آخر الأخبار

الخلط والتباعد والاختبار.. 3 أسرار للمذاكرة الناجحة

شارك

مع انطلاق العام الدراسي الجديد، يتكرر المشهد المألوف بطلاب يملؤون دفاترهم بالخطط والأهداف، ويقضون ساعات طويلة بين الكتب، لكن بعضهم يصاب بخيبة أمل في النهاية. المشكلة لا تكمن في قلة الجهد، بل في عادات المذاكرة المتوارثة.

تشير دراسات علم النفس المعرفي والتربوي إلى أن طرق المذاكرة الأكثر شيوعا هي الأقل كفاءة، مثل إعادة قراءة الملاحظات، وتلوين الصفحات بالأقلام الفسفورية.

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 بيديْن مبتورتين.. فتاة يمنية تتحدى الإعاقة بالتفوّق الأكاديمي
* list 2 of 2 من تنظيف شوارع اليمن إلى الصيرفة الإسلامية.. هكذا نجح إبراهيم كعتر end of list

السر في هذه المفارقة، أن تلك الطرق المشهورة تمنح الطلاب شعورا زائفا بالإتقان يُعرف بـ"وهم الألفة"، حيث تصبح المعلومة مألوفة للعين، فيعتقد الدماغ أنه فهمها، دون أن يتمكن من استرجاعها وقت الحاجة.

لذلك يطرح خبراء بدائل أكثر كفاءة، منها 3 إستراتيجيات رئيسية، وهي: الاسترجاع النشط، والتكرار المتباعد، والتعلم المتداخل.

عندما نفكر في التعلم، نركز عادةً على إدخال المعلومات إلى رؤوس الطلاب. ماذا لو ركزنا بدلا من ذلك على إخراج المعلومات من رؤوسهم؟

بواسطة الدكتورة بوجا أغاروال، عالمة نفس معرفي ومؤلفة كتاب "التدريس الفعال"

أولا: الاسترجاع النشط.. اختبر دماغك

في دراسة لاختبار الذاكرة تم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين: الأولى أعادت قراءة المادة الدراسية 4 مرات، والثانية قرأت المادة مرة واحدة ثم اختبرت نفسها 3 مرات (الاسترجاع النشط).

وكانت النتيجة بعد 5 دقائق أن تفوقت مجموعة إعادة القراءة بنسبة صغيرة. لكن المفاجأة كانت بعد أسبوع حين انقلبت المعادلة تماما، حيث احتفظت مجموعة الاسترجاع النشط بنحو 56% من المعلومات، في حين احتفظت مجموعة إعادة القراءة بنحو 42% فقط.

كيف تطبقها من اليوم الأول؟


* تقنية الورقة البيضاء: بعد الانتهاء من دراسة فصل معين، أغلق الكتاب واكتب ملخصا لكل ما تتذكره على ورقة بيضاء. قارن ما كتبته بالمصدر لتحديد الفجوات التي تحتاج لمراجعتها.
* البطاقات التعليمية: ضع سؤالا في جانب البطاقة والإجابة في الجانب الآخر، وهي تقنية فعالة جدا للمصطلحات والمعادلات.
* الشرح للآخرين: حاول شرح المفهوم لشخص آخر بكلمات بسيطة. إذا تعثرت، فهذه هي النقطة التي تحتاج إلى مراجعتها بعمق أكبر.

إن إعادة القراءة والممارسة المكثفة (الحشو) تمنح شعورا بالطلاقة يُفسر خطأ على أنه إتقان، ولكن لتحقيق الإتقان الحقيقي والاستمرارية، فإن هذه الاستراتيجيات هي مضيعة كبيرة للوقت.

بواسطة بيتر براون، هنري روديجر، ومارك ماكدانيال، كتاب "اجعلها راسخة: علم التعلم الناجح"

ثانيا: التكرار المتباعد: هزيمة "منحنى النسيان"

هل سبق أن ذاكرت درسا كاملا وأتقنته، ثم نسيته تماما بعد أيام قليلة؟ هذا هو "منحنى النسيان" الذي وضعه عالم النفس الألماني هيرمان إبنجهاوس، والذي أظهرت أبحاثه أننا قد نفقد أكثر من 50% من المعلومات الجديدة خلال 24 ساعة فقط، إذا لم نراجعها بفاعلية.

إعلان

لذلك فإن الحل العملي لهزيمة "منحنى النسيان" هو مراجعة المعلومات على فترات زمنية متزايدة بشكل إستراتيجي. فبدلا من مراجعة الدرس 5 مرات في ليلة واحدة، تقوم بمراجعته اليوم، ثم بعد يومين، ثم بعد أسبوع، ثم بعد شهر، وهو ما يطلق عليه "التكرار المتباعد".

تسمح هذه الطريقة ببدء عملية النسيان قليلا، مما يجبر الدماغ على بذل جهد أكبر لاسترجاع المعلومات في المرة التالية، وهذا الجهد الإضافي هو الذي يثبت المعلومات في الذاكرة طويلة المدى.

مقترحات عملية:


* التطبيق اليدوي: المراجعة الأولى نهاية اليوم، المراجعة الثانية بعد 3 أيام، المراجعة الثالثة بعد أسبوع، المراجعة الرابعة بعد 3 أسابيع.
* التطبيق التكنولوجي: استخدم تطبيقات مثل (Anki) أو (Quizlet) المبنية على خوارزميات التكرار المتباعد، والتي تحدد تلقائيا أفضل وقت لمراجعة كل معلومة.

التعلّم المتداخل قد يبدو أقل كفاءة أثناء جلسة المذاكرة نفسها، لأن الطالب يرتكب أخطاء أكثر ويشعر بصعوبة أكبر. لكن هذه الصعوبة هي بالضبط سبب نجاحه. التعلم المتداخل يبني مرونة معرفية دائمة، لأنه يدربك على اختيار الأداة المناسبة من صندوق الأدوات.

بواسطة الدكتور نيت كورنيل، عالم نفس معرفي وباحث رائد في استراتيجيات التعلم، جامعة ويليامز.

ثالثا: التعلم المتداخل.. اخلط المفاهيم

الخطأ الشائع الثالث هو المذاكرة بنظام "الكتل المنفصلة"، حيث يركز الطالب على نوع واحد من المسائل أو موضوع واحد لساعات متواصلة حتى يشعر بالإتقان التام، ثم ينتقل إلى الموضوع التالي.

لكن تقنية "التعلم المتداخل" تعني خلط أنواع مختلفة من المسائل أو المفاهيم ذات الصلة في جلسة مذاكرة واحدة.

السر في هذه الطريقة أنها تجبر الدماغ على ممارسة مهارة "التمييز"، أي تحليل المشكلة أولا ثم اختيار الإستراتيجية المناسبة لحلها، مما يمنحك فهما أعمق وقدرة أفضل على تطبيق ما ذاكرته في سياقات جديدة وغير متوقعة، وهو بالضبط ما يحدث في الامتحانات النهائية.

كيف تطبقها بفاعلية؟


* في الرياضيات أو الفيزياء: بدلا من حل 20 مسألة على نظرية (أ) ثم 20 مسألة على نظرية (ب)، قم بحل مسائل متنوعة (5 من أ، 5 من ب، ثم 5 من أ مرة أخرى) تتطلب التبديل بين النظريتين.
* في تعلم اللغات: بدلا من تخصيص يوم للقواعد ويوم للمفردات، ادمج بينهما. اقرأ نصا، استخرج المفردات الجديدة، وحلل القواعد المستخدمة فيه، استمع لمتحدثين أصليين، تكلم مع آخرين بما تعلمته.

التعلم الذي يبدو سهلا يشبه الكتابة على الرمال، هنا اليوم ويذهب غدا. التعلم الأكثر ديمومة هو الذي يتطلب جهدا.

بواسطة بيتر براون، مؤلف كتاب "اجعلها راسخة: علم التعلم الناجح"

السر المشترك: قوة "الصعوبات المرغوبة"

تبدو هذه الطرق الثلاث (الاسترجاع، والتباعد، والتداخل) أكثر صعوبة أثناء المذاكرة مقارنة بإعادة القراءة السهلة، وهو مبدأ "الصعوبات المرغوبة" الذي صاغه عالما النفس روبرت وإليزابيث بيورك.

المبدأ ينص على أن ظروف التعلم التي تتطلب جهدا عقليا أكبر (صعوبات)، تؤدي إلى احتفاظ أقوى على المدى الطويل، في المقابل فإن التعلم السهل لا يتحدى الدماغ بما يكفي لإنشاء روابط عصبية قوية.


* الاسترجاع النشط يجبرك على البحث في الذاكرة بدلا من القراءة.
* التكرار المتباعد يجعلك تواجه المعلومة عندما تبدأ بنسيانها.
* التعلم المتداخل يتطلب التبديل المستمر بين الإستراتيجيات الذهنية.

التعلم الفعال لا يعني تجنب الصعوبة، بل احتضانها بذكاء. عندما تجبر نفسك على استرجاع معلومة كادت أن تُنسى، فإنك ترسل إشارة قوية لدماغك بأن هذه المعلومة مهمة. هذا الجهد هو ما يحول المعرفة الهشة إلى معرفة راسخة.

بواسطة بينيديكت كاري، صحفي علمي ومؤلف كتاب "كيف نتعلم".

عوامل مساعدة: البيئة الداعمة للتعلم

التقنيات السابقة تحتاج إلى بيئة داعمة لتعمل بكفاءة قصوى، فالنجاح الأكاديمي لا يقتصر على ما تفعله أثناء المذاكرة، بل يشمل نمط حياتك بالكامل، وأبرز عناصر هذه البيئة الداعمة:

إعلان

* النوم كأولوية قصوى: النوم ليس ترفا، بل هو "معمل الدماغ" لإعادة بناء المعلومات وتثبيت الذكريات. تشير أبحاث حديثة إلى ارتباط وثيق بين جودة وانتظام النوم وتحسن الأداء الأكاديمي والانخراط التعليمي، وأن النوم قد يفسر ما يصل إلى 25% من التباين في الأداء الأكاديمي بين الطلاب.
* التغذية والنشاط البدني: يحتاج الدماغ إلى وقود جيد، لذلك فإن التغذية السليمة، خاصة الأحماض الدهنية مثل أوميغا 3 (الموجودة في الأسماك والمكسرات)، أظهرت ارتباطا بتحسين الذاكرة العاملة والتركيز، كما أن النشاط البدني المنتظم يعزز تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ.
* إدارة التركيز (تقنية بومودورو): وهي العمل بتركيز كامل لمدة 25 دقيقة، تليها استراحة قصيرة لمدة 5 دقائق، هذا الإيقاع يساعد على تجنب الإنهاك العقلي والحفاظ على أعلى مستويات الإنتاجية.

الخلاصة أن العام الدراسي الجديد فرصة لإعادة تعريف المذاكرة، وأنها ليست سباقا مرهقا مع الوقت، بل خطة مدروسة مبنية على العلم، وبالتالي فإن التفوق الدراسي لا يعني بالضرورة ساعات أطول، بل طرقا أذكى.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار