في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واشنطن- في كلمة مؤثرة إثر انتخابه عمدة نيويورك، الثلاثاء الماضي، أهدى زهران ممداني ، النصر التاريخي إلى سكان المدينة من كل الفئات، وخصّ بالذكر أكثر من 100 ألف متطوع في حملته الانتخابية، قبل أن يعبّر عن شكره وامتنانه العميق لوالديه وزوجته.
وبعث ممداني (34 عاما)، المسلم ذو الأصول الأوغندية الهندية، رسالة مفادها أنه ليس البطل الوحيد لتلك "الملحمة السياسية" التي كسرت كثيرا من قواعد اللعبة الانتخابية في أميركا، وأنه كان مسنودا بجنود الخفاء على كل الجبهات، الإستراتيجية والإعلامية، ناهيك عن السند العاطفي والأيديولوجي.
وقال "أنتم أكثر من 100 ألف متطوع حوّلتم هذه الحملة إلى قوة لا تُقهر. بفضلكم، سنجعل نيويورك مدينة يحبها العمال ويعيشون فيها من جديد. مع كل باب طرقتموه، وكل توقيع على عريضة حصلتم عليه، وكل حوار جاد، قضيتم على المسخرة التي أصبحت تُميّز سياستنا".
ويعود الفضل في تعبئة عدد المتطوعين الأكبر في تاريخ الانتخابات المحلية بهذه المدينة إلى الخبيرة تاشا فان أوكين، ذات الميول الديمقراطية الاشتراكية، التي أدارت الحملة الميدانية ولعبت دورا مهما في زيادة إقبال الناخبين الشباب على التصويت.
كما راهن ممداني على المتبرعين الصغار لمواجهة الساسة التقليديين من الحزب الديمقراطي المسنودين من الدوائر المالية والاقتصادية. وخلافا لمنافسه أندرو كومو الذي جذب تبرعات ضخمة من أصحاب المصالح المالية، اعتمد على قدوته في العمل السياسي بيرني ساندرز في حملته الرئاسية عام 2016.
وتشير الأرقام إلى أنه في شهر مارس/آذار الماضي أوقف ممداني جمع التبرعات للانتخابات التمهيدية التي جرت في يونيو/حزيران الفارط بعد بلوغه الحد الأقصى للإنفاق القانوني في وقت قياسي، وقد استقطب أكثر من 8 ملايين دولار من 180 ألف متبرع.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، حقق الإنجاز نفسه وألغى جمع التبرعات للانتخابات العامة التي جرت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري بعد أن وصل إلى سقف 8 ملايين دولار بأسرع من أي وقت مضى.
كما خاطب ممداني فريق حملته "الذين حوّلوا مشروعا انتخابيا إلى شيء أكبر بكثير"، وقال "لن أستطيع أبدًا التعبير عن مدى امتناني. يمكنكم النوم الآن"، في إشارة إلى الجهود الكبيرة التي بذلوها طيلة نحو عام من العمل المتواصل.
ورغم أن أضواء الإعلام كانت طوال الوقت مسلطة عليه باعتباره مرشحا غير مألوف من حيث السن والخلفية الأيديولوجية والعرقية، في مدينة تحكمها مؤسسة حزبية ومالية واقتصادية راسخة، فإن ذلك لم يحل دون الاهتمام بالدائرة المحيطة بهذا الديمقراطي الاشتراكي الذي أصبح أول عمدة مسلم لعاصمة الرأسمالية العالمية.
واختار ممداني أغلب مساعديه شبانا في عمره أو أصغر سنا، بعضهم ذوو ميول يسارية ولهم سجلات حافلة في العمل الاستشاري في المجال السياسي والحقوقي وفي الشؤون العامة وقضايا الهجرة، كما حرص على التنوع في الطاقم العامل معه وكان من مستشاريه ومساعديه مسلمون ويهود.
الديمقراطي الشاب زهران ممداني يصبح أول عمدة مسلم لمدينة #نيويورك.. فكيف كان الطريق إلى المنصب؟#الجزيرة_أخبار pic.twitter.com/8IYKjsboiG
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 5, 2025
ورغم أن فريق حملته كان يضم العشرات، فإن المقربين منه كانوا قليلين جدا وعلى رأسهم إيل بيسغارد-تشيرش (34 عاما)، كبيرة المستشارين التي توصف بأنها "الأكثر نفوذا"، وهي تشترك معه في الانتماء إلى حركة الاشتراكيين الديمقراطيين الأميركيين.
وقبل أن تتولى ذلك المنصب، أدارت حملة ممداني التمهيدية الناجحة ضد حاكم نيويورك السابق أندرو كومو، بعد أن كانت رئيسة لموظفي ممداني منذ انتخابه عضوا بالمجلس التشريعي للمدينة.
وحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن الفضل يعود إلى بيسغارد-تشيرش المتخرجة من إحدى جامعات " رابطة اللبلاب " الراقية، في تركيز الحملة على قضايا القدرة على تحمل التكاليف وجودة الحياة، مثل تجميد الإيجارات وضمان حافلات مجانية لسكان المدينة.
وقال ممداني عنها "لقد كانت في صميم ما أفخر به من إنجازات. ما كنت لأفوز بهذا السباق لولا توجيهها حملتنا". ومن المتوقع أن تكون من أقرب مستشاريه عند توليه مهامه رسميا في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل.
وعلى خطاها، آلت إدارة الحملة إلى مايا هاندا (30 عاما) وهي خبيرة إستراتيجية سياسية مخضرمة ذات خبرة واسعة في العلاقات العامة بفضل عملها مع شخصيات تقدمية بارزة محليا ووطنيا، وسبق لها أن عملت مع ممداني خلال تجربته التشريعية.
كما كان ممداني يعتمد على كبير المستشارين موريس كاتز في التخطيط الإستراتيجي والسياسي وفي إدارة الحملات الإعلانية، وكان يلعب دور المبعوث إلى القادة اليهود المرتابين من مواقفه المؤيدة للفلسطينيين.
وساهمت خبيرة التواصل زارا رحيم (34 عاما) في بناء مكانة ممداني لدى شريحة واسعة من سكان المدينة وخاصة المشاهير، مستفيدة من عملها سابقا في الحملات الرئاسية ل باراك أوباما و هيلاري كلينتون . وكانت من أقوى المؤيدين للفلسطينيين في نقاشات الحملات الانتخابية عن الحرب الإسرائيلية على غزة .
وإلى جانب الشبان، اعتمد ممداني على براد لاندر (56 عاما) وهو مراقب مدينة نيويورك وأعلى مسؤول يهودي في مجلسها البلدي، الذي أيد بقوة ترشيحه ودافع عنه في وجه الاتهامات بمعاداة السامية، ويتوقع كثيرون أن يتبوأ منصبا رفيع المستوى في إدارته.
وراجت، في وقت سابق، أنباء عن خلافات داخل فريق ممداني، لكن المتحدثة باسم حملته دورا بيكيك (24 عاما) نفت ذلك وقالت، إن ممداني "يفخر بكونه محاطا بفريق من خلفيات متنوعة. ما يوحده ليس أصولهم، بل التزامهم المشترك بالنضال من أجل عمال نيويورك وتوفير مدينة يستطيع الجميع العيش فيها".
كان ممداني يستمد قوة شخصيته وحماسه من والده محمود ممداني وهو أكاديمي من طراز عالمي، ووالدته ميرا ناير وهي مخرجة سينمائية مرموقة، وقد لعبا دورا كبيرا في صقل هويته المركبة ومتعددة المشارب وفي بلورة وعيه السياسي بقضايا العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية.
وقد عبر عن ذلك التأثير في أكثر من مناسبة، وأكده من جديد في ليلة الاحتفاء بالفوز عندما أهدى النصر "إلى والديّ: ماما وبابا لقد جعلتما مني الرجل الذي أنا عليه اليوم. أنا فخور جدا كوني ابنكما".
وممداني هو الابن الوحيد لوالديه وقد ولد في أوغندا وانتقل معهما إلى جنوب أفريقيا وهو في سن الخامسة قبل أن يرافقهما في ربيعه السابع إلى نيويورك حيث درس وانخرط مبكرا في العمل الإنساني، وشارك متطوعا في عدة حملات انتخابية قبل أن ينخرط في العمل السياسي.
كما استلهم هويته السياسية في صفوف الحزب الديمقراطي من الجناح التقدمي الذي يمثله عضوا مجلس الشيوخ بيرني ساندرز و ألكساندريا أوكاسيو -كورتيز اللذان كانا حاضرين بقوة في أبرز محطات حملته الانتخابية.
وترأس ساندرز العديد من التجمعات الانتخابية وأشاد مرارا بمؤهلات ممداني، وقال إنه يمثل مستقبل الحزب الذي يعيش حاليا مرحلة انحسار شديد بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية عام 2024.
والتقى ساندرز بممداني بعد الفوز وجدد إسداء النصائح له في الحكم وخاصة أول 100 يوم في منصبه عمدة لأكبر مدينة أميركية بميزانية قدرها 115 مليار دولار ويعمل في مجلسها البلدي 300 ألف موظف.
أما أوكاسيو -كورتيز فكانت من أول مؤيديه، ولعبت دورا بارزا في حشد المكون اليساري في الحزب الديمقراطي لدعم ممداني الذي أقر بأنه استفاد من تجربتها في التواصل المباشر بالناخبين.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة