حذّر خبراء أمن سيبراني وسياسة وإعلام من خطورة حسابات إماراتية «مزيّفة»، مؤكدين أن من يقف وراءها أشخاص من خارج الدولة ينتحلون صوراً وأسماءً إماراتية بهدف بث رسائل مضللة وتشويه سمعة الدولة.
وأوضحوا لـ«الإمارات اليوم» أن هذه الحسابات، التي تتخفى خلف شعارات إنسانية وحقوقية، لا تسعى إلى الحوار بل إلى إيجاد واقع بديل، يعبث بوعي الجمهور ويقوّض الثقة بالمصادر الرسمية.
وأكّدوا أن مواجهتها تتطلب تعاوناً مشتركاً بين الجهات الرسمية والمؤسسات الإعلامية والتقنية والأكاديمية، لتعزيز الوعي المجتمعي وتطوير أنظمة رصد متقدمة، بما يضمن فضاءً رقمياً آمناً يحافظ على صدقية المعلومة وثقة الجمهور.
فيما حذّرت وزارة الخارجية ممن يصفون أنفسهم بـ«الخبراء» أو يختبئون خلف هويات «إماراتية» وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل تشويه دولة الإمارات ومواقفها المختلفة.
وأظهرت أدلة، اطلعت عليها «الإمارات اليوم»، أن أحد الحسابات المتهمة بنشر ادعاءات مسيئة، يديره شخص من جنسية دولة عربية، من مواليد عام 1984، ويقيم حالياً في إحدى الدول.
ويستخدم الحساب هوية وصورة منتحلتين لشاب إماراتي، بهدف إيهام المتابعين بأنه صوت محلي موثوق، فيما أظهرت التحقيقات أن الشخص الذي يدير الحساب يستخدم هوية مزيفة وصوراً منسوخة لتضليل الجمهور، عبر حسابات تدعي تمثيل شخصيات إماراتية، بينما تدار فعلياً من خارج الدولة.
وتبيّن أن هذه الحسابات تستغل الشعارات الإنسانية والحقوقية لتبرير مواقفها المضللة، فيما تنفذ أجندات تستهدف سمعة دول المنطقة من خلال بث الشكوك وتشويه الحقائق، غير أن المؤشرات التقنية مثل تاريخ إنشاء الحساب، وتبدل أسماء العرض، وطبيعة النشر المتكرر على مدار الساعة، تُعد دلائل واضحة على أنه حساب موجه يدار من خارج الدولة بهدف إيجاد تأثير مصطنع في المشهد الرقمي.
وتفصيلاً، حذّرت مديرة إدارة الاتصال الاستراتيجي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي، عفراء الهاملي، على حسابها الرسمي في منصة «إكس» من انتشار ما وصفته بـ«الهويات الإماراتية المزيفة» على منصات التواصل، مشددة على أن من يقف خلف هذه الحسابات يتخفى وراء أسماء وصور وهمية لتشويه صورة الدولة والتلاعب بالرأي العام.
وقالت: «هناك من حوّل الكذب إلى مهنة، والتضليل إلى هواية، يصفون أنفسهم بـ(الخبراء) أو يختبئون خلف هويات إماراتية وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لا ضجيج يُغرق الحقيقة، ولا أكاذيب تُخفيها».
وأضافت: «ونحن لا نطارد الشائعات، فدولة الإمارات تبني الأمل، وتُغيث المحتاج، وتزرع الخير حيث يُراد الشر».
كما أرفقت تدوينتها بمقطع تحذيري يحذر الجمهور من حساب محدد يستخدم صورة وهوية مزيفتين، داعية المتابعين إلى التأني والتحقق من الحسابات الرسمية كمصدر موثوق.
من جهته، أوضح عالم البيانات والخبير في الأمن السيبراني، محمد الشحي، أن الفرق بين الحسابات الوهمية والهوية الرقمية المزيفة يكمن في مستوى الخداع والنية من الاستخدام، فالحساب الوهمي هو حساب على منصة اجتماعية لا يعود لشخص حقيقي، وينشأ عادةً باستخدام اسم مستعار أو معلومات مختلقة، وقد يدار لأغراض متعددة مثل نشر الشائعات أو التسلية أو تجاوز سياسات المنصة، دون انتحال هوية محددة وغالباً ما تكون هذه الحسابات وسيلة لإخفاء هوية أصحابها أو التلاعب بالمحتوى، بهدف التأثير في النقاشات العامة أو تضخيم الأحداث.
أمّا الهوية الرقمية المزيّفة فهي مستوى أكثر تعقيداً وخطورة من التزوير، إذ ينتحل صاحبها شخصية قائمة بالفعل أو يصنع شخصية وهمية متكاملة المعالم من اسم وصورة وسيرة ذاتية وعلاقات رقمية لتبدو كأنها حقيقية تماماً، ويستخدم هذا النوع عادةً لتحقيق أهداف تضليلية أو سياسية أو احتيالية، عبر استغلال ثقة الجمهور بالشخصية المنتحلة.
وبيّن الشحي أن الهوية المزيفة أخطر لأنها تخدع الجمهور عاطفياً وتستغل الصدقية المرتبطة بالأسماء المعروفة، مثل شخصيات عامة أو إعلاميين أو مسؤولين، مشيراً إلى أن بعض هذه الحسابات استخدمت صوراً حقيقية لأشخاص من الإمارات أو أسماء مشابهة لشخصيات رسمية، بهدف إيهام المتابعين بأنها حسابات موثوقة، في حين تدار فعلياً من خارج الدولة وتخدم أجندات مغرضة، وأضاف أن القانون الإماراتي يجرم صراحة انتحال الهوية الرقمية أو استخدام بيانات الغير، لما يترتب على ذلك من أضرار على الأفراد والمؤسسات والمجتمع، مشيراً إلى أن السلطات التقنية والقانونية تمتلك أدوات متقدمة لتتبع مصدر هذه الحسابات وكشفها.
وأكد أن كلا النوعين من الحسابات سواء الوهمي والمزيّف يشتركان في هدف واحد هو تشويه الحقيقة وتضليل الرأي العام، لكن الفرق الجوهري أن الحساب الوهمي يتخفّى، بينما الهوية المزيّفة تنتحل وتقلد، أي أنها لا تكتفي بالاختباء، بل تلبس قناع الثقة لخداع الآخرين.
وأشار إلى تحقيقات تقنية أثبتت إمكانية كشف هذه الحسابات عبر تحليل المعرف الرقمي للحساب (ID)، وتتبع تغير أسمائه وصوره، ورصد نمط النشاط الزمني الذي يكشف عن إدارة من خارج الدولة، إضافة إلى تحليل البصمة اللغوية والسلوكية التي يمكن أن تفضح اختلاف اللهجة أو نمط التفاعل عن المستخدم الحقيقي.
وبيّن أن الذكاء الاصطناعي أصبح سلاحاً ذا حدين في هذه المسألة، إذ يستخدم في بعض الأحيان لتوليد هويات وصور ومقاطع مزيفة يصعب التمييز بينها وبين الحقيقة، لكنه في الوقت نفسه يُعد أداة قوية في الكشف، إذ تعتمد المنصات الكبرى اليوم على خوارزميات ذكية لرصد الحسابات المريبة، ومراقبة سلوك النشر المتكرر وغير الطبيعي، ما أدى إلى إغلاق ملايين الحسابات الوهمية خلال السنوات الأخيرة.
ودعا إلى تعزيز التثقيف الرقمي لدى الجمهور ليكون أكثر وعياً بالمؤشرات التي تكشف الحسابات المزيفة، مثل تاريخ إنشاء الحساب، وصحة الصورة، ونسبة المتابعين، ونمط التفاعل، مؤكداً أن الوعي هو خط الدفاع الأول ضد التضليل، مشيراً إلى أن الهوية يمكن تزويرها، لكن الوعي لا يزور، والتدقيق قبل التفاعل هو الحماية الحقيقية في عصر الزيف الرقمي.
وأكد الكاتب والمحلل السياسي عبدالعزيز سلطان شمس المعمري، أن تضخيم الأحداث عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح أحد أبرز مظاهر التحول في بيئة الاتصال الحديثة، إذ لم تعد وسائل الإعلام تكتفي بوظيفتها الإخبارية، بل تجاوزتها إلى إعادة تشكيل الإدراك الجمعي والوعي العام بالواقع.
وأوضح أن منصات التواصل الاجتماعي باتت تؤدي دوراً محورياً في توجيه طريقة تفكير الجمهور وتحديد أولوياته، وأصبحت زرع مواقف وآراء معينة فيه من دون وعي مباشر منه، من خلال حجم التغطية الإعلامية، وطبيعتها، وتركيزها على أحداث بعينها بأسلوب عاطفي أكثر منه عقلاني.
وأضاف المعمري أن تضخيم حدث أو قضية ما يتم عبر المبالغة في العرض أو الانتقائية في السرد أو التكرار العاطفي للمعلومة، ما يؤدي إلى إيجاد ما يعرف بـ«الواقع البديل» أي تصور جماعي مشوّه للحقائق الفعلية.
وقال إن الجمهور بطبيعته يتفاعل عاطفياً مع المحتوى المثير أكثر من المعلومات الدقيقة، ما يسهم في تكوين مواقف جماهيرية زائفة يصعب تصحيحها لاحقاً حتى بعد ظهور الحقيقة.
وبيّن أن تضخيم الأحداث أصبح آلية إعلامية فعّالة لصناعة وعي مضلل، يستفيد من سرعة الانتشار وكثافة التفاعل في الفضاء الرقمي، محذراً من خطورته على استقرار المجتمعات وثقة الناس بمصادر المعلومات.
وعن دور الصحافة الوطنية في مواجهة هذا النوع من التضليل، شدّد المعمري على أن الصحافة تتحمل مسؤولية جوهرية في التحقق والتفسير والتوضيح، وليس الاكتفاء بنقل الخبر، داعياً إلى التحوّل من «الصحافة الإخبارية» إلى «الصحافة التفسيرية»، التي تشرح السياقات وتفكك الأحداث بعمق، معتبراً أن القيمة الإعلامية اليوم لا تكمن في السبق الصحافي، بل في دقة التحليل وعمق الفهم.
كما أكد أن التربية الإعلامية والرقمية باتت ضرورة وطنية لتحصين المجتمع من الأخبار الزائفة، من خلال بناء استراتيجية وقائية تمكن الأفراد من التمييز النقدي بين الخبر والرأي، والمصدر والناقل، والحقيقة والشائعة، موضحاً أن هذه التربية تقوم على مهارات متعددة مثل التحليل النقدي للمحتوى، وفهم آليات المنصات وخوارزمياتها، والتحقق من الأدلة والمصادر، مشيراً إلى أن تعزيز الوعي الإعلامي والرقمي يُشكل اليوم حماية فكرية ومجتمعية ضد حملات التضليل.
فيما أكّد أستاذ العلوم السياسية الإماراتي الدكتور عبدالخالق عبدالله، أن هذه المنصات المزيفة تمثل الجانب المظلم من المشهد الرقمي والفضاء الافتراضي، مشيراً إلى أن الظاهرة تتجاوز حدود العالم العربي لتُشكل تحدياً عالمياً يشارك فيه أفراد وجماعات وجهات منظمة تستخدم التكنولوجيا لتوجيه الرأي العام، وتنفيذ أجندات سياسية وإعلامية خفية.
وأوضح أن هذا النوع من المنصات لا يقوم على التضليل فقط، بل يهدف إلى زعزعة الثقة بين الشعوب ومؤسساتها، والتأثير في سمعة الدول الفاعلة إقليمياً ودولياً، مضيفاً أن أدواتها تتنوّع بين فبركة الأخبار، والتلاعب بالصور والفيديوهات، واستخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء محتوى يصعب تمييزه عن الحقيقي.
وقال إن تأثير هذه المنصات عميق وضخم في تشكيل الرأي العام المحلي والعربي والعالمي، إذ باتت قادرة على تغيير اتجاهات التفكير العام وإعادة صياغة المواقف السياسية لدى بعض الفئات من خلال المحتوى الموجه والمستمر، مؤكداً أن الإمارات من بين الدول الأكثر استهدافاً في المنطقة بسبب نجاح تجربتها التنموية واستقرارها السياسي ودورها الإنساني الفاعل.
وأضاف أن الحملات الممنهجة التي تدار ضد الدولة تعتمد على كم هائل من المواد المفبركة والمزيفة، لافتاً إلى أن «نحو 90% مما ينشر عن الإمارات على هذه المنصات هو كذب وافتراء وفبركة لأخبار لا يصدقها عاقل»، موضحاً أن هذه الحملات تعمل وفق شبكات رقمية منسقة، تستخدم حسابات وهمية تحمل أسماء إماراتية أو عربية لتضليل الجمهور وإضفاء صدقية زائفة على الرسائل الموجهة.
أقوى ردّ.. النموذج الإماراتي
شدّد الدكتور عبدالخالق عبدالله على أن الإمارات تدفع ثمن نجاحها وتميزها الإقليمي والدولي، وثمن قيامها بواجبها في التصدي لقوى الفوضى ومحاولات زعزعة الاستقرار في المنطقة، مؤكداً أن مثل هذه الحملات لن تنال من صورة الدولة التي بنت حضورها ومكانتها على أفعال ملموسة وإنجازات حقيقية، وأشار إلى أن أقوى ردّ على حملات التشويه هو النموذج الإماراتي ذاته، القائم على التنمية الشاملة، والانفتاح الثقافي، والمبادرات الإنسانية التي تجاوزت الحدود الجغرافية، موضحاً أن الإمارات لا ترد بالكلمات، بل بالفعل، وسلاحها الأهم هو أفعالها على أرض الواقع، خصوصاً في المجالين الإنساني والإغاثي، وجاذبية نموذجها التنموي والمعرفي الذي أصبح مصدر إلهام إقليمي ودولي، وأكّد أن تجربة الإمارات تمثل اليوم رداً عملياً على التضليل الإعلامي، لأنها تقدّم نموذجاً متوازناً في القوة الناعمة، يقوم على العمل الميداني، والشفافية، والمصداقية في التواصل، والمبادرات التي تخدم الإنسان أولاً، مشيراً إلى أن الشعوب باتت تدرك الفرق بين الدول التي تصنع المحتوى التضليلي، وتلك التي تصنع الأمل.
المصدر:
الإمارات اليوم