آخر الأخبار

مواطنون يصنعون فرص العمل على مقاس الطموح

شارك

في مجتمع اقتصادي سريع النمو، ووسط فرص تجارية ومبادرات حكومية تحفّز ريادة الأعمال، اختار مواطنون أن يبتعدوا عن تخصصاتهم الأكاديمية، وأن يبنوا مسارات مهنية بأفكار من «خارج الصندوق»، معتمدين على الشغف، والجرأة، واكتشاف أسرار السوق، لا على الدراسة وحدها.

ولم تعد هذه التجارب استثناءً، بل تحوّلت إلى ظاهرة مجتمعية، يؤكدها روّاد أعمال شباب، قرروا أن يصنعوا وظائفهم بأيديهم، وأن يواجهوا التحديات حتى النهاية.

النقبي.. وحب التجارة

ثامر النقبي، خريج هندسة إلكترونيات عامة من جامعة كامبريدج، يبتسم حين يعود بالذاكرة إلى نقطة الانطلاق: «منذ طفولتي أحب التجارة، كنت أشعر بأن مشروعي الشخصي هو مكاني الطبيعي».

بعد التخرج، اختار أول خطوة خارج التخصص، وهو محل لبيع الأدوات المنزلية. سافر إلى الصين لشراء البضائع، وهناك تعلّم أكثر مما تعلّمه في أي قاعة محاضرات، ثم توسّع إلى مشروع «إسطنبول سبا» للرجال، وبعده «إيليت سبا» للنساء، قبل أن تنتشر فروعه في مواقع مختلفة.

ويقول النقبي: «العمل في شيء أحبه متعة، ولو أتعبني».

ولاحقاً، دخل مجال تنظيم الحفلات والزفاف «إيليت إيفينت»، ثم محل ورد وعطور في مستشفى عبدالله بن عمران للولادة، وأسس مكتباً للطباعة وتخليص المعاملات لتسهيل إجراءات تراخيصه.

ويقول: «لم تكن الطريق مفروشة بالورود، فقد مررت بأزمة (كورونا)، التي اضطرتني لإغلاق مؤقت ودفع رواتب 40 موظفاً.. كان هذا سر ولاء الموظفين بعد الجائحة».

ونصح النقبي الشباب: «اكسر خوفك.. سخّر هوايتك في ما ينفعك.. كل مؤسسات الدولة تدعمك».

مريم الزعابي.. «ورد مع كوفي»

دراسة الهندسة الجيولوجية والبترول لم تمنع مريم الزعابي من السير خلف شغفها: «الورد، التصاميم، الطباعة»، فافتتحت مشروعها الأول «مرش»، وهو محل ورد مع زاوية كوفي، وكانت أول رخصة بهذا الدمج في رأس الخيمة. وتقول: «المجتمع قال لي اشتغلي في تخصصك.. لكن اخترت أن أعمل في شيء أحبه وأتميز فيه».

استوردت ديكوراً كاملاً من الخارج لفرع مخرج 122 في رأس الخيمة، وخاضت تحديات كبيرة في الشحن والنقل وكسر القطع.

ودخلت الزعابي بعدها مجال العطور والتصاميم والطباعة الأكريليك، ولم تتوقف عن التحديث الموسمي وتضيف: «التميز يحتاج تحديثاً مستمراً».

أكبر تحدٍّ بالنسبة لها كان استقطاب العمال الجدد، وتدريبهم من الصفر، على الرغم من استمرار احتمال خسارتها لهم بسبب عروض بسيطة.

من «الهندسة» إلى «هايبر ماركت»

اختار المهندسان عبدالله ومحمد القارة الشحي، خريجا هندسة إلكترونيات الطيران – جامعة الإمارات للطيران وجامعة كوفنتري 2024، أن يغيّرا مسارهما بالكامل نحو التجارة. واختصر عبدالله التجربة ببضع كلمات: «طموحنا أكبر من الدوام»، موضحاً أن العائلة ورثت التجارة، لكن التحدي كان خلق مشروع ميداني دون استشاريين.

أطلق الشقيقان أول مشروع لهما «سبارك هايبر ماركت» في مخرج 122 رأس الخيمة، وهو مشروع يندر أن يديره مواطنون بالكامل، من المشتريات إلى التشغيل.

ويقولان: «صممناه من الألف إلى الياء، من دون شركاء أو استعانة بأشخاص من جنسيات أخرى، وهذه مخاطرة».

وعلى الرغم من عروض العمل والرواتب الثابتة، اختار عبدالله «رحلة غير مضمونة»، لأن «الرزق بيد رب العالمين.. لا أخاف من الخسارة». وأكدا: «يجب أن تكون لديك الشجاعة.. والقناعة.. والدولة داعمة لنا».

فاطمة الشرهان.. «براند نسائي عالمي»

عضو مجلس شباب رأس الخيمة، فاطمة الشرهان، خريجة العلوم التطبيقية، بدأت بفكرة بسيطة وهي جمع بقايا القماش، وتحويلها إلى منتجات تكنولوجية (حقائب أجهزة).

