مع انطلاق العام الدراسي الجديد، يتكرر المشهد المألوف بطلاب يملؤون دفاترهم بالخطط والأهداف، ويقضون ساعات طويلة بين الكتب، لكن بعضهم يصاب بخيبة أمل في النهاية. المشكلة لا تكمن في قلة الجهد، بل في عادات المذاكرة المتوارثة.
تشير دراسات علم النفس المعرفي والتربوي إلى أن طرق المذاكرة الأكثر شيوعا هي الأقل كفاءة، مثل إعادة قراءة الملاحظات، وتلوين الصفحات بالأقلام الفسفورية.
السر في هذه المفارقة، أن تلك الطرق المشهورة تمنح الطلاب شعورا زائفا بالإتقان يُعرف بـ"وهم الألفة"، حيث تصبح المعلومة مألوفة للعين، فيعتقد الدماغ أنه فهمها، دون أن يتمكن من استرجاعها وقت الحاجة.
لذلك يطرح خبراء بدائل أكثر كفاءة، منها 3 إستراتيجيات رئيسية، وهي: الاسترجاع النشط، والتكرار المتباعد، والتعلم المتداخل.
عندما نفكر في التعلم، نركز عادةً على إدخال المعلومات إلى رؤوس الطلاب. ماذا لو ركزنا بدلا من ذلك على إخراج المعلومات من رؤوسهم؟
بواسطة الدكتورة بوجا أغاروال، عالمة نفس معرفي ومؤلفة كتاب "التدريس الفعال"
في دراسة لاختبار الذاكرة تم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين: الأولى أعادت قراءة المادة الدراسية 4 مرات، والثانية قرأت المادة مرة واحدة ثم اختبرت نفسها 3 مرات (الاسترجاع النشط).
وكانت النتيجة بعد 5 دقائق أن تفوقت مجموعة إعادة القراءة بنسبة صغيرة. لكن المفاجأة كانت بعد أسبوع حين انقلبت المعادلة تماما، حيث احتفظت مجموعة الاسترجاع النشط بنحو 56% من المعلومات، في حين احتفظت مجموعة إعادة القراءة بنحو 42% فقط.
كيف تطبقها من اليوم الأول؟
إن إعادة القراءة والممارسة المكثفة (الحشو) تمنح شعورا بالطلاقة يُفسر خطأ على أنه إتقان، ولكن لتحقيق الإتقان الحقيقي والاستمرارية، فإن هذه الاستراتيجيات هي مضيعة كبيرة للوقت.
بواسطة بيتر براون، هنري روديجر، ومارك ماكدانيال، كتاب "اجعلها راسخة: علم التعلم الناجح"
هل سبق أن ذاكرت درسا كاملا وأتقنته، ثم نسيته تماما بعد أيام قليلة؟ هذا هو "منحنى النسيان" الذي وضعه عالم النفس الألماني هيرمان إبنجهاوس، والذي أظهرت أبحاثه أننا قد نفقد أكثر من 50% من المعلومات الجديدة خلال 24 ساعة فقط، إذا لم نراجعها بفاعلية.
لذلك فإن الحل العملي لهزيمة "منحنى النسيان" هو مراجعة المعلومات على فترات زمنية متزايدة بشكل إستراتيجي. فبدلا من مراجعة الدرس 5 مرات في ليلة واحدة، تقوم بمراجعته اليوم، ثم بعد يومين، ثم بعد أسبوع، ثم بعد شهر، وهو ما يطلق عليه "التكرار المتباعد".
تسمح هذه الطريقة ببدء عملية النسيان قليلا، مما يجبر الدماغ على بذل جهد أكبر لاسترجاع المعلومات في المرة التالية، وهذا الجهد الإضافي هو الذي يثبت المعلومات في الذاكرة طويلة المدى.
مقترحات عملية:
التعلّم المتداخل قد يبدو أقل كفاءة أثناء جلسة المذاكرة نفسها، لأن الطالب يرتكب أخطاء أكثر ويشعر بصعوبة أكبر. لكن هذه الصعوبة هي بالضبط سبب نجاحه. التعلم المتداخل يبني مرونة معرفية دائمة، لأنه يدربك على اختيار الأداة المناسبة من صندوق الأدوات.
بواسطة الدكتور نيت كورنيل، عالم نفس معرفي وباحث رائد في استراتيجيات التعلم، جامعة ويليامز.
الخطأ الشائع الثالث هو المذاكرة بنظام "الكتل المنفصلة"، حيث يركز الطالب على نوع واحد من المسائل أو موضوع واحد لساعات متواصلة حتى يشعر بالإتقان التام، ثم ينتقل إلى الموضوع التالي.
لكن تقنية "التعلم المتداخل" تعني خلط أنواع مختلفة من المسائل أو المفاهيم ذات الصلة في جلسة مذاكرة واحدة.
السر في هذه الطريقة أنها تجبر الدماغ على ممارسة مهارة "التمييز"، أي تحليل المشكلة أولا ثم اختيار الإستراتيجية المناسبة لحلها، مما يمنحك فهما أعمق وقدرة أفضل على تطبيق ما ذاكرته في سياقات جديدة وغير متوقعة، وهو بالضبط ما يحدث في الامتحانات النهائية.
كيف تطبقها بفاعلية؟
التعلم الذي يبدو سهلا يشبه الكتابة على الرمال، هنا اليوم ويذهب غدا. التعلم الأكثر ديمومة هو الذي يتطلب جهدا.
بواسطة بيتر براون، مؤلف كتاب "اجعلها راسخة: علم التعلم الناجح"
تبدو هذه الطرق الثلاث (الاسترجاع، والتباعد، والتداخل) أكثر صعوبة أثناء المذاكرة مقارنة بإعادة القراءة السهلة، وهو مبدأ "الصعوبات المرغوبة" الذي صاغه عالما النفس روبرت وإليزابيث بيورك.
المبدأ ينص على أن ظروف التعلم التي تتطلب جهدا عقليا أكبر (صعوبات)، تؤدي إلى احتفاظ أقوى على المدى الطويل، في المقابل فإن التعلم السهل لا يتحدى الدماغ بما يكفي لإنشاء روابط عصبية قوية.
التعلم الفعال لا يعني تجنب الصعوبة، بل احتضانها بذكاء. عندما تجبر نفسك على استرجاع معلومة كادت أن تُنسى، فإنك ترسل إشارة قوية لدماغك بأن هذه المعلومة مهمة. هذا الجهد هو ما يحول المعرفة الهشة إلى معرفة راسخة.
بواسطة بينيديكت كاري، صحفي علمي ومؤلف كتاب "كيف نتعلم".
التقنيات السابقة تحتاج إلى بيئة داعمة لتعمل بكفاءة قصوى، فالنجاح الأكاديمي لا يقتصر على ما تفعله أثناء المذاكرة، بل يشمل نمط حياتك بالكامل، وأبرز عناصر هذه البيئة الداعمة:
الخلاصة أن العام الدراسي الجديد فرصة لإعادة تعريف المذاكرة، وأنها ليست سباقا مرهقا مع الوقت، بل خطة مدروسة مبنية على العلم، وبالتالي فإن التفوق الدراسي لا يعني بالضرورة ساعات أطول، بل طرقا أذكى.