آخر الأخبار

هل الأحمر الذي تراه هو الأحمر الذي أراه؟ علماء يجيبون أخيرا

شارك

منذ أن بدأ البشر يتساءلون عن طبيعة الرؤية، كان السؤال الفلسفي الأكثر تأثيرا: هل الأحمر الذي تراه هو الأحمر الذي أراه؟

عندما أقول "أنا أرى اللون الأحمر" وأنت تقول "أنا أرى اللون الأحمر"، نحن نتفق بالكلمات، لكن هل التجربة الداخلية متطابقة فعلا بيننا؟ أم أن "الأحمر" عندي قد يكون له طابع شعوري مختلف تماما عما عندك، لكننا نستعمل الكلمة نفسها، لأننا تعلمنا ربطها بالشيء نفسه؟

دراسة جديدة، نشرت في الثامن من سبتمبر/أيلول الحالي في دورية "جورنال أوف نيوروساينس"، تقدم خطوة كبيرة للإجابة عن هذا السؤال عبر الغوص في خرائط الدماغ البشرية.

مصدر الصورة اعتمد الباحثون على تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (غيتي)

بصمة تشريحية

في الدراسة، اعتمد الباحثون على تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لمتابعة نشاط أدمغة مجموعة من المتطوعين في أثناء مشاهدتهم ألوانا محددة، وهي الأحمر، والأخضر، والأصفر.

لكن التحدي كان أن لكل دماغ تركيبته الخاصة، مما يجعل مقارنة الاستجابات بين الأشخاص صعبة. وهنا جاءت فكرة إنشاء "فضاء استجابة مشترك"، أي خريطة مرجعية يمكن أن تسمح بمواءمة أنماط النشاط العصبي بين الأفراد.

كل دماغ له "بصمة تشريحية" خاصة، حيث تختلف أدمغتنا في حجم المناطق، وشكل الطيات، وحتى موقع الخلايا يختلف قليلا من شخص لآخر، ومن ثم لو سجلنا نشاطا دماغيا لشخصين في أثناء مشاهدة اللون الأحمر، فلن تكون النقاط النشطة في المكان نفسه حرفيا، رغم أنهما يعاينان اللون نفسه.

وحسب الدراسة، فإن الباحثين استعملوا تقنيات رياضياتية إحصائية لعمل "إسقاط" أو ترجمة لأنماط نشاط كل دماغ إلى فضاء "رياضياتي" وسيط واحد.

لفهم الفكرة تخيل أن هناك لغات مختلفة، فقام العلماء بإنشاء "قاموس موحّد" يربط الكلمات والمعاني بين اللغتين، أو تخيل أنك ترسم خريطة لمدينة ما، كل شخص يرسمها بطريقة مختلفة (خطوط وأبعاد مختلفة)، لكن "فضاء الاستجابة المشترك" يعمل كأنه برنامج "جي بي إس"، يوحّد كل الخرائط في نسخة قياسية واحدة.

إعلان

بعد هذه العملية، يصبح من الممكن أن تقول: "النمط العصبي لهذا اللون في دماغ الشخص (أ) يقابل تقريبا النمط العصبي في دماغ الشخص (ب)"، حتى لو اختلف موقع النشاط الفعلي داخل الدماغين.

مصدر الصورة هل التجربة الداخلية متطابقة فعلا بين البشر حينما يرون نفس اللون؟ (غيتي)

أدمغة متشابهة.. ولكن

وحسب الدراسة، فقد تبين أن النموذج الذي دربه العلماء على بيانات شخص واحد، استطاع أن يتنبأ باللون الذي يراه شخص آخر بدقة عالية، هذا يعني أن الدماغ لا يفسر الألوان بشكل فردي بحت، بل وفق أنماط عصبية مكانية متشابهة بين البشر، وكأن هناك "لغة دماغية مشتركة" للألوان.

لكن الصورة لم تكن موحدة تمامًا، فبعض المناطق الدماغية أظهرت ميولا لألوان بعينها، مثل تفضيل المناطق المركزية للأصفر، والأطراف للأحمر.

غير أن المثير للانتباه أن هذا التنوع "المحلي" لا يلغي وجود إطار مشترك واسع تمكن مقارنته بين الأشخاص، وهو ما يفتح الباب لفهم أعمق لمعالجة اللون على أنها عملية موزعة ومترابطة في الدماغ، وليست محصورة في بؤر محدودة كما كان يعتقد سابقا.

لكن على الرغم من هذه النتائج، فإن السؤال الفلسفي يبقى مفتوحا: حتى لو تشابهت خرائط الدماغ بيننا، فهل هذا يعني أن "الأحمر" الذي تراه يطابق تماما تجربتنا الذاتية؟

التجربة الذاتية هي ظاهرة محيرة لا شك، تخص كل شخص ولا يمكن -حسب فلاسفة هذا النطاق- إخضاعها بشكل كامل للعامل التجريبي، ولذلك فإن الدراسة لا تدّعي الإجابة على هذا الجانب الوجودي، لكنها تؤكد شيئا ملموسا، وهو أن ثمة بنية عصبية مشتركة تجعل أدمغتنا تعزف لحن الألوان بتناغم مشترك، أكبر مما كنا نظن.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار