آخر الأخبار

السيارات الصينية: لماذا تلقى رواجاً في الشرق الأوسط؟

شارك
مصدر الصورة

تلقى السيارات الصينية رواجاً متنامياً في أنحاء الشرق الأوسط، وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات الصين من السيارات للمنطقة زادت خلال السنوات السِتّ الماضية بنحو ستة أضعاف ما كانت عليه من قبل.

وصدّرت الصين إلى المنطقة في عام 2024 أكثر من مليون سيارة، مقارنة بحوالي 150 ألف سيارة في عام 2019.

وفي دول الخليج، تحظى سيارات الدفع الرباعي والشاحنات الصغيرة بالتقدير، نظراً لكونها سيارات عَملية، فضلاً عن تعدُّد استخداماتها.

وعلى مدى العقود الأخيرة، حققت موديلات -مثل لاند روفر ديفندر ونيسان باترول- لنفسها مكانة مرموقة.

وبعد أنْ كانت الموديلات الصينية في السيارات تكاد تكون غير معروفة، أصبحتْ تشهد إقبالاً متزايداً.

جعفر الحيقي، بحريني مولَع بالتكنولوجيا، يقود سيارة دفع رباعي من تصنيع شركة شانغان الصينية العملاقة.

يقول الحيقي إنه دُهش بما تمتاز به سيارة الدفع الرباعية الصينية من مميزات تقنية ومن جودة بنائها التصنيعي عندما اشتراها منذ نحو خمس سنوات.

وأضاف الحيقي: "يعتقد الناس في العموم أن السيارات هي وسيلة بسيطة للنقل، لكنّ الصينيين يركّزون على جميع عناصر الترفيه والأمان، كما أنهم أحرزوا تقدُّماً في تصميم السيارات".

مصدر الصورة

وتابع الحيقي: "سيارتي مزوَّدة برادار أمامي وخلفي، فضلاً عن أجهزة استشعار في كل مكان... لن تجد ذلك في السيارات اليابانية أو الكورية بنفس السعر".

وتُعرف صناعة السيارات الصينية في الغرب عبر السيارات الكهربية التي تنتجها شركات مثل "بي واي دي".

وعلى الرغم من رواج السيارات الصينية الكهربية في الشرق الأوسط، إلا أن السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل لا تزال تحظى بإقبال بين سائقي السيارات في تلك المنطقة.

ناصر المرّي، من السعودية، غيّر مؤخراً سيارة له كانت من طراز "جي إم سي يوكون" الأمريكية إلى سيارة دفع رباعي صينية تعمل بالبنزين من طراز "جيتور"، التي تلقى رواجاً كبيراً في منطقة الخليج.

يقول المرّي: "لقد اخترت أن أشتري سيارة صينية نظراً لما تمتاز به من جودة عالية شبيهة بالسيارات الألمانية، ولكن بأسعار أقلّ بكثير وفي المتناوَل".

مصدر الصورة

ويضيف المرّي: "في الواقع، تمتاز هذه السيارات بمميزات أفضل من تلك الموجودة في بعض السيارات اليابانية"، مشيراً إلى التصميم الداخلي الجِلدي للسيارة، وإلى السماعات المتطورة، والشاشة الكبيرة، وإلى الكاميرات الخارجية، بالإضافة إلى فتحة السقف البانورامية.

وعلى الرغم من بعض الملاحظات السلبية التي أبداها عبر الإنترنت أولئك الذين سبق واشتروا هذه السيارات، إلا أن المرّي مضى قُدماً في عملية الشراء.

وتحظى موديلات السيارات الصينية بدعم قوي عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رغد ياسر، مؤثرة عبر منصة تيكتوك تقيم في قطر، نشرتْ مقطع فيديو ترُدّ فيه على الملاحظات السلبية الخاصة بالسيارات الصينية.

تقول رغد: "هل السبب في عدم حُبّكم لسياراتي الـ جيتور، هو أنها صينية فحسب؟ قبل أن تستعرض ميزة فتحة السقف في السيارة عبر الأوامر الصوتية".

وتتساءل رغد في الفيديو على سبيل التهكُّم: "حسناً، هيّا إذن أرونا سياراتكم الرولز رويس".

ثم تلتفت رغد إلى سيارتها الـ جيتور قائلة: "لكنْ عزيزتي، لماذا أُرهقُك من أجل أشخاص لا يستحقّون ذلك؟ مرحبا جيتور، أغلقي فتحة السقف".

ترِند إقليمي، رغم المخاوف الأمنية

نشرت شركة كارما للتحليلات والاستخبارات الإعلامية، التي تتخذ من دبي مقراً لها، مؤخراً دراسة تشير إلى أن 79 في المئة من السعوديين (الذي شملتهم عيّنة الدراسة) أعربوا عن مشاعر إيجابية تجاه السيارات الصينية، مقابل 42 في المئة من الأمريكيين في الشأن ذاته.

وتواجه السيارات الصينية مشاكل في دخول السوق الأمريكية بسبب عقبات جمركية، بخلاف الوضع في الخليج.

ماريا تالاكينا، من شركة كارما، ترى أن الدراسة المشار إليها تُظهر ارتباطاً قوياً بين التعليقات الإيجابية بشأن السيارات الصينية وبين خبرة أصحاب هذه التعليقات مع تلك السيارات.

هذه النتائج التي خلصت إليها دراسة شركة كارما، تتوافق مع ما خلصت إليه شركة أليكس بارتنرز الاستشارية التي تتخذ من نيويورك مقراً لها: والتي توقعت أن تستحوذ موديلات السيارات الصينية على أكثر من ثلث سوق السيارات في الشرق الأوسط وأفريقيا بحلول عام 2030، ارتفاعاً من نسبة 10 في المئة في عام 2024.

وعلى الرغم من أن الخليج يعتبر سوقاً شديدة الأهمية، إلا أن السيارات الصينية تثبت ذاتها في المنافسة على صعيد إقليمي أوسع نطاقاً.

ففي الفترة ما بين 2014 و2016، تصدّرت إيران قائمة وجهات استيراد السيارات الصينية عالمياً، في "ترِند" لم يتوقف زَحفُه إلا بسبب العقوبات الأمريكية على إيران.

وحتى في إسرائيل، حيث تراجعتْ شعبية الصين بسبب انتقادها للسلوك الإسرائيلي في حرب غزة، سرعان ما أمّنت السيارات الصينية نصيباً لنفسها من السوق الإسرائيلية.

هذا، على الرغم من المخاوف، التي يشيع الإعراب عنها في إسرائيل على غرار ما يحدث في الدول الغربية، من أن السيارات الصينية قد تحمل تهديدا للخصوصية الشخصية أو للأمن القومي؛ لكونها مليئة بأجهزة الاستشعار وبشبكة من المعدات.

ويقول بعض الخبراء إن هذه الإعدادات التي تمتاز بها السيارات الصينية يمكنها أن تساعد في جمع ونقل كميات كبيرة من البيانات الصوتية والمرئية الخاصة بمَن يستقلون تلك السيارات، بل وبمن يوجدون في محيطها كذلك.

وحظر الجيش الإسرائيلي دخول السيارات صينية الصنع إلى قواعد عسكرية، خشية تسريب بيانات أمنية.

ومع ذلك، استوردتْ إسرائيل في عام 2024 سيارات من الصين بأعداد تزيد على أعداد السيارات التي اشترتها من أي دولة أخرى، طبقاً لبيانات إسرائيلية.

تحديات متصاعدة

يقول الصحفي المتخصص في شؤون السيارات، داميان ريد، الذي يقدم برنامجا أسبوعياً من دبي، إن أعداد المستمعين الذين يتّصلون للسؤال عن موديلات السيارات الصينية في ازدياد كبير.

ويرى داميان أن الموديلات الأوروبية والأمريكية واليابانية وجدتْ في الموديلات الصينية منافساً تراقبه عن كثب.

وأخذتْ شركات مثل هونشي، التي تنتج سيارات للنخبة السياسية الصينية، تشقّ طريقها إلى سوق السيارات الفارهة، لمنافسة شركات من أمثال بي إم دبليو ومرسيدس بِنز.

ويشير داميان إلى أن "المضمار الوحيد الذي لا تنافس فيه السيارات الصينية هو مضمار المَركبات الثقيلة المخصّصة للطرق الوعرة".

وفي ذلك يقول داميان إن السؤال الذي يداهمني في هذا الخصوص هو: "هل ستتعطل في الصحراء؟ هل ستعيدني إلى البيت أم سأبقى عالقاً في الصحراء؟".

وبالإضافة إلى عنصر المتانة والقدرة على البقاء، كأكبر باعث على القلق لدى مَن يمتلكون سيارات صينية ممن تحدثوا إلى بي بي سي، فإن توفُّر قطع الغيار ومراكز الصيانة كانت تمثل الصُداع الرئيسي لهؤلاء.

وفي ذلك يقول جعفر الحيقي، إنه قضى خمسة أشهر يحاول تأمين المَحمل (رولمان بلي) لسيارته في البحرين.

كما تحدث آخرون لبي بي سي عن تكلفة ونُدرة قطع الغيار ومراكز الصيانة الخاصة بالسيارات الصينية، على نحو كفيل بأن يُثنيهم عن شرائها.

وعن ذلك عبّر أحد هؤلاء عن تجربته بالقول إنه شعر بأنه وقع ضحية للاحتيال.

توطين الصناعة في المنطقة

تسعى شركات صينية لتدشين بِنية تحتية في منطقة الشرق الأوسط لتوفير مراكز الصيانة والخدمات للسيارات التي تنتجها، مع الإعلان خلال العامين الماضيين عن افتتاح العديد من مراكز التوزيع الإقليمية لقطع الغيار.

وذهبت بعض الشركات الصينية إلى ما هو أبعد من ذلك؛ بالإعلان عن خطط لافتتاح مصانع في المنطقة لإنتاج موديلات وأجزاء سيارات.

وشهد العام الماضي وحده صدور عشرة إعلانات من هذا القبيل، عن مصانع من المقرر أن تشيّد في دول بينها مصر وتركيا والجزائر والإمارات العربية المتحدة.

ومن المتوقع أن تصبح مصر مركزاً لتصنيع السيارات الصينية؛ وفي حال أثمرتْ كل الخطط المُعلَنة، فإن ستّ شركات صينية كبرى ستقوم بصناعة السيارات في مصر للتصدير منها إلى باقي دول المنطقة وإلى أوروبا.

وتتطلع دول عديدة إلى جذب شركات تصنيع السيارات الصينية؛ لما يعنيه ذلك من توفير فُرص عمل، فضلاً عما سيجلبه من تقنية متطورة كفيلة بتحفيز الاقتصاد المحليّ وتعزيز الإنتاجية، ودفع عَجلة النمو.

على أنّ بعض المصانع الصينية المتوقَّع تدشينها في الشرق الأوسط هي مصانع لتجميع الأجزاء الواردة الجاهزة بالفعل من الصين.

ومع ذلك، فإن تدشين شركات لتصنيع منتجات متطورة في منطقة الشرق الأوسط، وتدريب العمالة المحلية على منتجات ذات قيمة أعلى تقوم على التكنولوجيا وتدريبهم على عمليات تصنيعية، وزيادة أعداد السيارات الصينية في الشرق الأوسط، كل ذلك كفيل بإحداث آثار اقتصادية أكثر عُمقاً في المنطقة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار