آخر الأخبار

هل تغير المجتمع الأميركي؟ وكيف فاز 38 مسلما بمناصب قيادية؟

شارك

يمثل الفوز القياسي للمسلمين في الانتخابات الأميركية الأخيرة نقطة تحوّل في مسار حضورهم السياسي والاجتماعي، إذ بات وجودهم في مواقع السلطة قادرا على التأثير في صناعة القرار داخليا ورسم ملامح السياسة الأميركية خارجيا، خاصة في ظل تنامي التصدعات داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وحسب تصريحات محللين وخبراء للجزيرة نت، فإن مكاسب المسلمين الأميركيين في الانتخابات الأخيرة تعكس انتقالهم من هامش السياسة إلى قلب المعادلة، ومن المشاركة الرمزية إلى الممارسة الفعلية للسلطة، بما يرسخ مواطَنتهم العملية ويمنحهم أدوات من أجل الدفاع عن حقوقهم وصياغة رؤى بديلة لسياسات البلاد.

وتقف وراء ارتفاع عدد المسلمين الفائزين في هذه الانتخابات جملة من الأسباب، وأهمها الزيادة غير المسبوقة في عدد المرشحين المسلمين هذا العام، وهو ما رفع تلقائيا احتمالات الفوز، مع توافر المؤسسات الإسلامية التي توفر الدعم والمساندة، وبما يمهد الطريق لمكاسب أكبر على المستوى الفدرالي في المستقبل، وتضع أمام الجالية المسلمة فرصة تاريخية لتوسيع نفوذها السياسي في مواجهة بيئة ما زالت تحمل قدرا من التحدي والعداء.

وجاء هذا التطور في أعقاب انتخابات أُجريت الأسبوع الماضي في بعض الولايات الأميركية، ترشّح فيها 76 مسلما وفاز منهم 38 بمناصب تتنوع بين عمد مدن وأعضاء مجالس تشريعية ونواب حكام ولايات، حسب تقرير لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير).

وأكد التقرير أن من أبرز نتائج هذه الانتخابات هو تولي زهران ممداني منصب عمدة مدينة نيويورك لأول مرة في تاريخها، وهي أكبر المدن الأميركية وأكثرها تأثيرا في المال والإعلام، وكذلك انتخاب غزالة هاشمي نائبا لحاكم فرجينيا. وحسب "كير" فإن ذلك يمثل "رقما قياسيا غير مسبوق"، ويرسخ صعود المسلمين إلى قلب المشهد القيادي الأميركي.

مصدر الصورة من اليمين: أسامة أبو أرشيد ونهاد عوض ومحمد علاء غانم (الجزيرة + وكالات)

أسباب ارتفاع عدد الفائزين المسلمين

يعود هذا الصعود اللافت إلى تضافر عوامل سياسية وتنظيمية وسياقية، دفعت إلى تمثيل المسلمين إلى مستويات غير مسبوقة، ويعود بعضها إلى نشاط الجاليات الإسلامية التنظيمي داخل المجتمع الأميركي، وهناك من الأسباب ما يعود إلى طبيعة المجتمع الأميركي الحالية والجدلية الدائرة داخل التركيبة الحزبية للجمهوريين والديمقراطيين.

إعلان

فالمدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) نهاد عوض يربط بين هذا الإنجاز وظهور بنية مؤسساتية فاعلة داخل المجتمع المسلم، من لجان تمويل وضغط سياسي إلى منظمات تدريب وتأهيل. وحسب رأيه، فإن هذه الكيانات لم تعد تكتفي بدعم المرشحين معنويا، بل تقدم لهم أدوات مهنية للعمل الانتخابي: من التخطيط الإستراتيجي للحملة، إلى إدارة التمويل، وتوجيه الرسائل الإعلامية التي تصل إلى الناخب الأميركي العادي، بما يتجاوز خطاب الهوية والدين إلى قضايا المعيشة والصحة والتعليم.

ويضيف عوض -للجزيرة نت- أن الحرب في غزة، وما رافقها من صور الحصار والمجازر المدعومة أميركيا لإسرائيل، لعبت دورا حاسما في تعبئة القاعدة الشعبية للمسلمين، ودفعت كثيرا منهم إلى الانخراط المباشر في السياسة، ليس فقط دفاعا عن القضية الفلسطينية، بل رفضا لترتيب الأولويات في واشطن بحيث تُقدَّم مصالح إسرائيل على مصالح المواطنين الأميركيين أنفسهم.

أما الكاتب والباحث السياسي أسامة أبو أرشيد فيربط هذا التقدم بسياق أوسع، حيث أصبح المسلمون جزءا من النقاش الأميركي حول هوية البلاد التي يريدونها: فهل ستكون أميركا بلد التنوع والعدالة والمساواة بين المواطنين، أم أميركا الانغلاق العرقي؟ ويؤكد أن دخول المسلمين هذا النقاش -رغم حملات التشويه والقوانين المقيِّدة- دليل على قدرتهم على المناورة والتأثير.

ويشير أبو أرشيد إلى أن هذا الشعور لم يقتصر على المسلمين، بل شاركتهم فيه شرائح واسعة من الشباب والديمقراطيين التقدميين، وحتى أصوات جمهورية بارزة انتقدت ما وصفته بـ"حرب إبادة" ضد الفلسطينيين.

ويشير المختص في الشؤون الأميركية محمد علاء غانم إلى سبب آخر يرجع إلى زيادة غير مسبوقة في عدد المرشحين المسلمين هذا العام، وهو ما رفع تلقائيا احتمالات الفوز. ويرى أن الفوز بالمناصب المحلية والولائية هو "خطوة أساسية تمهد الطريق للفوز بمقاعد في الكونغرس ومناصب فدرالية لاحقا".

أهمية هذه الانتخابات

تمثل هذه الانتخابات لحظة فاصلة في علاقة المسلمين بالدولة الأميركية، فالوجود في مواقع قيادية -من بلديات إلى نائب حاكم ولاية- يعني الانتقال من التمثيل الرمزي إلى الشراكة الحقيقية في صنع القرار.

ولذلك يشدد المدير التنفيذي لـ"كير" على أن القيادات المنتخبة باتت قادرة على صياغة تشريعات تحمي الأقليات وتعزز العدالة الاجتماعية، وأن هذا ما يجعل الحضور السياسي للمسلمين اليوم أكثر عمقا وتأثيرا من أي وقت مضى. مضيفا أن شخصية مثل غزالة هاشمي، التي فازت بمنصب نائب حاكم فرجينيا، تمثل نموذجا ملهما للنساء والشباب المسلمين، مما يرفع معدلات مشاركتهم السياسية مستقبلا.

وحسب تصريحاته للجزيرة نت، فإن المختص في الشؤون الأميركية يعتبر فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك "اختراقا تاريخيا"، نظرا لأهمية المدينة على المستويين الاقتصادي والإعلامي، ويرى أن مثل هذه الانتصارات ستخلق حالة من الألفة المتزايدة والتعود لدى الجمهور الأميركي تجاه القيادات المسلمة.

أما الباحث السياسي فيرى أن هذا الفوز دليل على نضج جيل جديد من المسلمين الأميركيين المندمجين بعمق في المجتمع، الرافضين لمحاولات التشكيك في ولائهم أو هويتهم، مستشهدا بما تعرض له نواب مثل إلهان عمر ورشيدة طليب من هجمات عنصرية، ورغم ذلك واصلوا التقدم في المشهد السياسي.

موقع المسلمين في المجتمع الأميركي

يرى المتحدثون أن هذه المكاسب الانتخابية رسخت صورة المسلمين كجزء أصيل من "بوتقة الصهر" الأميركية، التي تحفظ خصوصيات المكونات الثقافية والدينية دون إذابتها.

إعلان

فأسامة أبو أرشيد يؤكد أن المسلمين اليوم يناقشون قضايا المجتمع اليومية -من مكافحة الفقر والبطالة إلى مواجهة التضخم – بنفس القدر الذي يناقشون فيه القضايا الدولية، مثل الحرب على غزة، مما يعني أنهم لم يعودوا محصورين في قضايا "الهوية" أو "الطائفة"، بل أصبحوا فاعلين في الشأن العام بمفهومه الواسع.

ويضيف محمد علاء غانم -للجزيرة نت- أن دخول المسلمين إلى المناصب العامة يغير تدريجيا الصورة النمطية عنهم، ويمكّنهم من كسر الحواجز النفسية والسياسية التي حالت سابقا دون قبولهم في مواقع القرار، رغم استمرار التحديات، ومن بينها الحملات التي تسعى لربط أي مرشح مسلم بالإرهاب -كما حدث مع ممداني الذي تعرض لمحاولة ربطه بهجمات 11 سبتمبر /أيلول 2001، ولكن ذلك فشل أمام إرادة الناخبين في نيويورك.

أما نهاد عوض فيصف هذه المرحلة بأنها "ترسيخ للمواطنة العملية"، حيث أصبح للمسلمين قناة مباشرة للتأثير في السياسات التي تمس حياتهم وحياة مواطنيهم، بدلا من البقاء على هامش دوائر صنع القرار.

تأثير فوز المسلمين في السياسة الأميركية

تتعدد صور تأثير هذه الانتخابات بين صنع القرار الداخلي، بما يوسّع هذا الحضور من أجندة القضايا المطروحة، لتشمل العدالة الاقتصادية، والرعاية الصحية، والتعليم، وحماية الحقوق المدنية، بالإضافة إلى رسم ملامح السياسة الخارجية بما في ذلك نقد السياسات التي تقدم مصالح إسرائيل على مصالح الأميركيين، حسب المحللين.

فعوض يقول إن هذا التوسع يعكس تغيرا في المزاج العام، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي تظهر انخفاض التأييد لسياسات إسرائيل، خاصة بين الشباب والديمقراطيين، وأن وجود ممثلين مسلمين يضفي شرعية على هذا التحول ويؤطره سياسيا.

وفي ما يتعلق بدخول المسلمين دوائر صنع القرار، فإن أسامة أبو أرشيد يرى أن ذلك يتيح مراجعة القوانين التي تستهدفهم، ويكشف الانقسامات الحزبية حول السياسة الخارجية، خاصة الدعم الأميركي لإسرائيل، مستشهدا باستطلاع أظهر أن 79% من القاعدة الديمقراطية تتعاطف مع الفلسطينيين مقابل 8% فقط مع إسرائيل.

أما على الصعيد الخارجي، فيعتبر علاء غانم أن هذه المكاسب على المستوى المحلي تمهد الطريق لتأثير أكبر على السياسة الفدرالية، مما قد يغيّر معادلة الخطاب الأميركي في القضايا المرتبطة بالعالم الإسلامي إذا استمرت هذه الموجة التصاعدية.

وتجمع آراء المتحدثين على أن ما تحقق لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة عمل منظم وتراكم جهود سياسية ومجتمعية، مدفوعة بوعي متزايد لدى المسلمين الأميركيين بضرورة الاستثمار في العملية السياسية، إلى جانب انفتاح نسبي في الرأي العام بفعل أحداث كبرى مثل حرب غزة.

بيد أن هذا التقدم يقابله تصعيد منظم من خصوم سياسيين وتشريعيين يسعون لإعاقة تمدد النفوذ المسلم، مما يجعل المرحلة المقبلة اختبارا لمدى قدرة الجالية المسلمة على تحصين مكاسبها وتحويلها إلى حضور مستدام في المشهد الأميركي.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا