نجح فريق دولي في رسم أول خريطة ثلاثية الأبعاد لكوكب يدور حول نجم بعيد، باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي. تكشف الخريطة أن الكوكب، واسمه "واسب-18 ب"، يملك مناطق حرارة مختلفة جدا في غلافه الجوي، بما في ذلك منطقة شديدة السخونة إلى درجة أن بخار الماء نفسه يبدأ في الانهيار.
ووفقا للدراسة التي نشرت يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول في مجلة "نيتشر أسترونومي"، يقع الكوكب على بعد نحو 400 سنة ضوئية من الأرض، وهو ما يعرف بـ"مشتري شديد السخونة".
وهو عملاق غازي كتلته أكبر بنحو 10 مرات من كتلة كوكب المشتري، لكنه يدور حول نجمه في مدار ضيق للغاية لا يستغرق سوى 23 ساعة فقط. يعني ذلك أن السنة هناك أقصر من يوم على الأرض.
يقول المؤلف الرئيسي للدراسة ريان شالنر -باحث ما بعد الدكتوراه في قسم الفلك بجامعة كورنيل- في تصريحات للجزيرة نت: "نحن الآن قادرون على تخيل الكواكب الخارجية كما نتخيل عمالقة الغاز في نظامنا الشمسي، مثل المشتري، لكن من مسافة مئات السنين الضوئية. هذه قفزة كبيرة".
ويوضح الباحث أن هذه المسافة القريبة من النجم تجعل جانب الكوكب المواجه للنجم محميا بشدة بحرارة تقترب من 2700 درجة مئوية، وهي حرارة تكفي لتحطيم جزيئات الماء.
ويطلق علماء الفلك مصطلح "الكوكب الجحيمي" على نوع من الكواكب التي تدور حول نجوم غير الشمس، والتي تتميّز بظروف فيزيائية شديدة التطرف، من حرارة وضغط وإشعاع، تجعلها غير قابلة للحياة إطلاقا وتشبه صورة "الجحيم" في الخيال البشري.
هذه الكواكب غالبا ما تكون قريبة جدا من نجومها، أحيانا أقرب من المسافة بين عطارد والشمس بعشرات المرات، ودرجات حرارتها تتراوح بين 2000 و4500 درجة مئوية، أي أنها قد تحتوي على محيطات من الحمم المنصهرة بدل الماء.
لا يلتقط تلسكوب جيمس ويب صورة واضحة للكوكب نفسه، لأن ضوء النجم المضيف أقوى بكثير من ضوء الكوكب. بدلا من ذلك، يعتمد العلماء على ما يسمى "رسم الكسوف".
الفكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها دقيقة جدا في التنفيذ، فحين يمر الكوكب خلف النجم، يختفي ضوؤه الحراري للحظات. قبل وأثناء وبعد هذا العبور، يتغير الضوء الكلي الواصل من النظام قليلا جدا.
هذه التغيرات الصغيرة تحمل بصمة أي جزء من الكوكب كان ظاهرا قبل أن يختفي خلف النجم. ومن خلال تحليل هذه التغيرات على مدى الزمن، يمكن للعلماء إعادة بناء خريطة للسطح المُضاء للكوكب.
في السابق، استخدم الباحثون هذه الطريقة لإنتاج خرائط ثنائية الأبعاد تظهر كيف تختلف الحرارة بين نقطة وأخرى على "الجانب النهاري" للكوكب، أي الوجه الذي يواجه النجم باستمرار. الفريق نفسه نشر خريطة ثنائية الأبعاد عام 2023، مما أثبت قوة هذه التقنية مع تلسكوب جيمس ويب.
ويوضح شالنر: "الجديد الآن هو أننا وسعنا الفكرة إلى 3 أبعاد، لم نكتف بمعرفة أين الأماكن الأشد حرارة على سطح الكوكب، بل أيضا كيف تتغير الحرارة مع الارتفاع داخل الغلاف الجوي. وتكشف الخريطة الجديدة درجات الحرارة حسب خطوط العرض، وخطوط الطول، والارتفاع".
لتحقيق ذلك، أعاد الفريق تحليل بيانات التلسكوب باستخدام جهاز حساس على متن جيمس ويب يسمى "نيريس" (مصور وقابس طيفي قريب من تحت الأحمر).
الميزة هنا أن كل لون يخبرنا عن عمق مختلف في الغلاف الجوي، كما يوضح شالنر مضيفا "إذا نظرت في لون يمتصه بخار الماء بقوة، فأنت في الأساس تنظر إلى طبقة أعلى حيث يوجد هذا البخار. وإذا نظرت في لون لا يمتصه الماء، فأنت ترى أعمق، أي عند طبقات أدنى من الجو. بدمج هذه المعلومات من عدة ألوان، يمكن بناء صورة ثلاثية الأبعاد لحرارة الغلاف الجوي".
تظهر الخريطة "نقطة ساخنة" دائرية جدا في منتصف الجانب النهاري للكوكب، في المكان الذي يتلقى أشد أشعة من النجم، وكأنها بقعة مضيئة محترقة.
حول هذه النقطة، يظهر "خاتم أبرد" نسبيا على الحواف الخارجية للجزء المواجه للنجم. يكشف هذا للعلماء أن الرياح في الغلاف الجوي لا تنجح في نشر الحرارة بالتساوي بعيدا عن تلك البقعة، بل تترك منطقة حارقة محلية شديدة، بدلا من توزيع الحرارة حول الكوكب.
ويختلف هذا السلوك عن بعض الكواكب الحارة الأخرى، حيث تكون الرياح قوية لدرجة أنها تجر الحرارة من نقطة المواجهة المباشرة للنجم وتوزعها شرقا وغربا.
واحدة من أكثر الملاحظات إثارة كانت كمية بخار الماء، ففي المناطق الأشد حرارة، لاحظ العلماء أن الإشارة المرتبطة ببخار الماء أضعف من بقية الكوكب، بحيث كانت الحرارة هناك مرتفعة إلى درجة أن جزيئات الماء لا تبقى متماسكة، بل تتفكك.
يقول شالنر: "توقعنا هذا نظريا منذ سنوات، لكن أن نراه فعليا في البيانات فهذا شيء مذهل"، ويعتقد الفريق أنه يمكن الآن تطبيق طريقة "رسم الكسوف الطيفي ثلاثي الأبعاد" على عشرات وربما مئات الكواكب الشبيهة.
    
    
        المصدر:
        
             الجزيرة
        
    
 
   مصدر الصورة 
  
 
   مصدر الصورة