آخر الأخبار

علاقات وهمية ووعود بالزواج تنتهي بسرقة أموال

شارك

وقعت نساء ضحايا «احتيال عاطفي» إلكتروني، خلال الآونة الأخيرة، ما أسفر عن الاستيلاء على مبالغ مالية كبيرة منهن، إذ بدأت قصصهن بالتحدث مع غرباء على مواقع التواصل الاجتماعي، من منطلق علاقات الصداقة والتعارف، لتتطور بعدها إلى تبادل عبارات الغزل ومشاعر الحب ووعود بالزواج، وتنتهي بطلب المحتالين أموالاً منهن على سبيل السلفة، أو المساعدة في ظرف طارئ ثم يختفي الطرف الآخر.

وشهدت أروقة المحاكم قضايا لضحايا احتيال عاطفي بعد الاستيلاء على أموالهن، من محتالين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تمكنت أجهزة الشرطة من القبض على متهمين في عدد من الجرائم الإلكترونية من هذا النوع.

وفي عملية احتيال محكمة وقعت ضحيتها فتاة، استغلها شخص تعرّفت إليه عبر برامج التعارف، وبعد التواصل بينهما لمدة ست سنوات، على أمل الزواج، اكتشفت في النهاية أنها كانت ضحية لعملية احتيال تهدف إلى استنزاف مواردها المالية، حيث قامت بإرسال مبالغ له تصل إلى 400 ألف درهم، وتمكنت أجهزة الشرطة بعد التحري وجمع الاستدلالات من التعرّف إلى المتهم والقبض عليه وإحالته إلى النيابة، ومنها إلى المحكمة التي قضت بسجنه وتغريمه.

وبدأت قصة الفتاة بالتعرّف إلى شاب ادعى أنه يعمل في الحقول البحرية، وذلك عبر أحد برامج طلبات الزواج، وكان التواصل بينهما على الهاتف وبرنامج الـ«واتس أب»، إذ كان يدعي أنه مشغول بسبب طبيعة عمله التي تتطلب منه غيابات مستمرة، حيث دام التعارف ست سنوات لم يرَ أحدهما الآخر على الواقع، ومع ذلك خلال تلك المدة قامت بمساعدته مالياً في أمور كثيرة، حيث إنه كان يتذرع بحاجته إلى المال لإنهاء خلافات مع عائلته أو لدفعها نتيجة حادث مروري أو علاج أو في حل مسائل لإنهاء ميراث.

وفي قضية ثانية، وقعت امرأة من جنسية دولة عربية في شباك مجموعة من المحتالين تتألف من خمسة آسيويين وإفريقي، استدرجوها عبر تطبيق «إنستغرام»، بعد أن أوهمها أحدهم بأنه طبيب جراح أوروبي، ثم أوقعها عاطفياً في شباكه، وحظر رقمها بعد أن استولى مع زملائه منها على 900 ألف و183 درهماً، لتكتشف أنها ضحية عملية احتيال رومانسي ممنهجة، فحررت بلاغاً بالواقعة، وأحالتهم النيابة العامة إلى محكمة الجنح التي قضت بإدانتهم، وعاقبتهم بالحبس شهراً، وتغريمهم جزائياً بقيمة المبلغ، وأيّدت محكمة الاستئناف الحكم.

وفي قضية ثالثة، خسرت امرأة أوروبية مسنة كل مدخراتها والتي تبلغ نحو 12 مليون درهم، بعد استدراجها من قِبل محتال من جنسية دولة إفريقية، ادعى أنه شاب وسيم يقيم في دبي، فباعت المرأة كل ممتلكاتها وحوّلت قيمتها إليه، إضافة إلى ما تملكه من أموال، وانتقلت إلى دبي، لتكتشف وقوعها في فخ محكم، وتبيّن أن المحتال نفسه لا يعيش في دبي، بل يقيم في إحدى الدولة الإفريقية، وكانت المرأة تعاني الوحدة والفراغ في بلادها، وأبلغت الشرطة وتم اتخاذ الإجراءات كافة التي تساعدها لملاحقته دولياً.

من جانبه، قال خبير الأمن السيبراني عبدالنور سامي، إن الاحتيال بمفهوم الحب والزواج ليس وليد اللحظة، فهو متعارف عليه منذ زمن، لكن ما اختلف في أيامنا هذه، هو وسيلة التعارف أولاً، حيث حضرت وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف تطبيقاتها إلى الساحة، وثانياً، تغيّر الهدف، حيث كان الفتى ربما يحتال على الفتاة للوصول إلى مكانتها الاجتماعية أو جاه أبيها وماله، وثالثاً انعكست الأدوار، حيث أصبحت المرأة قادرة ومتمكنة، وبالتالي أصبح الفتى العاطل طامعاً في مالها هي على خلاف ما سبق.

وأضاف: «إذا تمعنا جيداً في الأمر، نجد أنه لم يعد احتيالاً بالواقع الاجتماعي، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الحياة وطبيعتها، حيث إن من ارتكب هذا التصرف لم يقصد الاحتيال فعلياً، فتلك هي شخصيته وطبيعته، وأنا أتحدث من ناحية سلوكية وليس قانونية، وهو يمارس هذا الأمر بدافع غريزته، فبعضهم ينوي الزواج، لكن بمجرد حصوله على المال، يلتفت إلى مغريات أخرى، منها شراء ما يرغب فيه، ومنها إنفاقه على الآخرين ليدعي البطولة، أو ليتعرّف إلى فتاة ذات إمكانية أقل منه حتى يكون هو اليد العليا في العلاقة، أو ربما يدرك متأخراً أنه لم يكن يرغب في الزواج، بل بما يحصل عليه في المقابل. وفي الواقع هذه الشخصيات تعيش في وهم، واضطراب نفسي، واختلال سلوكي، والتحليلات كثيرة لا حصر لها، ومن يقع ضحية - في إطارنا هذا- هن نساء أخلصن من أجل ذلك الرجل، إلا أن بعض الأخصائيين فسروا هذا الاضطراب بـ(عقدة البطل)، وهو لا يقتصر على جنس محدد، لكن ذلك قد لا ينطبق على مجتمعنا الذي تقوده قيم نبيلة، إلا أن بعض المحتالين يقتات على تلك القيم».

ونبه إلى أن الاستعطاف سلوك إنساني فطري، وعند الحاجة يمتهنه بعض الأشخاص لخداع أصحاب القلوب الطيبة واستغلال نواياهم الحسنة بهدف الحصول على أموالهم أو الإيقاع بهم في قضايا قانونية قد تكون منظمة وغير منظمة، أما القضايا غير المنظمة فهي كما تحدثت عنها، تكون بالتعارف الاعتيادي غير المستهدف، أما المنظمة فهو ما يتم من خلال مواقع التعارف والزواج، وهنالك تطبيقات مخصصة لذلك، يلجأ إليها بعض المحبطين وغير الناجحين في حياتهم الاجتماعية برغبة الزواج، وبعد التعارف بفترة يبدأ الطرف الآخر بطلب الأموال أو التلميح إلى هدايا، وذلك الشخص عادة يعمل ضمن عصابة منظمة أو تطبيقات يعتمد الدخل فيها على «الدعم» أو «التبرع» أو «الهدايا»، وقد يكون ذكراً أو أنثى. وأشار إلى أن الذكر ربما يستخدم مقاطع مفبركة، وهناك عصابات تقوم فعلاً بتزويج الأشخاص من خلال هذا الموقع في دول أجنبية بعد سفر الضحية، وهذا يفتح أبواب خطر أخرى، منها أن يتم تصوير الشخص بشكل سري، بغرض تهديده لاحقاً، وفي بعض الحالات بمجرد حصول المحتال على المال يختفي إلى الأبد.

وتابع: «هناك أمثلة في محيطنا، فالكثير من الذكور أو الإناث تتحدث معهم في وسائل التواصل الاجتماعي وربما بشكل شبه يومي أو نادر، وفجأة يطلبون منك معروفاً أو مساعدة عاجلة - على الرغم من عدم وجود علاقة مسبقة بينك وبين هؤلاء الأشخاص- بحجة الظروف أو ظرف طارئ لدى العائلة، وربما يكون الطلب كسلف، وإذا اعتذرت أو قمت بالرفض، فستلاحظ إما تغير أسلوب الطرف الآخر بادعاء المظلومية، بما يُسمى (ورقة الضحية)، أو التحدث معك بوقاحة، بحجة أنك لست أهلاً للاحترام ولا يمكن أن يعتمد عليك، ليدفعك إلى كسب احترامه أو يقوم بحذفك فوراً».

وأوضح أن ما يُعدّ احتيالاً عاطفياً، هو سلوك يومي يمتهنه بعض الأشخاص، قد يرمز إليهم بـ«النرجسيين»، أو «ذوي الاضطراب الحدي»، لكن السبب الفعلي الذي يقع بسببه الضحايا، هو أول درس تعلمناه في حياتنا، لا تتحدث مع الغرباء، احذر من الاحتيال، هذا الاحتيال لا يأتي من الغرباء بالضرورة، بل بعد أن تتعمق العلاقة وتتجذر وتتطور، لأنه لا أحد يكشف عن معدنه الحقيقي إلا في وقت متأخر.

من جانبه، أكّد المحامي علي مصبح أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مسرحاً مفتوحاً للعلاقات والتعارف، وظهر نوع جديد من الجرائم يختبئ خلف كلمات الودّ ورسائل العشق، ويستهدف أضعف مناطق الإنسان (قلبه)، إنها جريمة الاحتيال العاطفي، وهنا عندما يتحوّل «الحب الافتراضي» إلى أداة نصب مالي وعاطفي في آنٍ واحد.

واستشهد بحالات تكررت بتفاصيل متشابهة، منها: فتاة تتعرّف إلى شخص عبر تطبيق أو منصة تواصل، يظهر في البداية بمظهر الرجل المثالي، يتحدث بلغة الحب والاهتمام، ثم يبدأ في نسج خيوط الثقة، ويُوهمها برغبته الجادة في الزواج والاستقرار، ومع مرور الوقت يطلب منها مبالغ مالية بإحدى هذه الذرائع: «ظرف طارئ»، «تجهيزات للزواج»، «مشروع مستقبلي مشترك»، «ضائقة مالية»، فتستجيب الضحية بدافع الحب والثقة، لتكتشف لاحقاً أن العاطفة كانت طُعماً، وأن «الوعود بالزواج» لم تكن سوى أداة احتيال ممنهجة.

وأشار مصبح إلى أن هذا السلوك (الاحتيال العاطفي)، قانوناً يُعدّ ضمن جرائم الاحتيال المنصوص عليها في قانون العقوبات، والتي تعاقب كل من استولى على مال الغير باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة.

وتتوافر أركان الجريمة عندما يتمكن الجاني من خداع المجني عليه واستدراجه إلى تسليم المال بناءً على واقعة غير صحيحة أو وعود زائفة، أما إذا رافق ذلك استغلال للعواطف أو التهديد بفضح العلاقة ونشر الصور، فيُضاف إلى الجريمة ظرف مشدد، لارتباطها بجريمة أخرى هي الابتزاز الإلكتروني، المعاقب في المرسوم بقانون بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل التواصل الاجتماعي».

وأضاف مصبح: «تكون العقوبة السجن المؤقت مدة لا تزيد على 10 سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جريمة أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار، وكان ذلك مصحوباً بطلب صريح أو ضمني بالقيام بعمل أو الامتناع عنه»، وأكّد مصبح أن المجني عليها في هذه القضايا لا تخسر مالها فحسب، بل تُصاب بصدمة نفسية وفقدان الثقة بنفسها وبالآخرين، وبيّن أن الخطر الأكبر يكمن في أن هذه الجرائم في الأغلب تبدأ في الخفاء، حيث يصعب على الضحية الاعتراف أو التبليغ، خوفاً من الفضيحة أو الوصمة الاجتماعية، وهو ما يمنح الجناة مساحة أوسع للاستمرار.

وشدد على أن «الثقة العاطفية لا تُنشئ التزاماً قانونياً»، وأن أي تحويل مالي يجب أن يكون له سبب مشروع ومبرر قانوني واضح، وأن مجرد الوعد بالزواج لا يُعدّ سبباً كافياً لتسليم المال، طالما لم يتم إبرام خطبة رسمية أو عقد زواج معتمد وفقاً للأحكام الشرعية والقانونية.

ولفت إلى أنه في بعض الأحكام، أمرت المحاكم بإلزام الجاني برد المبالغ التي استولى عليها، ومعاقبته بالحبس والغرامة، تأكيداً بأن «المال الذي يُنتزع بالعاطفة، ينتزع بالعقوبة».

ونصح من يتعرض لمثل هذه المواقف بعدم الصمت، بل بالمبادرة إلى تقديم بلاغ رسمي لدى الجهات الشرطية، فالقانون الإماراتي يضمن السرية التامة للبلاغات المتعلقة بالابتزاز والاحتيال الإلكتروني.

وفي سياق متصل، حذّر تقرير لشركة «كاسبرسكي لاب» المتخصصة في الأمن السيبراني من عمليات الخداع التي تحدث عبر الإنترنت، إذ نبه إلى الحيل المستخدمة في الاحتيال العاطفي أو الرومانسي، عندما يعتقد شخص ما أنه قد حقق تواصلاً أو وجد تطابقاً من خلال موقع أو تطبيق عبر الإنترنت، لكن الشخص الذي يتحدث إليه هو - في الواقع - محتال يستخدم ملفاً شخصياً زائفاً، ويتلاعب المحتال أو يكسب ود الشخص الآخر، لينال ثقته بمرور الوقت، ويتمكن في النهاية إما من طلب المال وإما من الحصول على معلومات شخصية كافية عنه لسرقة هويته.

وحذّر من أن هذا النوع من الجرائم آخذ في الازدياد، وتجاوزت الخسائر المتكبدة إثر عمليات الاحتيال في المواعدة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة 300 مليون دولار في 2020، أما في المملكة المتحدة، فبلغت هذه النوعية من الخسائر 68 مليون جنيه إسترليني.

وأشار إلى أن الأشخاص الأكبر سناً يتعرّضون لخسائر مالية أكثر فداحة من غيرهم، إذ يستهدف المحتالون الأشخاص الأكثر تقدماً في العمر، لأن هناك احتمالاً أكبر لامتلاكهم أصولاً قيّمة، مثل أموال التقاعد أو البيوت، يمكن للمحتالين سرقتها، ويُعتقد أن نحو ثلثي ضحايا الاحتيال العاطفي من السيدات، وأن متوسط أعمارهن 50 عاماً.

وتبدأ معظم عمليات الاحتيال العاطفي بطريقة بريئة تماماً، فقد يُنشئ المحتال صفحات شخصية زائفة تبدو جذابة للآخرين إلى أقصى حد، ثم ينتظر تواصل الضحية معه لبدء المحادثة، أو من الممكن أن يبدأ هو بالتواصل مع الضحية، وقد يدعي أن هناك اهتمامات مشتركة أو حتى صلة معرفة بعيدة تجمع بينهما، وبمجرد أن يضمن الشخص المحتال أن الضحية التقطت الطُعم، تصبح الاحتمالات بلا حدود.

وذكر أن هناك أنواعاً مختلفة للاحتيال العاطفي، منها أن يتواصل مع الضحايا أشخاصٌ يفترض أنهم يرغبون في الارتباط ويقطنون بالخارج، و«يصادقونهم» على مواقع متعددة للتواصل الاجتماعي، وبعد فترة من التواصل الرومانسي المُكثّف، يطلب المحتال التواصل مع الضحية عبر كاميرا الويب، ليتمكنا من الدردشة سوياً، ثم يكشف المحتال عن هويته الحقيقية، ويدعي أنه قد سجَّل فيديو للضحية، ويهدد بمشاركته مع الأصدقاء المشتركين على مواقع التواصل الاجتماعي أو نشره على الإنترنت، ما لم ترسل له الضحية مبلغاً من المال، وبمجرد أن تخضع له الضحية، تبدأ الدوامة، فتزداد المطالب حتى ترفض الضحية أخيراً هذا الابتزاز.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا