نشرت منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية تقريرا مطولا عن الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة، وبالذات عن التهجير القسري لسكان القطاع خلال فترة الحرب، مؤكدة أن النظام الإسرائيلي ينفذ منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية مستمرة في القطاع.
وتوقف تقرير المنظمة في البداية عند أعداد الضحايا من شهداء ومصابين خلال الحرب اعتمادا على تقارير وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، التي قدرت عدد القتلى نتيجة للهجوم المباشر بحوالي 68 ألفا و519 شخصا، غالبيتهم العظمى من المدنيين الذين لم يشاركوا في القتال، في حين قدرت عدد الجرحى بحوالي 170 ألفا و382 شخصا.
بيد أن المنظمة ذكرت أن سلسلة من الدراسات، التي نشرت على مدار أشهر الهجوم، تشير إلى أن هذه الأرقام تمثل تقديرا ناقصا لعدد القتلى، وأن ثمة سببا معقولا للاعتقاد بأن عدد الضحايا الذين حصدتهم الهجمات الإسرائيلية أكبر بكثير.
وتحدث المنظمة في تقريرها -من بين أمور أخرى- عن "موجات التهجير" الرئيسية في قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرة إلى أن تقسيم ما جرى إلى "موجات" هو تبسيط لروتين التهجير ودفع السكان بشكل ديناميكي ومستمر للنزوح من مناطقهم، والذي أملى مسار حياة سكان قطاع غزة دون توقف، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت إن خلال الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأكتوبر/تشرين الأول 2025، أصدر الجيش الإسرائيلي 161 أمر إخلاء على الأقل لسكان القطاع، كان العديد منها يأمر بإخلاء عشرات المناطق في الوقت ذاته.
ذكرت المنظمة في تقريرها أن الجيش الإسرائيلي أصدر في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (أي بعد 6 أيام فقط من اندلاع الحرب) أوامر الإخلاء الجماعي الأولى لسكان قطاع غزة، والتي أمرت حوالي 1.1 مليون إنسان من سكان شمال القطاع بمغادرة منازلهم والنزوح جنوبا في غضون 24 ساعة.
وقالت إن مئات آلاف من الأشخاص -الذين كانوا يتعرضون لقصف عنيف في ذلك الوقت- اضطروا إلى اتخاذ قرار متسرع بشأن المكان الذي سيهربون إليه، دون معرفة ما إذا كانوا سيتمكنون من العودة إلى منازلهم ومتى. ونتيجة لذلك، بدأ كثيرون بالفرار إلى وسط وجنوب القطاع ومعهم القليل من المعدات التي كان بإمكانهم حملها على أجسادهم.
وجاءت الموجة الثانية في ديسمبر/كانون الأول 2023، أي بعد حوالي شهرين من بدء الحرب، وبالتزامن مع بدء الهجوم على منطقة مدينة خان يونس في جنوب القطاع، حيث أمر الجيش الإسرائيلي حوالي نصف مليون شخص كانوا في خان يونس ووسط القطاع، نصفهم تقريبًا من المهجَّرين الذين وصلوا إلى تلك المناطق من الشمال خلال الشهرين السابقين، بإخلاء مساحة 80.8 كيلومترا مربعا، أي حوالي 22% من مساحة القطاع. وقد وصل معظمهم إلى منطقة مدينة رفح .
وفي السادس من مايو/أيار 2024، أصدر الجيش أوامر إخلاء جديدة طلبت من الموجودين في مدينة رفح التحرك نحو ما وصفها بـ"المنطقة الإنسانية" الجديدة والموسعة في المواصي، والتي تقلصت من ديسمبر/كانون الأول 2023 حتى مايو/أيار 2024 من حوالي 22% إلى حوالي 17% من مساحة القطاع، وفقا للتقرير.
وشهد أكتوبر/تشرين الأول 2024 موجة أخرى من التهجير، إثر إطلاق ما عرف بخطة الجنرالات، والتي سعت لمحاولة تهجير ما تبقى من المدنيين في شمال غزة عبر التجويع والحصار.
وقد طلب خلال ذلك من سكان مدينة غزة وبلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا النزوح جنوبًا إلى "المنطقة الإنسانية" في المواصي.
وذكرت المنظمة أن ممارسات إسرائيل في شمال القطاع، بما في ذلك سياسة التجويع والتدمير الواسعة النطاق وتهجير مئات آلاف السكان من منازلهم، اعتُبِرت من قبل العديد من الخبراء -بمن فيهم الأمين العام للأمم المتحدة- بأنها محاولة لتنفيذ تطهير عرقي.
بين يناير/كانون الثاني، ومارس/آذار 2025، عاد نحو نصف مليون مُهجَّر إلى الشمال، بعد وقف إطلاق النار الموقع في بداية العام 2025، وقد تحدث كثيرون في وصف الدمار والخراب الهائل الذي رأوه بأعينهم في الأماكن التي كانت تقوم فيها منازلهم وأحياؤهم ومدنهم ذات يوم.
وقالت المنظمة إنه منذ انتهاك وقف إطلاق النار في 18 مارس/آذار 2025 وحتى سبتمبر/أيلول 2025، توقفت إسرائيل تماما عن تحديد "مناطق إنسانية" مخصصة، في أوامر الإخلاء التي وزعتها على سكان القطاع، ولكنها واصلت في الوقت نفسه تهجير الناس من منازلهم في مناطق مختلفة، سواء في شمال القطاع أو في جنوبه.
ومع نهاية أغسطس/آب، وبداية سبتمبر/أيلول 2025، شنت إسرائيل هجوما واسع النطاق على مدينة غزة، وحددت للمرة الأولى منذ مارس/آذار 2025، "منطقة إنسانية" جديدة في محيط خان يونس، امتدت على حوالي 11% من مساحة القطاع.
وتحدثت المنظمة باستفاضة عن الظروف القاسية التي كانت تسود في مخيمات المهجرين، بما في ذلك الاكتظاظ الشديد والنقص الحاد في الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الأساسية، فضلا عن تفشي الأوبئة، وانعدام الرعاية للجرحى ولذوي الإعاقة، ومنع إدخال المستلزمات الأساسية كالعكازات والفوط الصحية.
كما تحدثت أيضا عن الآثار المستمرة للتهجير، بما في ذلك آثار حادة على الصحة النفسية بين سكان قطاع غزة.
وأشارت إلى دراسة على المهجَّرين في القطاع، أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2024، وجدت أن ما بين 70% و90% من المشاركين استوفوا معايير تشخيص اضطراب ما بعد الصدمة.
وأظهرت الدراسة أيضا أن لدى 63% منهم مؤشرات جدية على القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة في الوقت ذاته.
هذا وقد اعتقد الباحثون أنه خلافا للصراعات السابقة، حيث تمكن المهجَّرون من العثور على مأوى بديل في مرحلة ما، ظل المهجَّرون في القطاع محاصرين هذه المرة داخل منطقة حرب مستعرة طوال عدة أشهر، دون إمكانية الاستقرار من جديد أو ضمان الأمن الأساسي لأنفسهم أو البدء بعملية التعافي، وفقا للتقرير.
وبالإضافة إلى موجات التهجير الجماعية المتتالية، قالت المنظمة في تقريرها إن المجاعة في غزة ليست نتيجة ثانوية للحرب، بل هي النتيجة المتوقعة لسياسة التجويع المتعمدة والمعلنة التي تنتهجها إسرائيل، بعد أن دمرت وعطلت بشكل منهجي معظم منظومات إنتاج وتوزيع الغذاء التي كانت قائمة في القطاع.
وقالت إنه وبينما منعت بشكل منهجي إدخال الغذاء إلى القطاع، بدأت هيئة أميركية تسمى " مؤسسة غزة الإنسانية " (GHF) في نهاية مايو/أيار 2025 بتشغيل 4 "مراكز إغاثة" في القطاع، وقد كانت تلك المراكز، التي أقيمت بتشجيع ودعم من إسرائيل، تهدف -وفقا للتقرير- من بين أمور أخرى، إلى إجبار سكان القطاع على التجمع في المناطق المكتظة التي حددتها إسرائيل كمناطق إنسانية.
وذكرت أنه منذ الأيام الأولى من نشاطها، وصف ممثل الأمم المتحدة هذه المجمّعات بأنها "مصايد موت"، حيث يضطر حشود من المجوعين والمنهكين إلى الوقوف في ازدحام شديد والتنافس فيما بينهم على رُزم المساعدات القليلة، تحت نيران القوات الإسرائيلية التي كانت موجودة في المنطقة، والتي كانت تقوم بتأمين توزيع الغذاء، ظاهريًا.
وأضافت أنه في كل يوم تقريبا تم فيه تشغيل المراكز، قُتل عشرات الأشخاص بالرصاص في محيطها، معظمهم من سكان مخيمات المهجَّرين الذين وصلوا إليها في محاولة منهم للحصول على القليل من الطعام، لهم ولعائلاتهم.
وفي نهاية التقرير، أكدت المنظمة أنه وإزاء خطورة الجرائم التي تتحمل القيادة الإسرائيلية المسؤولية عنها، فمن واجب المجتمع الدولي التحرك بشكل فوري وحازم لضمان مثول صُناع القرار الإسرائيليين أمام العدالة ومطالبتهم بتحمل المسؤولية عن أفعالهم.
كما أكدت أنه -وبالإضافة إلى ذلك- يجب على المجتمع الدولي ضمان إدخال المساعدات الإنسانية المطلوبة في المدى الفوري، ثم البدء بعملية إعادة إعمار قطاع غزة، التي من المتوقع أن تستمر لعقود، دون تأخير وبطريقة فعالة، مع التغلب على الصعوبات والعراقيل التي تضعها إسرائيل، ومن المتوقع أن تواصل وضعها أمام عملية إعادة الإعمار كما جاء في التقرير.
المصدر:
الجزيرة