في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في ليلة من ليالي يونيو الهادئة، جلس خباب، الشاب السوداني العشريني، يراجع أوراقه للمرة الأخيرة، يحلم بمستقبل جديد في أميركا بعد فوزه بقرعة الهجرة.
لكن فجأة، انقلب كل شيء، إثر صدور قرار من الإدارة الأميركية بمنع إصدار التأشيرات لمواطني السودان، ما أسدل الستار على حلم ظل يراوده لسنوات.
فيما أكد شقيقه خالد للعربية.نت أن "فرحته كانت لا توصف، فقد بدأ فورا بجمع أوراقه والاستعداد للسفر. أما الآن فلا شيء سوى الانتظار".
وأوضح خالد أن خباب، المولود عام 2001 بجزيرة بدين في الولاية الشمالية، فاز بقرعة الهجرة الأميركية لعام 2026، وكان يستعد للسفر إلى بورتسودان لاستكمال أوراقه وتوثيقها وترجمتها، بعد أن تنقل بين عطبرة وأم درمان لاستخراج المستندات الرسمية، من شهادة الميلاد الإلكترونية والشهادات الجامعية وغيرها.
لكن في يوم وقفة عرفة، جاء قرار الإدارة الأميركية كالصاعقة، بحظر إصدار التأشيرات للسودانيين، ليطيح بآماله وآمال مئات آخرين.
كما أكد أن "كل أحلامه كانت مرتبطة بالدراسة في مجال الطاقة المتجددة في أميركا، إلا أن الحظر دمّر كل شيء".
فقد شكل القرار المفاجئ صدمة لهؤلاء الشبان السودانيين، وحطّم آمالهم في الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة.
ففي تطور مفاجئ، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل نحو أسبوعين، مرسومًا قضى بحظر إصدار تأشيرات لمواطني 12 دولة، من بينها السودان، لأسباب تتعلق بـ"ضعف التعاون الأمني وتجاوزات في نظام التأشيرات".
وجمد القرار، الذي دخل حيّز التنفيذ في التاسع من يونيو، فعليا جميع الإجراءات المتعلقة بالفائزين السودانيين في قرعة الهجرة لعام 2026، وزاد من حالة الغموض التي يعيشها الآلاف ممن كانوا ينتظرون مقابلاتهم أو يخططون للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية قريبا.
إلى ذلك، تحدث أحد الشبان السودانيين إلى "العربية.نت" شريطة عدم كشف هويته لأسباب خاصة، حيث سرد تفاصيل فوزه بقرعة الهجرة، وما رافقها من مشاعر متباينة بين الأمل والخذلان.
وقال: "أبلغ من العمر 30 عاما، خريج تخصص شبكات الحاسوب. نزحت مع أسرتي من مدينة سنجة إلى القضارف عقب اجتياح قوات الدعم السريع للمدينة، ومن هناك انتقلنا إلى أحد مراكز إيواء النازحين، حيث أُتيحت لي فرصة التقديم لبرنامج الهجرة الأميركية عبر إحدى زميلاتي".
كما أوضح أنه قدم كما يفعل كثيرون كل عام، دون أن يعلّق آمالا كبيرة على الأمر، إذ اعتاد أن يرى الرفض يتكرر مع كل دفعة.
وأشار إلى أنه قال في نفسه هذه المرة: "لن أخسر شيئا لو جرّبت حظي، لكنني نسيت أمر التقديم تماما بعد عودتي إلى سنجة عقب استعادة الجيش السوداني للمدينة".
إلا أن المفاجأة كانت عند إعلان نتائج البرنامج، إذ فوجئ بأنه من ضمن الفائزين. وقال "لم أصدق نفسي حينها، شعرت أن الحظ ابتسم لي أخيرا، وغمرتنا فرحة عارمة كعائلة. بدأنا نرسم ملامح مستقبل جديد، نأمل فيه تغيير واقعنا القاسي نحو الأفضل، والانطلاق نحو حياة كريمة ومستقرة".
غير أن فرحته وأسرته لم تدم طويلا، فقد جاءت قرارات إدارة ترامب بحظر سفر السودانيين ضمن ما عُرف بـ"قائمة الحظر"، لتقلب الموازين وتطفئ بريق الأمل.
وعلّق على تلك اللحظة قائلا: "شعرت أنني ضحية لقرار سياسي لا يد لي فيه، فأنا مجرد مواطن بسيط، كرّست وقتي لخدمة أسرتي ومجتمعي المحلي. القرار أعادني إلى دائرة الإحباط مجددا، خصوصا أننا في ريعان شبابنا، ولم تُتح لنا بعد فرصة لبناء أنفسنا، وكأننا ما زلنا واقفين عند نقطة البداية".
بدوره، قال زين العابدين، المسؤول عن إدارة مجموعة "أميركان دريم" المعنية بشؤون الهجرة إلى الولايات المتحدة، إن قرار ترامب، القاضي بحظر سفر السودانيين، أثّر سلبا على آلاف من الفائزين في قرعة الهجرة العشوائية (DV Lottery)، وتسبب في إلغاء مقابلاتهم أو تجميدها، رغم إنفاقهم مبالغ مالية طائلة في سبيل استكمال الإجراءات.
ووفقا لإحصائيات غير رسمية صادرة عن مجموعات مجتمعية مهتمة بشؤون الهجرة، فإن ما لا يقل عن 500 من الفائزين السودانيين في دفعة DV2026 أُلغيت مقابلاتهم بالفعل.
في حين ينتظر ما بين 800 إلى 1000 شخص آخرين تحديد مواعيد لمقابلاتهم، وسط حالة من الترقب وعدم اليقين. كما تشير التقديرات إلى أن قرابة 3000 سوداني فازوا في القرعة الأخيرة التي أُعلنت نتائجها في مايو الماضي.
وأضاف زين العابدين لـ"العربية.نت" أن السفارة الأميركية في الخرطوم لا تزال مغلقة، ما دفع العديد من الفائزين إلى التوجه إلى دول أخرى مثل إثيوبيا، مصر، السعودية، تنزانيا، سيراليون، والهند، بغرض استكمال الإجراءات. إلا أن القرار المفاجئ شكّل صدمة لهؤلاء، وحطّم آمالهم في الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة.
وحول الأسباب المعلنة للحظر، أوضح زين العابدين أن الحكومة الأميركية برّرت القرار بـ"أسباب أمنية"، من بينها عدم تعاون الحكومة السودانية في تبادل البيانات الأمنية الخاصة بمواطنيها، إضافة إلى الرغبة في حماية الولايات المتحدة من دخول أفراد قد يشكّلون تهديدًا لأمنها القومي.
لكنه أشار إلى أن هذه الأسباب، بحسب رأيه، ذات طابع سياسي بحت، ضمن توجه إدارة ترامب المتشدد تجاه الهجرة.
وعن إمكانية رفع الحظر، لفت إلى أن السودان كان قد أُدرج سابقا ضمن قائمة الحظر وتم رفعه بعد ثلاثة أشهر، عندما بدأت السلطات السودانية آنذاك في الاستجابة لمتطلبات التعاون الأمني التي حددتها الخارجية الأميركية. وأضاف أن ثمة أملا في أن يتكرر السيناريو نفسه إذا ما تم استئناف التواصل بين الجانبين.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، سُجلت حالة واحدة فقط لإلغاء تأشيرة بعد صدورها، وهي حالة نادرة حتى الآن. إلا أن هذه الواقعة أثارت قلقا واسعا بين الفائزين، في ظل عدم وضوح مستقبل القرار، وغياب أي تطمينات رسمية بشأن مصير بقية الحالات التي أنهت إجراءاتها أو تنتظر المقابلات، ما يعمّق الشعور بالضبابية وفقدان الأمل لدى كثيرين.
ما حدث مؤخرا ليس جديدا. ففي عام 2018، عاشت اعتدال عبد الحميد (29 سنة) تجربة مماثلة خلال فترة حكم دونالد ترامب الأولى، حيث تمت مقابلتها مع زوجها وابنتها في السفارة الأميركية بالخرطوم، وبعد استكمالهم لكل الإجراءات، استعادوا جوازاتهم بلا تأشيرات، ومن دون تفسير رسمي.
وقالت اعتدال بمرارة شديدة لـ"العربية.نت": "بعنا سيارتنا – مصدر دخلنا الأساسي – وجزء من أثاث منزلنا، واقتنعنا تماما أن حياتنا ستبدأ هناك. وأنفقنا أموالا طائلة لأجل ذلك، ثم لا شيء".
لكن رغم حجم الأزمة وفداحة الموقف لا يزال الصمت الرسمي يُخيّم على المشهد، فلا بيان من وزارة الخارجية، ولا توضيح من مجلس الوزراء، ولا حتى محاولة لفتح حوار مع الجانب الأميركي. وقال خالد لـ"العربية.نت": "الحكومة ساكتة تماما، وكأن هؤلاء الشباب لا يمثلونها. أقل ما يمكن أن تفعله هو المطالبة بحقهم في معرفة مصيرهم".
في المقابل، اقترح زين العابدين أن يبدأ الحل بإصلاح نظام الوثائق الرسمية في السودان، وتبادل البيانات الأمنية مع واشنطن، بما يسمح بإعادة النظر في القرار.
يبقى الأكيد أن في حقائب هؤلاء الفائزين بالقرعة أوراقا رسمية، وفحوصات طبية، وشهادات مترجمة، وأحلاما تنتظر طائرة لم تُقلع.
فيما الوقت يمضي، والفرص تضيع، ليبقى السؤال: هل ستتحرك الحكومة السودانية أم يُترك آلاف الشباب بين مطرقة السياسة وسندان الانتظار؟