أكد مرضى مصابون بجرثومة المعدة لفترة تجاوزت العامين، لـ«الإمارات اليوم»، أنهم خاضوا جولات علاجية طويلة بين العيادات أملاً في التخلص من «الجرثومة»، إلا أنهم يفاجأون بأعراضها تعاود الظهور بعد تحسن مؤقت.
وقالوا إنها حوّلت حياتهم إلى معاناة يومية، وقيّدت نمط غذائهم، وأربكت قدرتهم على العمل والنوم، موضحين أنهم خاضوا تجارب مُرهقة مع اضطرابات هضمية متكررة، وصعوبة في الأكل، ونقص الفيتامينات.
وفي المقابل، عزا أطباء عودة الأعراض إلى عدم الالتزام بالعلاج كاملاً، لافتين إلى أن هذا هو السبب الأبرز لفشل القضاء على الجرثومة.
وأكدوا أن الوعي العلاجي لايزال محدوداً، وأن «الزائر الخفي» لا يمكن طرده إلا بخطة علاجية صارمة، وفحوص متابعة بعد انتهاء الدواء، موضحين أن الشفاء من الجرثومة ممكن متى ما التزم المريض بالبروتوكول العلاجي، والغذاء الصحي، وإعادة الفحص.
ويُعدّ علاج جرثومة المعدة صعباً بسبب أنظمة العلاج المعقدة متعددة الأدوية، التي تُشكّل تحدياً لالتزام المريض، إضافة إلى بيئة المعدة القاسية، وقدرة البكتيريا على الاختباء عميقاً في الغشاء المخاطي، ما يتطلب علاجات مُخصصة، غالباً ما تستمر لمدة 14 يوماً.
وتفصيلاً، قالت بثينة أحمد إنها عانت أعراضاً شديدة وعنيفة، تمثلت في انتفاخ البطن، وحرقان وآلام في المعدة، وغثيان وإرهاق غير معتاد، أثّر في نشاطها اليومي.
وأضافت: «كنت أشرب فنجان قهوة فتحدث آلام وانتفاخ، وأعاني أحياناً سوء هضم أو إمساكاً أو إسهالاً، مع وجود بلغم وحرقان في فم المعدة، ولم يخطر ببالي أنها جرثومة».
وأوضحت أن معاناتها استمرت نحو عامين، قبل أن تكشف التحاليل السبب الحقيقي، واصفة الجرثومة بـ«العدو الخفي»، مؤكدة أنها تتغلغل داخل جدار المعدة، وتسبب التهابات مزمنة، أثّرت في نومها واستقرارها النفسي، وقدرتها على التكيف الأسري.
وعن رحلة العلاج، أشارت إلى أنها كانت «مرهقة وصعبة»، إذ تتطلب تناول ما يصل إلى 14 حبة دواء يومياً لمدة أسبوعين، مع حمية غذائية صارمة، تشمل الامتناع عن مشتقات الحليب، والأطعمة الدهنية، والطعام من خارج المنزل.
وأفادت سناء البلوشي بأنها شعرت بأعراض جرثومة المعدة بعد عودتها من صالة الألعاب الرياضية، ما دفعها إلى مراجعة الطبيب فوراً.
وأوضحت أن فحص التنفس أثبت إصابتها، فبدأت العلاج مباشرة.
وشددت على أهمية الوقاية «فالحرص على تناول الطعام المنزلي، وغسل الخضراوات جيداً أمر ضروري، ولا ينبغي الاعتماد على الأعشاب دون التزام بالعلاج الطبي».
أما عبدالله البلوشي، فذكر أنه اكتشف الإصابة بعد شعوره بأعراض في القولون والمعدة.
وقال إنه كان متردداً بشأن المضادات الحيوية في البداية، لكنه التزم بالعلاج، مع الابتعاد عن الأطعمة المهيجة للمعدة، والتركيز على الخضراوات والفواكه ومصادر البروبيوتيك (الأطعمة المخمرة مثل الزبادي، والمخللات الطبيعية).
وأضاف: «تجاوزت المرحلة بسرعة، بينما تأخرت زوجتي في بدء العلاج، ما جعل معدتها أكثر تحسساً، خصوصاً تجاه الحمضيات».
معايير النظافة
وأكدت أخصائية الطب الباطني الدكتورة نجلاء حسني عبدالقوي، أن من أبرز أسباب الإصابة بجرثومة المعدة تناول الوجبات السريعة، والطعام من خارج المنزل، لافتة إلى صعوبة التحكم في معايير النظافة وسلامة الطعام في بعض المطاعم.
وأوضحت أن المراهقين هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة، نظراً لاعتمادهم المتكرر على الطعام الجاهز.
وذكرت أن «الجرثومة قد تمر دون أعراض، أو تظهر في صورة فقدان شهية، وغثيان، وآلام بعد تناول الطعام، ولو كان بسيطاً، إلى جانب الانتفاخ وسوء الهضم، لأنها تلتصق بجدار المعدة، وتثير التهاباته».
وحذّرت من مضاعفات الإهمال، مشيرة إلى أن «الجرثومة قد تتدرج من التهاب مزمن إلى قرحة، وقد تصل إلى سرطان المعدة، فضلًا عن فقر الدم، ونقص الحديد والصفائح».
وبيّنت أن العدوى تنتقل عبر تلوث الطعام والمياه، أو مشاركة أدوات الطعام، أو المخالطة المباشرة داخل الأسرة، مؤكدة أن العلاج قد يتطلب أكثر من مرحلة.
وأكدت طبيبة طوارئ الأطفال، الدكتورة سماح إبراهيم، أن الجرثومة تنتقل غالباً عبر اللعاب والأدوات المشتركة، مشيرة إلى زيادة ملحوظة في إصابات الأطفال بسبب الأكل من الخارج، والاختلاط في المدارس.
وقالت إن التشخيص لدى البالغين أسهل، بينما يصعب على الأطفال وصف الأعراض.
وقالت إن خطة العلاج تستند إلى بروتوكولات معتمدة، تستمر غالباً 14 يوماً. وشددت على عدم إيقاف العلاج عند الشعور بالتحسن، وإعادة الفحص بعد أربعة أسابيع للتأكد من الشفاء.
وأفادت أخصائية صيدلة ومدير عام رعاية صحية، الدكتورة كارينا حواري، بأن أكثر الأخطاء شيوعاً عدم الالتزام بكورس العلاج، رغم أنه يستلزم مضاداً حيوياً مزدوجاً مع مثبط للحمض لمدة لا تقل عن أسبوعين.
وأكدت أن البعض يتوقف عن الدواء عند تحسن الأعراض، أو يكتفي بمضادات الحموضة فقط، ما يضعف امتصاص الفيتامينات والعناصر الغذائية، لفترات ممتدة، مضيفة أن «جرثومة المعدة تزيد سماكة جدار المعدة، وتسبب التهاباً مزمناً يؤثر في امتصاص الغذاء، لذلك يجب تعويض الفيتامينات، والانتباه للتحسس الغذائي».
ونصحت بتجنب القهوة والشاي والوجبات السريعة والأطعمة المهيجة، مع شرب الماء بكميات كافية خلال فترة العلاج، مؤكدة ضرورة إعادة الفحوص بعد نهاية الدواء، عبر اختبار التنفس أو البراز، للتأكد من القضاء على الجرثومة.
وأوضحت أن الالتزام بدورة العلاج «يمثل خط الدفاع الأول لوقف الجرثومة».
كما حذّرت من الاستخدام الطويل لأدوية مثبّطات الحموضة دون إشراف طبي، مؤكدة أن استمرار المرضى عليها لفترات تتجاوز الجرعة المحددة يؤدي إلى إضعاف امتصاص العناصر الغذائية والفيتامينات داخل المعدة.
وشرحت أن مضاد الحموضة يمنع إفراز الحمض لفترات طويلة، وبالتالي تتراجع قدرة المعدة على امتصاص الفيتامينات الضرورية، خصوصاً B12، ما يترك المريض منهكاً بأعراض ثانوية مرتبطة بنقص الفيتامينات وليس الجرثومة وحدها.
وأوصت المرضى بالابتعاد عن كل ما يرفع الحموضة خلال فترة العلاج، كالقهوة والشاي والوجبات السريعة والطعام الجاهز ومشتقات قد تسبب حساسية لدى البعض (الحليب أو بعض منتجات الخبز).
وأكدت أن «المطلوب في هذه الفترة تناول غذاء صحي وسهل الامتصاص، لأن الشهية غالباً ما تكون منخفضة، والجسم يحتاج كل عنصر مفيد».
ونصحت بالعودة إلى الطبيب بعد انتهاء فترة الدواء، وإعادة الفحوص المخصّصة للكشف عن الجرثومة، سواء عبر اختبار التنفس، أو فحص البراز، أو في بعض الحالات فحص الدم، للتأكد من القضاء عليها بشكل كامل.
بدوره، قال الصيدلاني وليد حسن عشري إن بعض المرضى يقعون في خطأ إيقاف الدواء مبكراً عند شعورهم بالتحسن، ما يسمح للجرثومة بالعودة مجدداً.
وشدد على تجنب الأطعمة الدسمة والمسبكة والوجبات السريعة خلال فترة العلاج، والالتزام التام بتعليمات الطبيب.
عادات غذائية خاطئة
وشرح استشاري الباطنة، الدكتور عماد جودة، أن جرثومة المعدة تصيب بطانة المعدة وتستقر فيها، نظراً لقدرتها على مقاومة الوسط الحمضي القاسي داخل المعدة.
وأشار إلى أن الإصابة قد تمر دون أعراض لدى بعض المرضى، إلا أن الأعراض والمضاعفات المعروفة تشمل التهاب المعدة المزمن، وقرحة المعدة، وقرحة الإثني عشر، إضافة إلى بعض أنواع سرطانات المعدة والأورام اللمفاوية المرتبطة بها، فضلاً عن التسبب في نقص الحديد، ونقص الصفائح الدموية لدى بعض الحالات.
وعزا الإصابة إلى العادات الغذائية الخاطئة، وفي مقدمتها تناول الطعام أو الماء من مصادر غير موثوقة من حيث النظافة، باعتبارهما المصدر الرئيس لانتقال العدوى.
ونصح بإعادة فحص البراز بعد مرور فترة مناسبة من الانتهاء من كورس العلاج، للتأكد من القضاء التام على الجرثومة، مشيراً إلى أن البروتوكول العلاجي الرباعي المعتمد على «البزموت» يُعد خط العلاج الأول حالياً، في ظل تراجع فاعلية بعض العلاجات القديمة.
وأكد ضرورة التزام المريض بإكمال كورس العلاج، مع توقع ظهور آثار جانبية، مثل الانتفاخ والغثيان والإسهال، التي يمكن السيطرة عليها، موضحاً أن إضافة «البكتيريا النافعة» قد تسهم في تقليل مضاعفات المضادات الحيوية.
كما لفت إلى تشابه أعراض جرثومة المعدة مع أعراض القولون العصبي، خصوصاً في حالات آلام أعلى البطن والانتفاخات.
وأكد أخصائي تغذية، محمد حلمي، أن مريض جرثومة المعدة يحتاج إلى نظام غذائي خاص، يخفف تهيج المعدة، ويحد من تفاقم الأعراض خلال فترة العلاج، مشدداً على ضرورة تجنب مجموعة من الأطعمة الحارة والحمضية، والمقليات والوجبات الدهنية، والمشروبات الغازية، والقهوة والشاي، إلى جانب السكريات المصنعة والأطعمة المعلبة.
وأوضح أن بعض الأطعمة، مثل القهوة والنعناع والمقليات، قد تزيد من التهيج والالتهاب، بسبب تحفيزها إفراز الحمض أو إبطائها عملية الهضم، ما يؤدي إلى زيادة الشعور بالألم والانتفاخ.
وأضاف أن النظام الغذائي لا يُعد بديلاً من العلاج الدوائي، لكنه يلعب دوراً مهماً في تخفيف الأعراض، وتسريع التعافي، وتعزيز فعالية العلاج، من خلال دعم المناعة وتقليل الالتهاب، لافتاً إلى أن «الالتزام بنظام غذائي خفيف ومتوازن قد يقي من المضاعفات، مثل القرح أو الالتهابات المزمنة».
وأشار إلى أن «العسل والبروبيوتيك والزبادي الطبيعي من الأطعمة الداعمة لصحة الجهاز الهضمي، لما لها من خصائص مضادة للبكتيريا ومضادة للالتهاب، لكنها لا تُغني عن العلاج الطبي، ويجب تناولها تحت إشراف مختص».
وشدد على أن الجرثومة قد تنتقل عبر الطعام أو الماء الملوث، أو مشاركة الأدوات داخل الأسرة، ما يستوجب الالتزام الصارم بالنظافة الغذائية والشخصية للوقاية ومنع الانتكاس.
وأوضح الأخصائي النفسي، الدكتور محمد حشاد، أن «جرثومة المعدة تُعد من الأسباب الشائعة لتحويل المرضى من عيادات الجهاز الهضمي إلى العيادات النفسية»، لافتاً إلى أن الجرثومة موجودة لدى نسبة كبيرة من البشر، إلا أن 10% إلى 20% فقط تظهر لديهم أعراض في مرحلة ما من حياتهم.
وشرح أن العلاقة بين المعدة والمخ وثيقة، وترتبط بالأعصاب والهرمونات والجهاز المناعي، وأن أي التهاب أو تهيج بالمعدة ينعكس مباشرة على الحالة المزاجية، مسبباً القلق والتوتر.
وأكد أن الضغوط النفسية لا تُسبب الجرثومة بشكل مباشر، لكنها قد تؤثر في المناعة، وتزيد من حدة الأعراض، موضحاً أن وجود الجرثومة لا يعني بالضرورة ضعف الجهاز المناعي.
وأشار إلى وجود «حلقة دائرية» بين أعراض المعدة والقلق، تبدأ بأفكار سلبية، تليها مشاعر خوف وتوتر، ثم سلوكيات تجنبية، مثل الامتناع عن الطعام، وصولاً إلى أعراض جسدية كآلام المعدة، وتسارع ضربات القلب، والتعرّق، وضيق التنفس.
كما لفت إلى أن الألم المزمن وقلة النوم يدخلان المريض في دائرة مغلقة من القلق والاكتئاب، ما يزيد الإحساس بالألم، ويؤثر سلباً في جودة الحياة والإنتاجية اليومية، مشدداً على أهمية التدخل المبكر لعلاج اضطرابات النوم لما له من أثر كبير في تحسن الحالة النفسية والجسدية.
ويشير خبراء تغذية إلى أن بعض الأطعمة قد يساعد في دعم العلاج الدوائي، ومنع عودة الجرثومة، من خلال تغيير البيئة التي تعيش فيها البكتيريا، وليس عبر القضاء عليها مباشرة، ومن أبرزها البروكلي النيئ، الذي يحتوي على مركبات تقلل قدرة الجرثومة على الالتصاق بجدار المعدة، والزبادي الطبيعي الغني بالبروبيوتيك، الذي يعيد توازن البكتيريا النافعة، إضافة إلى زيت الزيتون البكر الغني بمركبات مضادة للبكتيريا.
الدكتورة نجلاء عبدالقوي:
. المراهقون هم الأكثر عرضة للإصابة بالجرثومة نظراً لاعتمادهم المتكرر على الطعام الجاهز.
الدكتورة سماح إبراهيم:
. زيادة ملحوظة في إصابات الأطفال بالجرثومة بسبب الأكل من الخارج والاختلاط في المدارس.
الصيدلاني وليد عشري:
. يجب تجنب تناول الطعام الدسم والوجبات السريعة خلال فترة العلاج، والالتزام بتعليمات الطبيب.
الدكتور عماد جودة:
. الجرثومة تصيب بطانة المعدة وتستقر فيها، نظراً لقدرتها على مقاومة الوسط الحمضي القاسي داخلها.
. الجرثومة قد تتدرج من التهاب مزمن إلى قرحة، وقد تصل إلى سرطان المعدة، وفقر الدم ونقص الحديد.
المصدر:
الإمارات اليوم