مع اقتراب انطلاقة العام الأكاديمي الجديد، جدّد ذوو طلبة وتربويون وأطباء نفسيون، الدعوة إلى إدراج الاختبارات النفسية ضمن المتطلبات الأساسية لتعيين المعلمين في المدارس.
وأكّدت دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي أن عملية تعيين الكادر التعليمي في المدارس تخضع لإطار تنظيمي شامل، يهدف إلى ضمان جودة التعليم، والامتثال للمعايير المهنية المعتمدة لضمان مراجعة دقيقة وشاملة للخلفيات الأكاديمية والمهنية.
وتفصيلاً، قال ذوو طلبة إن الميدان التربوي يحفل بشواهد عن معاملة بعض المعلمين لطلبتهم بما يمكن وصفه بـ«سلوك غير مسؤول» يكشف التواضع المهني والتربوي لدى هؤلاء المعلمين، ما يؤدي إلى عدائية الطالب لمعلمه ومدرسته، وقد يقود بشكل مباشر إلى تدني المستوى التحصيلي للطلاب وتراجع دافعيتهم للذهاب إلى المدرسة، فضلاً عن ضعف تفاعلهم في الصف تجنباً للإساءات التي قد تطالهم.
وأكّدوا أهمية استخدام الاختبارات النفسية للمعلمين لتقييم مختلف جوانب أدائهم وكفاءتهم، مثل المهارات الاجتماعية، والقدرات المعرفية، والسمات الشخصية، مشددين على أهميتها لتحديد مدى ملاءمة المرشح لمهنة المعلم، وأن تُستخدم هذه الاختبارات أيضاً في عمليات التقييم الوظيفي، وتطوير المهارات، وتقديم الدعم للمعلمين الذين يواجهون صعوبات.
كما دعا متخصصون إلى إخضاع المتقدمين لشغل وظيفة تعليمية أكاديمية أو إدارية، إلى الكشف الطبي النفسي للتأكد من توازنهم النفسي والعقلي، وأن يتم اعتماد إجراء هذه الاختبارات دورياً للتأكد من السلامة النفسية والعقلية للمعلم، مع ضرورة توفير أخصائيين ومدربين نفسيين واجتماعيين لتدريب المعلمين وتثقيفهم وتأهيلهم.
ورأت خبيرة القيادة التربوية، الدكتورة فاطمة المراشدة، أن «الاختبارات النفسية ضرورة، خصوصاً في المدارس التي تضم معلمين من خلفيات ثقافية متعددة، لضمان توافق الأساليب التربوية والقدرات النفسية في التعامل مع الطلبة»، لافتة إلى أن «الاختبار النفسي سيساعد على التأكد من سلامة المعلم النفسية، وملاءمته للتعامل مع ضغوط العمل التربوي، واحتياجات الطلبة المتنوّعة، ما يسهم في توفير بيئة تعليمية أكثر أماناً واستقراراً».
وأضافت المراشدة: «أهم السمات النفسية الواجب توافرها في المعلم هي الاتزان الانفعالي، والصبر، والقدرة على التعاطف، واحترام الفروق الفردية، والمرونة، والوعي الذاتي».
وشرحت أن «هذه السمات تساعد المعلم على التواصل الفعّال وإدارة الصف بشكل إيجابي وبناء علاقات إنسانية صحية مع الطلبة»، مشددة على أن الاختبارات النفسية تمثل أداة ضرورية لضمان اختيار معلمين مؤهلين نفسياً وتربوياً، فالمعلم الناجح ليس فقط من يمتلك المعرفة بل من يتمتع بسمات نفسية تُمكّنه من بناء بيئة تعليمية آمنة ومحفزة وإنسانية.
وأكدت الخبيرة التربوية في مجال الطفولة المبكرة، مريم الظهوري، أن «المؤسسات التربوية تحتاج إلى معلمين يملكون قلوباً واعية، وعقولاً متزنة، ونفوساً مطمئنة، لأنهم يحملون أمانة بناء الإنسان قبل أي شيء آخر، لذا يُعد إجراء اختبارات نفسية للمعلمين خطوة مهمة وأساسية، لا سيما في ظل تنوّع الجنسيات والثقافات داخل البيئة التعليمية»، لافتة إلى أن «تعدد الخلفيات يثري التجربة التربوية، لكنه يتطلب في المقابل معلمين يتمتعون بقدرة عالية على التكيّف، ووعي ثقافي، وتوازن نفسي، لضمان بيئة تعليمية آمنة ومتزنة لجميع الطلبة».
وقالت إن «الاختبار النفسي لا يُقصد به التشكيك في كفاءة المعلم، بل هو أداة داعمة تساعد لاختيار من يمتلك التهيئة النفسية للتعامل مع ضغوط المهنة، والتفاعل الإيجابي مع الأطفال، وفهم احتياجاتهم النمائية، خصوصاً في المراحل المبكرة»، مشيرة إلى أن «المعلم الناجح لا يُقاس فقط بمؤهلاته الأكاديمية، بل بشخصيته المتزنة نفسياً وقدرته على احتواء الطلبة».
وشددت على «ضرورة توافر سمات نفسية رئيسة في المعلم تشمل الاستقرار النفسي ليكون قادراً على اتخاذ قرارات تربوية هادئة ومتزنة، والمرونة والتفهم للتعامل مع الفروق الفردية بين الطلبة، ومع اختلاف البيئات الأسرية، والتعاطف، خصوصاً مع الأطفال في مرحلة التكوين، لأن التربية قبل التعليم، وإدارة الغضب والانفعالات باعتباره قدوة للطلبة، والانضباط الذاتي، إضافة إلى القدرة على العمل ضمن فريق لكون التعليم اليوم عملاً تشاركياً، لا يقوم على الجهود الفردية».
وأكد الاستشاري النفسي، الدكتور مدحت الصباحي، عدم كفاية الحصول على مؤهل تربوي لشغل وظيفة تربوية، حيث تلعب الصحة النفسية دوراً رئيساً في أهلية المرشح.
وقال إن «وظائف المعلمين من أهم الوظائف التي نحتاج إلى التأكد من أن من يشغلها ليس لديه مشكلات نفسية يمكن أن تؤثر في الأطفال، وليس من الضروري أن يكون مرضاً نفسياً، بل يكفي وجود بعض السمات الشخصية، مثل العنف أو العصبية أو التوتر، أو وجود انحرافات شخصية من الممكن أن تؤثر في الطلبة سلباً»، محذراً من أن سمات المعلم تؤثر في النشء عن طريق التقليد ونقل أفكار من الممكن أن يكون فيها انحياز أو تنمر.
وأضاف الصباحي: «من المهم ملاحظة السمات الشخصية للمتقدم للعمل بالوظائف التعليمية، ففي حال كان شخصية عصبية يؤدي ذلك إلى التأثير سلباً في الطلبة، وفي حال كان مصاباً بالاكتئاب أو القلق من الممكن أن يكون له تأثير مباشر في الطلبة، كما أن الأثر غير المباشر للمعلم على طلابه يشمل تقليدهم له في السلوكيات بصفته مثلاً أعلى».
وأشار الاستشاري النفسي، الدكتور نوفل إياد، إلى أن المعلمين من ضمن متطلبات تخرجهم دراسة مساق خاص بعلم النفس «السيكولوجي» وطرق التدريس والتعامل مع الأطفال، والطلبة ممن لديهم احتياجات خاصة، ما يعني أن يكون خريجو تخصصات التعليم والتربية قد حصلوا على دراسات وكورسات في علم النفس وعلم النفس السلوكي ومروا بقياسات واختبارات لتقييم الطلبة.
وقال: «إهانة الطالب تعد مخالفة قانونية صريحة، وتعريض الطالب للإهانة أو الضرب أو التنمر يسبب له قلقاً نفسياً، وينتج عنه كوابيس وتوتر وتبول ليلي، وانعزالية عند المراهقين»، مشيراً إلى أن أهم الملاحظات الواجبة عند عمل مقابلة وظيفية لمعلم، التعرف إلى رؤية المتقدم للوظيفة وأسلوبه التدريسي، وأهدافه وطموحاته ومدى حبه للمهنة وللطلبة، لكون المعلم أخاً وصديقاً وأباً ثانياً يساند طلابه.
في المقابل، أكد المعلمون محمد فتحي وياسر محمود ومرام خالد ونهلة معتمد، أن مهنة التعليم تنطوي على كثير من الصعوبات، ما يجعل العاملين فيها يواجهون كثيراً من الضغوط النفسية نتيجة العبء المهني، وقلة الوقت مع كثرة المهام الموكلة إلى المعلم، وسوء سلوك بعض التلاميذ، وتدني الرواتب مقارنة بالمهن الأخرى، وضعف برامج التدريب، وضيق الوقت وعدم كفايته للقيام بمتطلبات المهنة وما ينتج عنها من شعور بالضيق والتوتر، وعدم الرضا الوظيفي، وضعف الدافع للعمل والنجاح في المهنة، والشعور بالإنهاك والاحتراق النفسي ما يترتب عليه الإصابة بالعديد من الأمراض النفسية.
من جانبها، ذكرت دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي، لـ«الإمارات اليوم»، أنها لا تشترط إجراء اختبارات نفسية إلزامية للمرشحين لشغل وظيفة تربوية في المدارس الخاصة، إلا أنها تؤكد أهمية تقديم شهادة حسن السيرة والسلوك، إضافة إلى تقارير تثبت اللياقة الصحية للعمل، حيث تقوم المدارس بإجراء مقابلات شخصية شاملة بعد التأكد من المؤهل والخبرة المطلوبة، لتقييم ملاءمة المرشح من حيث الكفاءة المهنية والقدرة على التفاعل مع الطلبة والالتزام بالقيم التربوية، كما أنها تقيس مهاراته وقدراته على التواصل الاجتماعي، مع التركيز على لغة جسده وسلوكياته، مشيرة إلى أن المدرسة تُخضع المعلم لفترة اختبار خلال الشهور الأولى من عمله، حيث تُسجل أي ملاحظات عليه، ويتم التحقيق في هذه الملاحظات واتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً للوائح والقوانين المعمول بها.
وأكدت أن تعيين الكادر التعليمي يخضع لإطار تنظيمي شامل يهدف إلى ضمان جودة التعليم والامتثال للمعايير المهنية المعتمدة، وفقاً لسياسة معايير قبول الموظفين، حيث يتعين على موظفي المدارس والمعلمين الحصول على موافقة من الدائرة، ما يضمن مراجعة دقيقة وشاملة للخلفيات الأكاديمية والمهنية.
وأشارت إلى أن المتطلبات الأساسية لتعيين المعلمين تشمل درجة بكالوريوس أو درجة جامعية لمدة أربع سنوات أو أكثر في التخصص المطلوب، ورخصة مهنية معتمدة أو دبلوماً تربوياً، ويفضل تقديم شهادة خبرة مصدقة حسب الأصول، واجتياز اختبارات الكفاءة اللغوية، وتقديم شهادة الحالة الجنائية سارية، وتقرير طبي يثبت اللياقة البدنية، مع إلزامية أن تكون الوثائق مصدقة ومعادلة وفقاً للإجراءات المعمول بها، لافتة إلى أن المتطلبات تضمن استقطاب مرشحين مؤهلين ومهنيين ذوي كفاءة.
دبلوم نفسي
اقترح ذوو طلبة إلزام المعلمين بالحصول على شهادة أو دبلوم في التأهيل النفسي وأساليب التعامل مع الأطفال، بحيث يقوم الخريج، عقب الحصول على مؤهل تربوي، بالحصول على دورة تدريبية أو دبلوم في التأهيل والتعامل النفسي مع الأطفال، قبل ممارسته للمهنة، لكون المعلم المسؤول عن تشكيل عقل الطالب بنسبة أكبر من البيت.
«التعليم والمعرفة»:
• المدارس تجري مقابلات شخصية لتقييم المرشح.. وتعيين الكادر التعليمي يخضع لإطار تنظيمي شامل.