آخر الأخبار

غرينلاند تفقد خمس جليدها في 4 عقود.. كيف يؤثر ذلك علينا؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

منذ تسعينات القرن الماضي، بدأ الغطاء الجليدي الواسع في جزيرة غرينلاند يتقلص مع ارتفاع درجات الحرارة بسبب الأنشطة البشرية، وخاصة حرق الوقود الأحفوري، وهو المصير ذاته الذي يواجهه الغطاء الجليدي في كل مكان تقريبًا، بما في ذلك الأنهار الجليدية في العالم.

والآن، تكشف دراسة حديثة نشرتها مجلة "نيتشر"، أن غرينلاند تفقد غطاءها الجليدي بمعدل أسرع مما كان متوقعا، وأن 20% من حوافها الجليدية قد اختفت خلال العقود الأربعة الماضية أكثر مما أظهرته التقديرات السابقة، وهو ما قد يُحدث خللا في تنظيم درجات الحرارة العالمية.

مصدر الصورة الأنهار الجليدية هي كتل ضخمة من الجليد المتراكم عبر آلاف السنين (ويكيميديا)

ذوبان المزيد من الجليد

الأنهار الجليدية هي كتل ضخمة من الجليد المتراكم عبر آلاف السنين، تتكوّن عندما تتساقط الثلوج بكميات كبيرة ثم تنضغط طبقة فوق طبقة حتى تتحول إلى جليد كثيف. وعلى عكس ما يبدو، فهي ليست ثابتة تمامًا؛ بل تتحرك ببطء شديد بتأثير الجاذبية مثل نهر من الجليد، فتنحت الصخور وتشكل الوديان وتنقل الرواسب.

في مناخ مستقر، تبقى الأنهار الجليدية بنفس الحجم تقريبًا، حيث تكتسب من الجليد بتساقط الثلوج ما يعادل تقريبًا ما تفقده بالذوبان، لكنها تقلصت بشكل كبير على السنوات الماضية بفعل الاحتباس الحراري الناجم عن تغير المناخ.

في حديثه للجزيرة نت، يقول مايك وود، الأستاذ المساعد في مختبرات موس لاندينج البحرية التابعة لجامعة ولاية كاليفورنيا، والذي شارك في الدراسة، "إن جزءًا كبيرًا من فقدان الجليد كان مخفيًا في أماكن لم تتمكن طرق الرصد الحالية من الوصول إليها، مثل المضايق والمنخفضات الجليدية التي يصعب رسم خرائطها".

لسد هذه الفجوة، استخدم وود وزملاؤه مئات الآلاف من صور الأقمار الصناعية للغطاء الجليدي لتتبع تراجع الأنهار الجليدية على مدار العقود الأربعة الماضية تقريبًا (من عام 1985 إلى عام 2022)".

إعلان

بمساعدة التعلم الآلي، تمكنوا من مراجعة تقديرات فقدان الكتلة الجليدية وكشف أنماط تراجع الأنهار الجليدية التي تغطي 87% من إجمالي مساحة الغطاء الجليدي، وتشكل 90% من كتلته الإجمالية.

وبينما ركزت التقديرات السابقة على فقدان غرينلاند 5 تريليونات طن (5000 غيغا طن) من سطح الغطاء الجليدي خلال العقدين الماضيين، وجد الباحثون أن الغطاء الجليدي في غرينلاند فقَد أيضًا أكثر من 1034 غيغا طن من الجليد، بسبب الانهيار الجليدي، لكنه لم يُسجَّل في الحسابات، مما زاد التقديرات السابقة لفقدان الكتلة بنسبة 20%.

كما تبيَّن أن جميع الأنهار الجليدية تقريبًا تقلص حجمها في وقت واحد، فمن بين 207 أنهار جليدية شملتها الدراسة، تراجع 179 نهرًا جليديًا بشكل ملحوظ منذ عام 1985، في حين حافظ 27 نهرًا على ثباته، وتقدم نهر واحد بشكل طفيف، وفقد نهر زاكاريا إستروم الجليدي في شمال شرقي غرينلاند أكبر مساحة (980 كيلومترًا مربعًا) وأكبر كتلة جليدية (160 غيغا طن) من بين الأنهار الجليدية المدروسة.

كما هو متوقع، نمت معظم الأنهار الجليدية خلال أشهر الشتاء الباردة وانحسرت خلال أشهر الصيف الدافئة، حيث تشهد غرينلاند تقلبات في درجات الحرارة تصل إلى 35 درجة مئوية بين الصيف والشتاء.

ووجد الباحثون أن الأنهار الجليدية البحرية في غرينلاند الأكثر تأثرًا بالتغيرات الموسمية -أي تمددها في الشتاء وتراجعها في الصيف- هي أيضًا الأكثر حساسية لتأثير الاحتباس الحراري، وقد فقدت أيضًا المزيد من مساحة كتلتها بمرور الوقت.

عواقب محتملة

تستغرق الأنهار الجليدية وقتا للاستجابة الكاملة لتغير المناخ، ولكن كمية الجليد المفقودة بحلول نهاية القرن ستعتمد بشدة على مدى استمرار البشرية في رفع درجة حرارة الكوكب من خلال إطلاق ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى.

يمكن أن نفقد ربع جليد الأنهار الجليدية في العالم، إذا تم تحقيق أهداف المناخ العالمية، وما يقرب من نصفه إذا استمر الاحترار دون سيطرة، كما تُحذر الدراسة.

ووفقا لـ"وود"، فإن ذوبان الجليد في غرينلاند يهدد التيارات المائية الأشبه بالشرايين، وهي تحمل الدفء في المحيط من الاستواء إلى الشمال، وهي التي تُبقي أوروبا معتدلة الحرارة، وتحدد إيقاع الطقس على الأرض.

ويضيف "مع استمرار الذوبان، تضعف هذه التيارات وكأنها تفرِّغ البطارية الحرارية للعالم، وتكون النتيجة فصولا أكثر تطرفًا، وموجات برد حادة، وعالم يحاول إعادة ضبط توازنه المناخي المهدد".

ويعتمد مئات الملايين من الناس في العالم إلى حدٍّ ما على مياه الذوبان الموسمية من الأنهار الجليدية، والتي تُشكّل خزاناتٍ عملاقة تساعد على حماية السكان من الجفاف، وعندما تختفي الأنهار الجليدية، تختفي معها إمداداتها من المياه.

هناك عواقب عالمية أيضًا، فحتى الزيادات الطفيفة في مستوى سطح البحر العالمي -من الأنهار الجليدية الجبلية، والصفائح الجليدية الرئيسية في غرينلاند والقطب الجنوبي، ومياه المحيطات الدافئة التي تشغل مساحة أكبر- يمكن أن تهدد بتفاقم الفيضانات في المجتمعات الساحلية والجزرية التي تؤوي مئات الملايين من الناس، وقد يؤدي في النهاية إلى غمر دول جزرية بأكملها ومدن ساحلية.

مصدر الصورة الصدوع أو التشققات في الغطاء الجليدي في غرينلاند تتسع اتساعا ملحوظا في الحجم والعمق (غيتي)

ارتفاع مستوى سطح البحر

نظرًا لأن الجليد على أطراف الجزيرة موجود فعلا في الماء، فقد أكد وود أن ذوبانه سيكون له تأثير مباشر محدود على ارتفاع مستوى سطح البحر، لكنه لفت إلى أن "هذا ينذر بمزيد من ذوبان الجليد الإجمالي الذي يضيف كميات ضخمة من المياه العذبة إلى المحيط،، مما يسمح للأنهار الجليدية بالانزلاق بسهولة أكبر نحو البحر، وينعكس انعكاسًا خطرًا على ارتفاع مستوى سطح البحر".

إعلان

لقد ارتفع مستوى سطح البحر العالمي فعلا بأكثر من 20 سنتيمترا منذ عام 1900، ونصف هذه الزيادة تقريبًا منذ أوائل التسعينيات، ومن المتوقع حدوث زيادات أسرع في العقود المقبلة.