وتقول: «كنت ضمن المشاريع الأولى التي حصلت على دعم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وعُرض مشروعي في (جيتكس)، لكن (كورونا) أوقفت النشاط، فانتقلت إلى التصميم وإدارة المشاريع، ثم قررت إنشاء (براند) للحقائب الجلدية الطبيعية (أفينيه)، وتعاملت مع مصنع في إيطاليا».

وتؤكد أنها واجهت تكاليف عالية، وتفاوتاً في التراخيص بين الإمارات، وتحديات شحن، إضافة إلى رأسمال متطلّب.

ومع ذلك تقول بثقة: «نحن في دولة المستحيل.. لا شيء لا نستطيع تحقيقه».

وعي متقدم

وأكدت مستشار الموارد البشرية وتطوير المواهب وريادة الأعمال، آمنة محمد الشحي، أن التحولات الأخيرة في توجه المواطنين نحو العمل في مجالات بعيدة عن تخصصاتهم الجامعية تعكس وعياً متقدماً لدى الشباب، يتماشى مع طبيعة النمو السريع الذي يشهده الاقتصاد الوطني. وأوضحت أن الجيل الحالي ينظر إلى التخصص الجامعي كمرحلة تأسيسية، بينما يصنع مساره المهني استناداً إلى الفرص المستقبلية والمهارات المطلوبة في سوق تتغيّر بوتيرة متسارعة. وأضافت الشحي أن هذا التحول لا يرتبط فقط بكون السوق تقدم فرصاً جديدة في قطاعات التقنية والابتكار والتحول الرقمي، بل أيضاً بميول الشباب إلى استكشاف مجالات غير تقليدية، خصوصاً في ظل البيئة الوطنية الداعمة لريادة الأعمال، التي تشجعهم على إطلاق مشاريعهم الخاصة، وخوض تجارب أوسع.

وبيّنت أن انتقال المواطنين إلى تخصصات مختلفة يُشكل ظاهرة صحية تعزز مرونة سوق العمل، وترفع جاهزية الكفاءات الوطنية لمواكبة المتغيرات. كما ينسجم هذا التوجه مع استراتيجية الدولة في بناء جيل يمتلك مهارات متعددة وقادر على قيادة قطاعات المستقبل، سواء كموظفين محترفين أو كروّاد أعمال فاعلين في الاقتصاد.

ولفتت الشحي إلى أن إقبال المواطنين أصبح واضحاً في مجالات مثل ريادة الأعمال، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، والخدمات الرقمية، وسلاسل الإمداد، والتسويق الرقمي، والقطاع السياحي، والخدمات الإبداعية، وهي مجالات تعتمد بشكل كبير على المهارات العملية وقابلية التطوير المستمر أكثر من اعتمادها على التخصص الأكاديمي.

وأكدت أن سوق العمل الوطنية تقيّم المهارات والقدرات الفعلية بدرجة أكبر من التركيز على الشهادات الجامعية، وهو توجه تعززه البرامج الحكومية الموجهة لتطوير مهارات المواطنين، وتزويدهم ببرامج تدريبية متقدمة تتناسب مع احتياجات المستقبل. وذكرت أن جاذبية الفرص اليوم ترتبط بطبيعة القطاع وليس بالموقع الجغرافي، حيث تشهد الدولة نمواً متوازناً يوفر خيارات متعددة للمواطنين. وأكدت أن توجه الدولة المستمر نحو تمكين روّاد الأعمال وتطوير المنظومة الاقتصادية يرسّخ بيئة تنافسية جاذبة، تعزز من قدرة الشباب على الإبداع، وترسخ دورهم كشريك رئيس في بناء اقتصاد المستقبل.

الاستقلال المالي

يرى الدكتور عمر المهيري، وهو رائد أعمال ومحاضر معتمد، وصاحب شركة المهيري والزعابي، أن توجه المواطنين لمشاريع خارج تخصصاتهم سببه الفرص، والمرونة، والاستقلال المالي. ويعتبر «الفرانشايز» (الامتياز التجاري) خياراً مثالياً، لأنه نموذج مُجرّب، وعلامة معروفة، ويدعم رواد الأعمال في التشغيل، ويُقلل المخاطر، ويُسرّع الأرباح. ويحذر من الخطأ الأكبر، وهو «الدخول بدافع الاسم التجاري فقط، دون فهم شروط العقد والسوق»، لافتاً إلى ضرورة التعلم «لا تتعجل الربح.. النجاح رحلة تخطيط واستمرارية».

مسار وطني

وأجمع ثامر ومريم وعبدالله ومحمد وفاطمة، على أن الدولة وفّرت بيئة تشجع على الجرأة، إذ فرت تسهيلات تراخيص، وخدمات رقمية، ومبادرات دعم، ومكنت الشباب. وقالوا لم يعد السؤال اليوم: «ماذا درست؟»، بل: «ماذا تستطيع أن تفعل؟».

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا