للجزيرة نت إن هذه الخطوة تمثل امتدادا واقعيا لـ"رؤية العراق 2050 نحو التنمية والمستقبل"، وهي إستراتيجية وطنية طويلة الأمد شارك فيها الخبراء والمؤسسات والمجتمع المدني، وتأتي ضمن الإطار الحكومي.
وأشار إلى أن هذا الإعلان هو استكمال لما بدأته الحكومة، مثل إعلان محافظة بابل "عاصمة العراق الصناعية"، وأوضح أن عملية اختيار الشركات ستتم وفق رؤية تهدف إلى النهوض بالواقع الاستثماري وتقديم التسهيلات اللازمة.
وأضاف أن رؤية العراق 2050 تهدف إلى تحقيق مكاسب وطنية كبرى، أبرزها:
وأكد صالح أن الرؤية تسعى كذلك إلى استعادة الثقة المجتمعية بمؤسسات الدولة من خلال الحوكمة الرشيدة والشفافية .
أكد الخبير الاقتصادي الدكتور صفوان قصي أن عملية الاستثمار هي مفتاح زيادة قدرة الاقتصاد العراقي على التنويع وتحقيق قفزة نوعية في الناتج المحلي الإجمالي.
وقال قصي للجزيرة نت إن رفع الناتج الإجمالي العراقي للقطاعين الخاص والحكومي من مستواه الحالي، الذي يبلغ نحو 270 مليار دولار سنويا، إلى تريليون دولار يتطلب ضخ ما لا يقل عن 450 مليار دولار من الاستثمارات.
وأشار إلى أن المبالغ التي تحدثت عنها الحكومة ستساهم في تنويع المحافظ الاستثمارية وتوجيهها نحو قطاعات التنمية الحيوية والمستهدفة وتشمل:
وشدد قصي على أن تنويع مصادر الحصول على الاستثمارات سيساهم بشكل مباشر في عدم تبعية الاقتصاد العراقي لجهة محددة.
وأضاف أن ربط الاقتصاد العراقي بالمنظومة الدولية يتطلب إنجاح 3 محاور أساسية هي:
وأكد قصي على أهمية وضع خريطة العراق أمام البيئة الاستثمارية الدولية من خلال التنسيق مع رجال الأعمال المحليين.
أكد الخبير بالشأن المالي والمصرفي، الدكتور مصطفى أكرم حنتوش، أن تعديل قانون الشركات العراقي أمر ضروري لوجود الكثير من الملاحظات الجوهرية التي تعيق بيئة الأعمال والاستثمار في البلاد.
وقال الخبير المالي للجزيرة نت إن التعديل المقترح يجب أن يشمل الشركات الحكومية والخاصة على حدٍ سواء، مشيرا إلى أن التعديل الذي جرى في عام 2019 لم يُعبِّر عن طموح الشركات ولم يعالج الفجوات القائمة.
وحدد جملة من التحديات الجوهرية في القانون الحالي التي تستوجب المعالجة الفورية، أبرزها:
كما دعا مصطفى حنتوش إلى وضع ميزات واضحة لشركات المساهمة، مؤكدا ضرورة أن تتحول الشركات الكبيرة، التي تنتج مشاريع ضخمة أو تستورد مبالغ عالية، إلى شركات مساهمة بدلا من شركات محدودة.
في المقابل، شكك مختصون في التوقيت وحجم الأرقام المعلنة، معتبرين الإعلان بمثابة "بداية للحملة الانتخابية"، وقالوا إن الأرقام "مبالغ بها وغير واقعية".
وأكد الباحث في الشأن الاقتصادي العراقي حيدر الشيخ أن الإعلان عن هذا العدد الكبير من الفرص الاستثمارية دفعة واحدة هو بمثابة "بداية لإعلان الحملة الانتخابية"، ويأتي في ظل إطلاق رئيس الوزراء الحالي تسمية "تحالف الإعمار والتنمية" على قائمته الانتخابية.
وقال حيدر الشيخ للجزيرة نت إن الحديث عن أرقام بهذا الحجم كفرص استثمارية في مجالات مختلفة هو "رقم مبالغ به وغير واقعي وعبارة عن تخمين للفرص"، مشيرا إلى أنه لا يمكن استثمار 160 مشروعا في مجالات مختلفة خلال يوم أو شهر أو سنة.
وأكد أن الواقع الاقتصادي في العراق أصبح مختلفا اليوم، وهناك تقدم ملموس في واقع الاستثمار، منوها إلى أن أغلب المشاريع الاستثمارية تتركز حاليا في مجالي السكن والطاقة المتجددة
وعلى الرغم من هذا التقدم، يرى الشيخ أن عجلة الاستثمار تبقى ضعيفة بسبب التحديات الداخلية والوضع الإقليمي في المنطقة.
ورأى حيدر الشيخ أن مجلس النواب أصبح حاليا "ميتا سريريا"، ولا يمكنه عقد جلسات متواصلة لانشغال أغلب النواب بالحملة الانتخابية.
وأوضح أن إقرار أي قانون في البرلمان، ومن بينها قانون الشركات، يتطلب سلسلة طويلة من الإجراءات تبدأ بإعداد مسودة المشروع، وإقراره في مجلس الوزراء، ثم إرساله إلى البرلمان.
وبين حيدر الشيخ أن أي قانون يتطلب توافقا سياسيا لإقراره، وهي عملية قد تصل مدتها إلى 6 أشهر وأكثر وهو ما لا يتوفر من وقت لدى الدورة البرلمانية الحالية.