آخر الأخبار

"الانتشار الكهربائي".. اكتشاف مصري مهم في فيزياء المواد

شارك

في أحد المختبرات المتقدمة المعنية بأبحاث الطاقة المتجددة في الجامعة الألمانية بالقاهرة، كان فريق من العلماء يواجه تحديا مستعصيا يعرقل كفاءة الألواح الشمسية في المناطق الصحراوية، وهو تراكم الغبار.

كلما تراكمت طبقات الرمال الدقيقة، انخفضت قدرة الخلايا على امتصاص الضوء، وفي بيئات تتسم بندرة المياه، كان استخدام التنظيف التقليدي حلا باهظا وغير عملي.

لمواجهة هذا التحدي لجأ الفريق إلى فكرة بدت واعدة، وهي توليد مجال كهربائي ضعيف فوق سطح اللوح لصد ذرات الغبار دون استخدام الماء.

لكن المشكلة ظهرت فورا، فالمواد المستخدمة خلف الأقطاب الكهربائية غيرت شكل المجال بطريقة لم تكن مفهومة، فبعضها ساهم في تقوية المجال على السطح، في حين قام بعضها الآخر بامتصاص الشحنات و"إغراقها" داخل المادة، بدلا من توجيهها للخارج.

مصدر الصورة وجد العلماء أن الخشب هو المادة المثالية لهذه المهمة (بيكسابي)

سؤال مفصلي

تباين أداء المواد المستخدمة، دفع الباحثون إلى طرح السؤال المفصلي الذي قلب التجربة رأسا على عقب، وهو: "لماذا لا نتعامل مع الشحنات الكهربائية كما نتعامل مع الحرارة؟"، كما يروي الدكتور محمد سلامة، الباحث الرئيسي بالدراسة المنشورة بدورية "ديسكفر أبلايد ساينس" في تصريحات خاصة للجزيرة نت.

ووفق فيزياء المواد، تمتلك جميع الأجسام خاصية تسمى "الانتشار الحراري"، وهي مقياس لسرعة انتقال الحرارة داخل المادة، مقارنة بقدرتها على تخزينها، فمن السهل أن تصل الحرارة بسرعة على طول ملعقة معدنية في كوب شاي ساخن، في حين يبقى طرف ملعقة خشبية باردا لأن الخشب ضعيف الانتشار الحراري.

ومن هذا التشبيه اليومي، نشأ تشبيه آخر لم يكن موجودا من قبل، وهو "الانتشار الكهربائي"، وهو مقياس يصف سرعة انتقال الشحنة داخل المادة مقارنة بقدرتها على تخزينها.

يقول سلامة موضحا "لقد اكتشفنا أن الشحنات تتصرف داخل المواد بنفس الطريقة التي تتحرك بها الحرارة، بمجرد قياس الانتشار الكهربائي، أصبح بإمكاننا التنبؤ بسلوك المجال فوق السطح بدقة غير مسبوقة".

مصدر الصورة كلما تراكمت طبقات الرمال الدقيقة، انخفضت قدرة الخلايا الشمسية على امتصاص الضوء (رويترز)

مفاجأة الخشب

وفي حين اختبر الباحثون موادا مختلفة كأسطح خلفية للأقطاب، حدث ما وصفوه بـ"المفاجأة العلمية"، وهي أن الخشب، رغم شهرته كعازل كهربائي، كان الأنسب، فمعدل الانتشار الكهربائي في الخشب منخفض للغاية، مما جعله يعمل كجدار يمنع تسرب الشحنات إلى الداخل، فيدفع معظمها للخارج نحو سطح اللوح حيث يوجد الغبار.

إعلان

أما مواد كالزجاج أو الهواء فقد سمحت للشحنات بالتبدد داخلها بدلا من توجيهها للأعلى، مما أضعف المجال فوق السطح.

يقول سلامة "الخشب كان فعليا يعمل كوسادة كهربائية، يمنع الشحنة من الغرق ويجبرها للصعود نحو الغبار، وهو سلوك لم يكن متوقعا، وهو ما دفعنا لوضع مفهوم "الانتشار الكهربائي".

وأكدت النماذج الرقمية ونتائج القياس أن استخدام مواد ذات انتشار كهربائي منخفض ضاعف كفاءة إزالة الغبار بنسبة تجاوزت 30% في البيئات عالية الجفاف، وهو تحسن غير مسبوق في مجال الصيانة غير التلامسية للألواح.

حزمة من التطبيقات

لا يتوقف تأثير مفهوم "الانتشار الكهربائي" عند تحسين تنظيف الألواح الشمسية فحسب، بل يفتح الباب أمام حزمة واسعة من التطبيقات الهندسية المتقدمة، بحسب ما يوضحه سلامة.

ويقول إن "المواد التي يمكن ضبط قدرتها على نشر أو حجز الشحنات داخل بنيتها، تمهد لظهور فئة جديدة من "مواد ذكية كهربائيا" قادرة على التحكم الدقيق في حركة الإلكترونات، وهو تطور قد يغير طريقة تصميم الأجهزة الإلكترونية في المستقبل".

وأحد أبرز هذه التطبيقات يتمثل في التحكم في اتجاه وسرعة الشحنات داخل الدوائر الدقيقة، مما يمنح المصممين قدرة على توجيه الإلكترونات، كما لو كانت تتدفق في "شبكة طرق" منظمة، الأمر الذي يقلل احتمالات التسرب الكهربائي ويحسن من كفاءة المعالجات.

كما تشير الدراسة إلى أن هذا المفهوم يعزز من حساسية أجهزة الاستشعار عالية الدقة، حيث تتفاعل هذه الأجهزة مع تغيّرات كهربائية طفيفة، وبفضل التحكم في انتشار الشحنات، يصبح بالإمكان التقاط إشارات أضعف، وهو ما يعد بالغ الأهمية في مجالات الصناعات الدوائية والروبوتات الجراحية ورصد الغازات السامة.

وفي جانب الحماية، قد تستخدم هذه المواد كحائط صد ضد التفريغ الكهروستاتيكي المفاجئ الذي يسبب تلفا مباشرا للرقائق الإلكترونية الدقيقة داخل الهواتف والأقمار الصناعية والطائرات، فبدلا من حدوث شرارة كهربائية مدمرة، يمكن للمادة امتصاص الشحنة وتفريغها بأمان.

أما في قطاع الطاقة المتجددة، فتبرز أهمية هذا المفهوم في تحسين أداء الألواح الشمسية في البيئات الصحراوية القاسية، إذ يؤدي انخفاض الانتشار الكهربائي في بعض المواد إلى تقوية المجال الكهربائي على السطح، بما يساعد على طرد الغبار دون استخدام الماء، وبالتبعية رفع كفاءة التوليد.

ويختتم سلامة بالتأكيد على أن هذا المجال لا يزال في بدايته، وأن التحكم في انتشار الشحنات داخل المواد "قد يشكل أساسا لثورة مستقبلية" في تصميم المواد الذكية، وحماية الإلكترونيات، وتنقية أسطح الطاقة الشمسية.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار