فتحت مصر فصلا جديدا في تاريخ عقود الإيجار بعد سنوات من الشد والجذب بين الملاك والمستأجرين، في أعقاب إقرار مجلس النواب المصري تعديلات جوهرية على القانون رقم 136 لسنة 1981.
وأقرّ المجلس قبل أيام، في اللحظات الأخيرة من دور الانعقاد التشريعي وقبل انقضاء المهلة التي حددتها المحكمة الدستورية، تعديلات على قانون الإيجار القديم المثير للجدل وسط انقسام حاد.
ومن المنتظر أن يُصدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الأيام المقبلة على القانون، تمهيدًا لنشره في الجريدة الرسمية، وهو السيناريو الذي يترقبه الملاك على أمل إنهاء سنوات من الجمود، في حين يثير قلقا واسعا في أوساط المستأجرين الذين يرفضون مضامينه.
ورغم غياب بيانات دقيقة عن عدد الوحدات المؤجرة بالإيجار القديم وتوزيعها، استندت الحكومة إلى تعداد 2017 الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء:
وتكمن حساسية هذا الملف في أمرين رئيسيين:
ودخل الملف دائرة الاهتمام منذ طالب السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بفتح الملف المسكوت عنه وإصدار قانون حاسم وسريع لحل مشكلة العقارات الخاضعة لقانون الإيجار القديم، والتي يُقدر عدد الوحدات المغلقة فيها بمليوني وحدة بقيمة تريليون جنيه (حوالي 20 مليار دولار).
وفي العام التالي في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وفي حكم غير اعتيادي، قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية في نظام الإيجار القديم، في القانون رقم 136 لسنة 1981، في حكم سرّع من إنجاز التعديلات.
تتقاطع في هذه القضية 3 آراء رئيسية تمثل أطراف مثلثها المتنازع عليه:
شهدت مصر صدور سلسلة من القوانين المنظمة لعلاقة الإيجار بدءًا من القانون رقم 11 لسنة 1920، ثم القانون رقم 151 لسنة 1941، اللذين أرسيا مبدأ عدم جواز طرد المستأجر من المسكن إلا بحكم قضائي، وصولًا إلى القانون الأشهر رقم 136 لسنة 1981 المعروف بقانون الإيجار القديم.
وقد استندت هذه القوانين في مجملها إلى مبدأين أساسيين، هما:
وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي، لجأت الدولة إلى وقف العمل بقانون الإيجار القديم بعد عزوف الملاك عن تأجير وحداتهم، ليصدر بذلك القانون رقم 4 لسنة 1996، المعروف بقانون الإيجار الجديد الذي أرسى مبدأ تحرير العلاقة التعاقدية بين المالك والمستأجر وفقًا لآليات السوق.
لكن جميع الوحدات السكنية المؤجّرة بعقود قديمة، والموقّعة قبل صدور قانون الإيجار الجديد، ظلّت خاضعة لأحكام قانون الإيجار القديم، إلى أن تدخّل المشرّع مؤخرا، استجابة لدعوة الرئيس السيسي، وامتثالا لحكم المحكمة الدستورية الذي أقرّ بضرورة إعادة التوازن للعلاقة الإيجارية.
يرى رئيس ائتلاف مُلاك الإيجارات القديمة مصطفى عبد الرحمن عطية أن "القانون الجديد أنهى حقبة طويلة من الظلم الواقع على المُلاك، رغم أنه لا يحقق كامل تطلعاتهم".
وتوقّع، في تصريح للجزيرة نت، أن يُصدّق الرئيس السيسي على القانون قريبا، ليبدأ سريانه في اليوم التالي لنشره بالجريدة الرسمية، مشيرا إلى أن المهلة الانتقالية البالغة 7 سنوات تُعدّ كافية لتوفيق الأوضاع وتصحيح ما وصفه بأخطاء الماضي وإغلاق صفحة سوداء من التاريخ العقاري.
ورأى عطية أن التعديلات الجديدة تمثل مكسبًا للطرفين، المُلاك والمستأجرين على حد سواء، موضحًا أن تأخر البرلمان في إقرارها كان سيُعرّضهم لموجة من الدعاوى القضائية، تُلزم برفع القيمة الإيجارية لتتوافق مع الأسعار السوقية، تنفيذًا لحكم المحكمة الدستورية.
في اللحظات الحاسمة التي تسبق التصديق على القانون، يتمسك المستأجرون وممثلوهم القانونيون وبعض النواب بالأمل في أن يرفض الرئيس عبد الفتاح السيسي التصديق على القانون، سواء بشكل كلي أو جزئي، ويعيده إلى البرلمان لإعادة مناقشته، بحسب ميشيل حليم المستشار القانوني لرابطة المستأجرين.
ولكن تصريحات الرئيس السيسي السابقة توحي بأن الملف قد حُسم فعليا، إذ كانت دعوته الصريحة لمراجعة قانون الإيجار القديم هي التي دفعت مؤسسات الدولة إلى التحرك في هذا الاتجاه.
وأوضح حليم، في تصريحات للجزيرة نت، عزم الرابطة "التقدم بطعن على تعديلات قانون الإيجار القديم أمام المحكمة الدستورية ببطلانها. فالقانون لم يحقق التوزان وفيه ظلم كبير وبيّن وضياع للحقوق في ظل ظروف صعبة".
وعلّق ميشيل حليم على وعود الحكومة بتوفير بدائل سكنية بالقول إن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة تجعل المستأجرين غير مطمئنين لتلك الوعود، مشيرا إلى أن أي بدائل مقترحة لن تعوّض المستأجر عن وحدته الأصلية، كما أن الغالبية لن تكون قادرة على تحمّل تكلفتها أو سداد ثمنها في ظل الظروف الراهنة.
وفي محاولة لطمأنة المستأجرين الذين يواجهون مصيرا غامضا بعد انقضاء مهلة السنوات السبع، أكدت الحكومة أنها لن تسمح بتشريد أي مستأجر أو تركه من دون مأوى، متعهدة بتوفير بدائل سكنية قبل نهاية الفترة الانتقالية.
كما نفت وجود أي أهداف ربحية وراء القانون، مؤكدة أن الغاية الأساسية منه هي تحقيق العدالة بين طرفي العلاقة الإيجارية.
لا يوجد بديل دون قانون ولكن عضو مجلس النواب نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي فريدي البياضي حذر من تداعيات هذا القانون قائلا: "رفضنا تعديلات القانون، وطالبنا بتعديلات تضمن حقوق الطرفين ومصالحهم إلا أن الحكومة لم تستجب، وأصبح القانون كقنبلة لهب في المجتمع قسمته بين مُلاك ومستأجرين".
وانتقد البياضي في حديثه للجزيرة نت ما وصفه بالتسرع في إقرار التعديلات على القانون وعدم منحه الوقت الكافي للمناقشة وطرحه للحوار المجتمعي المعمق.
وقال "كنا نطالب بتوازن لا يفضي إلى طرد المستأجر من شقته في نهاية المطاف، وتم اقتراح رفع الإيجار بشكل تدريجي للقيمة السوقية وتقوم الحكومة بدفع الفرق".
واعتبر النائب البياضي أن فلسفة الحكومة من وراء التعديلات غير واضحة، وتأتي في إطار ما وصفه "بالعبارات المطاطة" مثل تصويب الأوضاع والحفاظ على الحقوق، مضيفًا أنه ليس كل ما تقوله الحكومة بالضرورة صحيحا.
وفي ما يتعلق بوعود توفير بدائل سكنية للمستأجرين، أوضح البياضي أن القانون لا يُلزم الحكومة بذلك، مشككًا في قدرتها على التنفيذ حتى إن توفرت لديها النية.
وتوقّع البياضي أن تشهد السنوات المقبلة موجة من المشكلات نتيجة لذلك.