أثار رفض مندوب السودان للبنود 14 و15 و16 و17 الواردة في القرار الذي أجازه مجلس حقوق الإنسان في جلسته الجمعة، والتي تنص على إجراء تحقيق عبر لجنة تقصي الحقائق المشكلة من المجلس في انتهاكات مزعومة ارتكبت في الفاشر، جدلا واسعا في السودان، فما أسباب الرفض وتداعياته ولماذا تتخوف سلطة بورتسودان من لجنة التحقيق الدولية؟
عقب سيطرة الدعم السريع على الفاشر في السادس والعشرين من أكتوبر، كثفت وسائط إعلامية موالية للجيش السوداني، حملتها ضد انتهاكات مزعومة ارتكبها مقاتلون تابعون للدعم السريع ضد مدنيين.
ونشرت وسائل إعلام محلية ودولية صورا ومقاطع فيديو تظهر ارتكاب تلك الانتهاكات، أكدت منصات تحقق أوروبية متخصصة في كشف الأخبار الزائفة، أن معظم تلك المقاطع والصور كانت مفبركة.
وفي ظل الجدل المستمر حول حدوث انتهاكات بالفعل، والحاجة لإجراء تحقيق دولي لإظهار الحقيقة، جاء رفض سلطة بورتسودان لتحقيق موثوق تجريه بعثة التقصي الدولية وفقا لما نصت عليه البنود الأربع، مفاجئا للكثير من المراقبين، خصوصا مع إعلان قوات الدعم السريع ترحيبها بالبعثة.
وربط مراقبون رفض الفقرات الأربع بخوف سلطة بورتسودان من أن تمتد إدانات بعثة التقصي الدولية للجيش وأذرعه من الميليشيات المتفلتة المتحالفة معه، إضافة إلى احتمالية إدانة الجيش بسبب الفشل في حماية المدنيين أو التخلي عنهم، خصوصا بعد الانسحابات العشوائية وترك المدنيين في الفاشر، وما حولها، يلاقون مصير محتوم من الانتهاكات.
لماذا تتخوف بورتسودان؟
تتهم منظمات حقوقية، الجيش، ومجموعات متحالفة معه، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، شملت استخدام لأسلحة كيمائية في عدد من مناطق البلاد، إضافة إلى جرائم قتل واسعة خارج القانون طالت مئات المدنيين، استندت على أساس عرقي في الخرطوم وولاية الجزيرة وسط البلاد، خلال الأشهر الماضية.
ومع تصاعد الحديث عن جرائم خطيرة ارتكبتها كتائب إخوانية في العاصمة الخرطوم في يونيو، أبلغت السلطة القائمة في بورتسودان، رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان، بعدم رغبتها في وجود بعثة تقصي دولية في السودان.
ووفقا لتقارير البعثة فقد ارتكب الجيش انتهاكات صارخة للقانون الإنساني الدولي، شملت قصف المناطق السكنية والبنية التحتية، والقتل خارج القانون، والهجمات بدوافع عرقية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى جرائم ممنهجة، شملت القتل والتعذيب والاحتجاز في ظروف غير إنسانية.
ويؤكد إسماعيل مضوي، الخبير القانوني الذي عمل مستشارا في الأمم المتحدة، أن التباطؤ والمماطلة في التحقيقات الدولية، يساهم في تعزيز بيئة العنف والإفلات من العقاب، مما جعل انتهاكات الحرب الحالية امتدادا طبيعيا لنمط طويل من الانتهاكات غير المحاسب عليها.
ووفقا للكاتبة الصحفية صباح محمد الحسن، فإن المبرر الأكثر ترجيحا لحالة التناقض الواضحة في موقف سلطة بورتسودان، المطالب بمحاسبة قوات الدعم السريع، والرافض في نفس الوقت لدخول بعثة التقصي الدولية، هو الخوف من أن تكشف البعثة الجرائم الأخرى التي ارتُكبت في مناطق سيطرة الجيش.
واتهمت رحاب مبارك، المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، سلطة بورتسودان بمحاولة التكسب سياسيا من إثارة انتهاكات الفاشر، في حين أنها ترفض عمل بعثة التحقيق الدولية.
وتوضح: "رفض البنود الأربع المرتبطة بلجنة تقصي الحقائق والإجراءات المرتبطة بمزاولة عملها، يؤكد عدم حرص سلطة بورتسودان على الكشف عن الجرائم والانتهاكات في الفاشر، كما يشير إلى أن اثارتها للأمر تهدف للتكسب السياسي فقط".
وتحذر مبارك من أن يعزز مثل هذا الرفض مفهوم الإفلات من العقاب على جميع الجرائم المرتكبة من طرفي الحرب.
تداعيات الرفض
واعتبر المراقبون ترحيب تحالف "تأسيس" الذي يضم قوات الدعم السريع بدخول البعثة صفعة قوية لسلطة بورتسودان التي ترفض دخول البعثة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.
ومن جهته، أبدى السفير والخبير الدبلوماسي، الصادق المقلي، استغرابه الشديد من رفض مندوب سلطة بورتسودان للبنود الأربع.
ووضح: "هذا الرفض، يطرح تساؤلات محيرة ويبدو غريبا ومتناقضا، حيث إنه يأتي رغم اكتساب الانتهاكات المرتكبة في الفاشر زخما دوليا كبيرا، وفي ظل مطالب متزايدة من المجتمع الدولي تدعو لإرسال بعثة تحقيق".
ويقول المقلي لموقع سكاي نيوز عربية: "عادة يقتضي العرف الدبلوماسي في حالة الرفض عرض المسألة المطروحة للتصويت لكن مندوب السودان لم يطلب الذهاب للتصويت، بسبب إيحاء بعض الدول له بأن الذهاب للتصويت كان سيشكل هزيمة للوفد السوداني ويشكك في الانتهاكات نفسها".
ويشير المقلي إلى أن البعثة الدائمة لسلطة بورتسودان في جنيف ظلت منذ أبريل 2023 تلتف حول رفض البعثة، تحت مبرر أن لدى السلطة القائمة في بورتسودان آليات للتحقيق والمساءلة، لكنه نبه إلى أن المساءلة الدولية لا تعتمد على تقارير الدولة المعنية بالانتهاكات.
وأضاف: "الدعم السريع والجيش ارتكبا جرائم في عدة مناطق في السودان والقانون الدولي يحاسب القادة في المقام الأول".
واعتبر المقلي رفض مندوب السودان لهذه المواد الجوهرية بمثابة تبرع "مجاني" للدعم السريع بكسب نقاط تصب في صالحه.
وفي ذات السياق، تقول الكاتبة الصحفية صباح الحسن إن موافقة سلطة "تأسيس" على دخول البعثة ستأتي بنتائج سلبية على حكومة بورتسودان، وتوضح "بهذه الخطوة قد تكسب تأسيس القبول الدولي بصفتها متعاونة مع منظمات حقوق الإنسان".
لكن الحسن ترى أن هذا الموقف يضع المجتمع الدولي أمام معضلة معقدة، وتشرح رؤيتها بالقول "قد يفسر قبول التعامل مع تأسيس بأنه اعتراف بها، بينما قد يعرض رفض التعاون معها حياة المدنيين ومصالحهم الإنسانية للخطر".
المصدر:
سكاي نيوز