لا تترك الأشعة الكونية عالية الطاقة التي تخترق أجسادنا بانتظام أثرا مرئيا أو ألما محسوسا، لكن وجودها أصبح حقيقة، وكان الاختلاف بين العلماء في تحديد مصدرها، غير أن دراسة جديدة ترجح أن يكون مصدرها نجوما عملاقة في لحظاتها الأخيرة قبل الانفجار.
والأشعة الكونية هي جسيمات دون ذرية، معظمها من البروتونات، تسافر بسرعات هائلة عبر الفضاء، وتصل بعضها إلى طاقة تفوق مليون مليار إلكترون فولت، وهي طاقة أعلى بألف مرة من تلك التي تنتجها أقوى وأكبر آلة في العالم لتسريع الجسيمات، وهي مصادم الهادرونات الكبير، الذي يوجد في نفق دائري ضخم تحت الأرض، بطول 27 كيلومترا، على الحدود بين فرنسا وسويسرا.
وعلى الرغم من أن الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي للأرض يمتصان أغلب هذه الأشعة الكونية، إلا أن بعضها يتمكن من الوصول إلى سطح الأرض، بل وحتى إلى أجسادنا.
ويتعرض الجسم لجسيم واحد كل ثانية، لكنه لا يشعر به ولا يتأثر به لأن الجرعة الإشعاعية منخفضة جدا، حيث قدرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بمعدل سنوي يقدر بـ 0.33 ملي سيفرت، أي ما يعادل تقريبا ثلاثة فحوصات بالأشعة السينية للصدر.
ولولا المجالات المغناطيسية والغلاف الجوي على سطح الأرض، لوصلت أجسامنا كميات كبيرة من الأشعة الكونية، لكن ما يصل هو كمية ضئيلة جدا، لا تشكل خطرا صحيا على الإنسان العادي.
ولطالما اشتبه العلماء بأن المستعرات العظمى (انفجار النجوم الضخمة في نهاية حياتها) هي مصدر هذه الأشعة القوية، فالانفجار يخلق بيئة مثالية تتكون من طاقة هائلة، جسيمات أولية، وحقول مغناطيسية قادرة على تسريع هذه الجسيمات إلى سرعات مذهلة.
لكن المفاجأة كانت أن بقايا المستعرات القريبة، مثل "كاسيوبيا أ" أو "تايخو"، لم تُظهر ما يكفي من الطاقة لتفسير الأشعة الكونية الشديدة التي نراها.
وفي دراسة جديدة ستظهر في مجلة "أسترونومي آند أستروفيزيكس"، ونشرت نسخة ما قبل الطبع على منصة "أركايف"، أعاد باحثون النظر في "نظرية السوبرنوفا"، ووجدوا أن هذه النجوم لا تتحول إلى مصادر فائقة للطاقة إلا إذا فقدت كمية ضخمة من كتلتها قبل الانفجار، تحديدا ما لا يقل عن كتلة نجمين مثل شمسنا.
وتلك الكتلة المطرودة يجب أن تبقى قريبة ومضغوطة حول النجم، فعندما ينفجر النجم، تصطدم موجة الصدمة بهذا الغلاف، وتولد حقولا مغناطيسية هائلة تقوم بتسريع الجسيمات بشكل متكرر حتى تصل إلى طاقة "بيتا إلكترون فولت" قبل أن تقذف إلى الفضاء.
لكن هذا "المسرع الكوني" لا يدوم طويلا، فخلال أشهر قليلة، تهدأ الصدمة، ويتراجع مستوى التسارع إلى ما دون الطاقة القصوى.
ويقول الباحثون، إن هذه المرحلة النشطة فائقة الطاقة لا تدوم طويلا، ولا يمكن رصدها إلا إذا كانت قريبة جدا من الأرض، ولأن آخر سوبرنوفا في مجرتنا لم تكن قريبة بما يكفي، فإننا ببساطة فاتنا العرض، ومع ذلك، فإن السوبرنوفا تحدث في مجرتنا كل بضع سنوات، وكل ما علينا فعله هو الانتظار بصبر.