اكتسب فن الرسم على الجدران "الغرافيتي" مكانة هامة في السنوات الأخيرة في أفريقيا وانتقل من تهمة التخريب وتلويث الأماكن العامة إلى الاعتراف به كشكل فني مهم يهدف للتوعية ولتزيين المدن.
واستحوذ فن "الغرافيتي" على اهتمام فئة عريضة من الشباب الأفريقي كوسيلة للتعبير عن الذات والأحلام وتفريغ الطاقات وانتقاد الأوضاع السياسية والاجتماعية. ورغم أن هذا الفن كان سيفاً مسلطاً على رقاب السلطة فإن ذلك لم يمنعه من أن ينال تقديرها لدوره الكبير في إبراز الهوية الثقافية الأفريقية بكل جمالها وسحر ألوانها ورسوماتها، فكانت تلك الجداريات تعكس كل ذلك وتدمجه بفلسفة وأسلوب ساحر لتخلق منه فناً يستحق المشاهدة والتأمل.
برز فن الرسم على الجدران في السنغال نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ومنها انطلق إلى باقي دول غرب أفريقيا وبات يفرض نفسه كفن يضفي لمسة جمالية على الشوارع. ورغم ما واجهه فنانوه من تضييق ورقابة وصعوبات مادية، فإنهم واصلوا تمرير رسائلهم والتعبير عن آرائهم واتحاف المارة بجداريات مليئة بالرمزية والمشاعر.
ويعود الدافع الرئيسي لانتشار هذا الفن الإبداعي في السنوات الأخيرة في أفريقيا إلى التغيرات السياسية وما رافقها من انقلابات عسكرية وثورات، حيث وجد الشباب أنفسهم بحاجة إلى طريقة للتعبير بشكل فني وحضاري عما يشعرون به وما يريدونه، فوجدوا في فن "الغرافيتي" سلاحاً لمحاربة القمع والفساد وتمرير رسائل سياسية واجتماعية.
وفي هذا الصدد يقول فنان "الغرافيتي" أداما يعقوب إن الرسم على جدران المدن أصبح وسيلة مفضلة في يد الثورات والانتفاضات، وأضاف "الرسم والكتابة على الجدران وتصميم لوحات جدارية غاية في الابداع أصبح سلاحاً قوياً، دمج بين الثقافة والتاريخ والمطالب السياسية البسيطة، وبفضله أصبح العديد من فناني الغرافيتي رواداً في ولادة حركة فنية حضرية حقيقية".
ويشير في حديثه لـ"العربية.نت" إلى أن ما يميز فن "الغرافيتي" الأفريقي إنه غني بتعبيرات نابضة بالحياة والهوية والأمل، وإن قضاياه في مجملها تتراوح بين انتقاد الأوضاع والتوعية الصحية والاحتفاء بالتراث الثقافي.
وعن تطور "الغرافيتي" يقول أداما: "الرسم على الجدران كان إلى وقت قريب يعتبر تخريباً وتشويها، لكن الرغبة في إثبات الذات دفعت الفنانين إلى الاستمرار والبحث عن طرق لجذب انتباه الناس برسم جداريات ضخمة لموسيقيين مشهورين وشخصيات بارزة.. وأشياء تذكر الناس بالماضي.. ثم بعد ذلك أصبح وسيلة للتوعية والوحدة الاجتماعية وانتقاد الأوضاع".
ويرى أداما أن فن "الغرافيتي" أصبح وسيلة للتماسك الاجتماعي والتجديد الحضري، كما أنه طريقة مثلى لإيصال الرسائل، ويقول "ما يمكن أن نفعله بتنظيم تظاهرة حاشدة يمكن أن تقوم به إحدى الجداريات بكل سهولة وبقوة أيضاً لأنها تلامس القلوب وتصل إلى جمهور أكبر".
ويؤكد أن فن "الغرافيتي" مفيد لأفريقيا، فقد غيّر وجه الكثير من المدن وأضفى لمسة جمالية على شوارعها، مضيفاً أن فناني الشوارع يعملون على توسيع وإثراء رسوماتهم، لكنه شدد على ضرورة منحهم الحرية لرسم جداريات مبدعة وأكثر دقة وجمالية.
المصدر:
العربيّة