تقف أطلال دار تاريخية تُعرف بـ"دار مولاي هشام" في قلب مدينة دمنات العريقة، إحدى أقدم مدن الأطلس الكبير المغربي. وخلف جدران متصدعة، اضحت الدار شاهدة على جزء من الذاكرة المعمارية والاجتماعية للمدينة.
وبعد عقود من الإهمال، أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن مخطط لترميم هذه المعلمة وتحويلها إلى مركز للتعريف بالتراث الثقافي العبري بالمغرب، ضمن برنامج التنمية الجهوية لجهة بني ملال-خنيفرة للفترة 2027-2022.
ويُعد المشروع خطوة رمزية في إطار السياسة الوطنية الرامية إلى تثمين مكونات الهوية المغربية المتعددة، وعلى رأسها المكون اليهودي الذي شكّل لقرون جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي والثقافي المغربي .
وفي تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أوضح مصطفى جلوق، مدير التراث الثقافي بالوزارة، أن دار مولاي هشام تنتمي إلى فئة القصور ذات الطابع المغربي التقليدي، بأسوار وأبراج دفاعية، مشيرا إلى أن طرازها المعماري يشبه قصبات العهد العلوي في مكناس وتادلة، ما يجعلها جزءا من سلسلة معمارية توثق لتاريخ الدولة المغربية الحديثة.
وقد شُيدت الدار على يد المولى هشام، ابن السلطان المولى إسماعيل (1672–1727)، بعد أن استقر في دمنات تلبية لطلب سكانها لضمان الحماية والاستقرار، في مدينة كانت آنذاك معبرا تجاريا استراتيجيا يربط شمال المغرب بجنوبه.
وتحولت الدار إلى مركز إداري وعسكري حيوي، يعكس قوة السلطان ونفوذه في المنطقة. ومع مرور الزمن، تدهورت حالتها، وأصبحت أطلالا متهالكة، جدرانها آيلة للسقوط وساحتها مأوى للمتشردين.
كنيس يهودي قديم بمدينة فاسصورة من: Bildagentur-online/AGF-Foto/picture allianceويؤكد جلوق أن "الدار في وضع مقلق للغاية"، حيث فقدت عناصرها الزخرفية وتعرضت أسوارها لتشققات كبيرة، ما يستدعي تدخلًا عاجلًا لحمايتها من الاندثار.
وقد أنجزت الوزارة دراسات معمارية وفنية لتحديد إمكانات الترميم، بهدف إعادة إحياء الدار بوظيفة ثقافية دائمة، عبر تحويلها إلى مركز للتعريف بالتراث العبري المغربي، لما تحمله دمنات من رمزية تاريخية في هذا المجال.
ويأتي هذا التوجه ضمن سياسة وطنية واسعة تشمل ترميم المعابد اليهودية والمقابر والملاحات القديمة، واستعادة الذاكرة اليهودية المغربية باعتبارها جزءًا من الهوية الجامعة للمملكة.
وفي حالة دمنات، يعكس المشروع رغبة الدولة في دمج الذاكرة المحلية بالذاكرة الوطنية، وربط الأجيال الجديدة بتاريخ التعدد والتعايش الذي ميز المدينة لقرون، حيث كانت تحتضن جالية يهودية مزدهرة، عُرفت بأنشطتها التجارية والحرفية ومشاركتها في الحياة اليومية للمدينة.
ولا تزال آثار هذه الذاكرة قائمة في بعض الأحياء القديمة والمقابر المهجورة، لكنها مهددة بالاندثار.
ويعتبر جلوق أن المشروع "عمل للعدالة الثقافية"، يرد الاعتبار لمكون أساسي من تاريخ المغرب المتنوع، ويعيد ربط دمنات بذاكرتها اليهودية والأمازيغية في آن واحد.
من جهتها، قالت زهور رحيحل، مديرة متحف التراث اليهودي بالدار البيضاء، إن مبادرة ترميم دار مولاي هشام "تندرج ضمن دينامية أوسع يشهدها المغرب لإعادة الاعتبار لتراثه اليهودي"، سواء عبر ترميم المعابد والمقابر أو إدراج هذا الموروث في المناهج الدراسية والمشاريع الثقافية.
وأضافت أن "المغرب، الذي يحتضن أقدم حضور يهودي في العالم العربي، يسعى إلى تقديم هذا المكون كجزء لا يتجزأ من شخصيته الحضارية".
المصدر:
DW