حذر أكاديميون من الآثار السلبية الناتجة عن الاعتماد المفرط للطلبة على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الوصول للمعلومات، وإعداد البحوث العلمية، وأداء التكليفات الأكاديمية، مؤكدين أن ذلك قد يؤدي إلى تحويلهم من متعلمين نشطين إلى مستهلكين سلبيين، ويترتب عليه تراجع كفاءاتهم ومهاراتهم في التحليل والتفكير النقدي والإبداعي، ما يتطلب تحديث معايير النزاهة الأكاديمية، لتعزيز أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية.
وتفصيلاً، أكد أكاديميون أن التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة بما فيها العملية التعليمية، بات تحدياً جديداً يهدد النزاهة الأكاديمية، ويتطلب مقاربة متكاملة من جميع الأطراف المعنية في المجال الأكاديمي، تتضمن تعزيز أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي، وتوفير طرق آمنة لاستخدامه، وتطوير سياسات تعليمية تتماشى مع التطور التقني المتسارع، وإدراج نصوص صريحة في البنود الأخلاقية للجامعات تحظر استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأبحاث أو أداء التكليفات دون الإشارة إلى مصدر المساعدة التقنية، وتحديث استراتيجيات التقييم ليُقيّم الفهم والمهارات بدلاً من إنتاج نص متوقع فقط، وذلك لجعل الذكاء الاصطناعي أداة تخدم النزاهة الأكاديمية، وتحافظ على القيم الأخلاقية في بيئة أكاديمية تشهد تحولاً رقمياً غير مسبوق.
وأجمع أكاديميون على أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي له وجهان، إيجابي وسلبي، حيث يمثل الوجه الإيجابي قدرته على المساعدة على تحسين نتائج الأبحاث عبر توفير أدوات تساعد على توفير الوقت والجهد، من خلال الاستفادة من تقنية الخوارزميات المتقدمة في تحليل البيانات والأرقام والمسائل الإحصائية، وتحليل النصوص الكبيرة ما يُمكّن من التركيز على الجوانب العملية والميدانية التي تحتاج إلى جهد بشري.
وأشاروا إلى أن الوجه السلبي للذكاء الاصطناعي في الاعتماد المفرط على تطبيقات الذكاء الاصطناعي واتكالية الطالب عليه في حل الواجبات والتكليفات وإجراء البحوث نيابة عنه، ويترتب على ذلك إلى ظهور جيل منخفض في التفكير والتحصيل الأكاديمي، مشيرين إلى أن الحل في تطوير نظام التعليم التقليدي، الذي يعتمد على نمط التكليفات خارج الصف الدراسي والاختبارات المعتمدة على مهارة التذكر والحفظ.
نزاهة أكاديمية
وأكد عميد كلية الإعلام بجامعة ليوا، الأستاذ الدكتور بدران بدران، وجود تفاوت بين الجامعات بالنسبة لمعايير النزاهة الأكاديمية وآلية تعريفها للطلبة، حيث يوجد جامعات تولي أهمية كبيرة لمبدأ النزاهة الأكاديمية، وتضع معايير واضحة لقياس نسبة التشابه والاقتباس في أعمال الطلبة، ويُستخدم في هذا الإطار «SafeAssign» لتحديد مدى أصالة الأعمال المقدمة ومطابقتها متطلبات الأمانة العلمية تطبيق.
وقال بدران: «عادة يتم توضيح هذه المعايير للطلبة منذ بداية كل فصل دراسي، سواء من خلال توصيف المقررات أو التعليمات المرفقة بالمشروعات والواجبات، خصوصاً عندما يُطلب منهم رفع الأعمال عبر نظام إدارة المساق مثل (بلاكبورد)»، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز وعي الطلبة بأهمية الالتزام بالمعايير الأكاديمية، وتجنب السلوكيات المخالفة للنزاهة العلمية.
وأضاف: «الجامعة يمكنها مراقبة اعتماد الطلبة على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لضمان العدالة الأكاديمية، وتشجيعهم على استخدامه كمساعد تعليمي، وليس كبديل عن التفكير والتحليل الذاتي، وذلك من خلال تطبيق مثل (Turnitin) الذي يوفر خانة مخصصة لاكتشاف النصوص المنتجة بوساطة الذكاء الاصطناعي»، وعادة ما تترك الجامعات قرار تفعيل هذه الخاصية لتقدير عضو هيئة التدريس وفقاً لطبيعة المقرر ونوعية الواجبات المطلوبة. ويُعد هذا الإجراء خطوة مهمة لضمان العدالة الأكاديمية، وتشجيع الطلبة على استخدام الذكاء الاصطناعي كمساعد تعليمي، وليس كبديل عن التفكير والتحليل الذاتي، وهذه نقطة جوهرية».
وتابع بدران: «من شأن الاستخدام الجزئي لأدوات التقييم المباشرة والآنية مثل الواجب الصفي والامتحان الشفهي التقليل من حالات الغش والاعتماد الكامل أو السلبي على التكنولوجيا في الحصول على المعلومات، وبالتالي التمييز بين مستويات الطلاب الحقيقي، فيما يمكن للجامعات التوعية بمخاطر الغش الأكاديمي من خلال الاجتماعات المباشرة بالأساتذة، وكذلك الطلبة، خصوصاً مع بداية الفصول الدراسية، وتركيزاً على المستجدين من الطلبة. إضافة لتخصيص وقت للتركيز على هذا الجانب أثناء المحاضرات الأكاديمية وخلال أوقات الإرشاد الأكاديمي».
معايير واضحة
فيما أشار أستاذ علوم الحاسوب وتكنولوجيا المعلومات في جامعة أبوظبي، الدكتور مراد الرجب، إلى أن معظم الجامعات الإماراتية لديها معايير وسياسات واضحة للنزاهة الأكاديمية، تحدد مسؤوليات الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في ما يتعلق بالأمانة العلمية، ويتم تعريف الطلبة وأعضاء هيئة التدريس الجدد، بهذه السياسات فور التحاقهم بالجامعة، من خلال ورش عمل النزاهة الأكاديمية يتخللها تعريف كامل بلوائح الجامعة والإجراءات التأديبية.
وقال: «نقوم بتعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول لأدوات الذكاء الاصطناعي وخاصة التوليدي، حيث لا يمكن أن نمنع الطلبة من استخدامه بعد أن بات موجوداً في كل جوانب الحياة، لذا يجب علينا توعية الطلبة بكيفية الاستخدام الأمثل له، من خلال تحديد ضوابط أكاديمية واضحة توضح متى وكيف يمكن للطالب الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي، كما أن معظم الجامعات حالياً بدأت في استخدام برامج كشف النصوص المولدة آلياً، وذلك كأدوات مساعدة وليست كوسائل عقابية، للتنبيه على الطلبة في حالة اكتشاف حالات بخطورة هذا الأمر على المهارات الشخصية والنزاهة الأكاديمية».
وأضاف الرجب: «جميع الجامعات تلعب دوراً محورياً في التدقيق الوقائي والتوعية الاستباقية بمخاطر الغش الأكاديمي، من خلال ورش عمل ودورات توعية تشرح للطلبة معنى النزاهة الأكاديمية والسمعة العلمية، ودائماً ما يتم الربط بين الأمانة العلمية وسمعة الجامعة والتي يترتب عليها سمعة الخريجين في سوق العمل، كما توجد لائحة عقوبات في كل جامعة، تبدأ بالإنذار وخصم العلامات، وقد تصل في الحالات الجسيمة إلى الفصل الأكاديمي، وهذا ينطبق أيضاً على الهيئة الأكاديمية، حيث يعتبر الإخلال بالنزاهة العلمية من المخالفات الجسيمة لعضو هيئة التدريس».
وأكد أهمية تطوير المعايير التقليدية للنزاهة الأكاديمية إلى مفهوم أشمل، يضم معيار النزاهة الرقمية حتى تواكب تطورات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بحيث تشمل على سبيل المثال الإفصاح عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتعريف الطلبة بشكل أوسع بأهمية التفكير النقدي والإبداعي، خاصة أن بعض الدراسات مؤخراً حذرت من أن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي، يؤثر في خلايا المخ، ويحول الشخص إلى مجرد تابع.
واقترح الرجب، تدريس مبادئ أخلاق الذكاء الاصطناعي كمادة جامعية، وأن تتبنى الجامعات سياسة الذكاء الاصطناعي المساند، بحيث يتم استخدامه من خلال الطلبة بأمانة ومسؤولية، وليس بإفراط، وتأسيس مراكز أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الجامعات تكون من مهامها وضع السياسات وتدريب الأساتذة والطلبة حول كيفية استخدام السليم والصحيح، وتغيير سياسة العقاب إلى سياسة ثقافة المسؤولية المشتركة.
غش رقمي
من جانبها، قالت أستاذة علوم البيانات في جامعة أوروبا للعلوم التطبيقية بدبي، الدكتورة إيمان أبوخوصة: «يتطلّب الحفاظ على النزاهة الأكاديمية في عصر الذكاء الاصطناعي مزيجاً من الأدوات التقنية والسياسات التربوية الواعية، فلا يمكن مواجهة تحديات الغش الرقمي بمجرد برامج كشف النصوص المنتجة آلياً، بل من خلال إعادة تصميم التقييمات لتقيس الفهم والتحليل والتطبيق الواقعي.
وقالت: «تحتاج الجامعات إلى منصّات متكاملة تتابع أنماط التعلّم وتوثّق المساهمات الفردية داخل المشاريع الجماعية، إلى جانب نظم تحقق رقمية تضمن هوية الطالب أثناء التقييمات الإلكترونية، والأهم من الأدوات، هو ترسيخ ثقافة أكاديمية تقوم على الأمانة الفكرية والمسؤولية الذاتية، بحيث يصبح الالتزام بالنزاهة جزءاً من هوية المتعلم لا شرطاً إدارياً».
وأضافت أبوخوصة: «الدور الأهم يبقى للمعلّم، إذ تقع عليه مسؤولية نقل تركيز الطلبة من هوس الدرجات إلى متعة التعلّم ذاته، وتشجيعهم على تقدير بصمتهم الفكرية الخاصة حتى في ظل وجود أدوات الذكاء الاصطناعي»، مشيرة إلى عملها شخصياً على تحفيز طلبتها لعرض أعمالهم جنباً إلى جنب مع مخرجات الذكاء الاصطناعي، وتحليل الفروق بينهما، وهو ما يمنحهم شعوراً بالفخر، ويؤكد لهم أن القيمة الحقيقية تكمن في التفكير الإنساني لا في الأتمتة.
معايير محددة
فيما أشارت الأستاذ المساعد في كلية العلوم الإنسانية في جامعة أميتي دبي، الدكتورة ميغري نظاريان، إلى أن أغلب الجامعات تمتلك مواثيق ومعايير محددة للنزاهة الأكاديمية، تشمل: الأمانة الفكرية، تجنّب الانتحال، الالتزام بذكر المصادر التي أُخذَت منها المعلومات، واحترام الملكية الفكرية، غير أن التطبيق الحقيقي يبدأ عندما تُعرّف الجامعات الطلبة بهذه المعايير منذ اليوم الأول، من خلال ورش توجيهية، ودورات في مهارات البحث والاقتباس، وتضمين هذه المفاهيم ضمن المقررات الدراسي.
وقالت: «التعامل المسؤول مع أدوات الذكاء الاصطناعي يتطلب من الجامعة أن تضع ميزاناً دقيقاً بين الابتكار والإنصاف، بحيث تتيح للطلبة استخدام التقنيات الحديثة دون أن تتحوّل إلى وسيلة تُضعف الجهد الفردي أو تخلق فجوات بين من يملك أدوات أقوى ومن لا يملكها».
وأضافت نظاريان: «تكمن أولى خطوات المسؤولية في صياغة سياسة واضحة ومفهومة في الجامعات تحدد ما الاستخدام المقبول للذكاء الاصطناعي، وما التجاوز غير الأخلاقي له ثم تأتي مرحلة التمكين، إذ ينبغي للجامعة أن توفر تدريبات عملية للطلبة حول كيفية استخدام أدوات الذكاء التوليدي بطريقة بنّاءة وأمينة، حتى لا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى بديلٍ عن التفكير الإنساني»، مشيرة إلى أهمية أن تُغرس في الطلبة قناعة بأن القيمة الحقيقية تكمن في الجهد الشخصي لا في الأداة المستخدمة.
وشددت على أهمية ألا يكون اصطفاء العناصر البشرية المميزة في سوق العمل قائماً على نتائج جامدة أو تقارير تقنية، بل على من يمتلك الفكر النقدي، والنزاهة، وروح المسؤولية، الذين يشكّلون المستقبل الحقيقي للمؤسسات، لأن التكنولوجيا قد تكتب نصاً، لكنها لا تستطيع أن تخلق ضميراً حياً.
إلى ذلك، أظهرت نتائج دراسة أجرتها جامعة عجمان هذا العام أن 94% من الطلبة في الإمارات يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في دراستهم، لكن ثلثهم يعانون ضغوطاً بسبب مخاوف من الأخطاء في الإجابات أو التهم المتعلقة بالسرقة الأدبية وتسريب البيانات.
معايير النزاهة
أوضح أكاديميون أن المعايير الأساسية للنزاهة الأكاديمية تشمل: الأصالة «العمل يعكس جهد الطالب»، والاقتباس والإحالة الصحيحة، وعدم التحريف أو التزييف، والاحترام والمسؤولية والامتثال لضوابط التقييم، فيما تضم التطورات المتوقعة والمطلوبة إدراج بند صريح عن الإفصاح عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحديث استراتيجيات التقييم، مشيرين إلى أهمية التعامل مع التحولات التكنولوجية بمسؤولية من خلال دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في المناهج لتوفير تكافؤ الفرص بين الطلبة، وتدريب الهيئة الأكاديمية على مختلف أدوات الذكاء الاصطناعي في التعليم والتقييم، وذلك للتغلب على التحديات المتوقع ظهورها مع التوسع في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم، وأبرزها: الاتكالية واستسهال الحصول على المعلومة، وتوقف بعض القدرات العقلية البشرية، وتراجع تراكم الخبرات لدى المتعلم نتيجة توقف البحث والمحاولة، وتراجع دور المعلم، وتهديد التراتبية التربوية والعلمية، وتهديد التواصل الإنساني والاجتماعي بين عناصر العملية التعليمية، إضافة إلى عدم موثوقية التقييمات، وصعوبة رصد الفروقات الفردية بين المتعلمين.
• %94 من الطلبة يستخدمون الذكاء الاصطناعي في دراستهم.
المصدر:
الإمارات اليوم