وتشير التقديرات إلى أن ذوبان الغطاء الجليدي الشاسع في غرينلاند -ثاني أكبر غطاء جليد في العالم بعد القارة القطبية الجنوبية- ساهم بأكثر من 20% في ارتفاع مستوى سطح البحر الملحوظ منذ عام 2002.

ومنذ عام 1992، كانت غرينلاند مسؤولة عن ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو 14 ملليمترا، وقد أظهرت الأبحاث أنها قد تُسهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بما يصل إلى 30 سم (قدم واحدة) بحلول عام 2100.

وأظهرت دراسة حديثة أن الصدوع أو التشققات في الغطاء الجليدي في غرينلاند اتسعت اتساعا ملحوظا في الحجم والعمق وبوتيرة أسرع من المتوقع على مدى السنوات الخمس بين عامي 2016 و2021 بسبب ارتفاع درجات حرارة الهواء والبحر، مما قد يُسرّع من فقدان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر عالميًا.

ويحذّر العلماء من أن استمرار ارتفاع درجات الحرارة بما يزيد عن درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية يُؤدي إلى خطر أكبر بكثير يتمثل في "احتجاز" ما يصل من 12 إلى 20 مترًا من ارتفاع مستوى سطح البحر في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.

وحسب خبراء في التغيرات المناخية، فإن ذوبان أكبر 3 أنهار جليدية في غرينلاند من شأنه أن يرفع مستوى المياه في العالم إلى أكثر من متر بحلول عام 2100، و5 أضعاف بحلول 2300، إذا لم تلتزم دول العالم بتخفيض نسب اندفاع الغازات الدفيئة بحسب ما تم الاتفاق عليه بقمة باريس للمناخ عام 2015.

مؤشرات مقلقة

في وقت سابق من هذا العام، ذكرت خدمة "كوبرنيكوس" الأوروبية للمناخ أن عام 2024 كان الأكثر حرارة على الإطلاق، وهو أول عام يتجاوز فيه متوسط درجات الحرارة العالمية 1.5 درجة مئوية فوق متوسط ما قبل الثورة الصناعية.

مع استمرار هذه المؤشرات، يمكن أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي إلى ذوبان سطح الأنهار الجليدية وتسربه إلى قاع الغطاء الجليدي، مما يُسهّل فقدان المزيد من الجليد، ويهدد باحتمال اختفاء جزر بأكملها كالمالديف، أو أجزاء من مدن ساحلية كالإسكندرية بمصر وعنابة بالجزائر.

و شهد القطب الشمالي، الذي ترتفع درجة حرارته بمعدل أسرع بأربع مرات تقريبًا من بقية الكوكب، أدفأ صيف له على الإطلاق في عام 2023، نتيجةً لتسارع تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية.

وكانت درجات حرارة المحيطات مرتفعة باستمرار وبشكل غير معتاد، وهي عامل رئيسي في تغير الجليد، حيث ترتبط المحيطات الأكثر دفئًا، والتي امتصت نحو 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن تلوث الكربون البشري، بذوبان الجروف الجليدية الأساسية التي تُشكّل حاجزًا عازلًا للصفائح الجليدية الشاسعة في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية.

و أثار الباحثون أيضًا مخاوف بشأن تأثير محتمل آخر، وهو اضطراب تيارات المياه العميقة، التي تُعدّ محركات رئيسية لأنماط الطقس العالمية، وقالوا إن هذا الفيضان من المياه العذبة الزائدة الذائبة في المحيط قد يؤثر على الدورة الانقلابية الأطلسية الزوالية، وهي نظام ضخم يُنظّم انتقال الحرارة العالمي من المناطق الاستوائية إلى نصف الكرة الشمالي.

وفي العام الماضي، حذر اتحاد من العلماء الدوليين من أن التغيرات في الدورة المحيطية الأطلسية وذوبان الصفائح الجليدية كانت من بين نحو 20 نقطة تحول مناخية تشكل تهديدًا غير مسبوق للبشرية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار