وجّه قضاة المحكمة العليا الأمريكية، التي يهيمن عليها المحافظون، انتقادات حادة للرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، وهي القضية التي كان لها تداعيات واسعة على أجندته الداخلية والاقتصاد العالمي.
وأبدى رئيس المحكمة العليا جون روبرتس، والقاضيان نيل غورسوش إيمي كوني باريت، وهم ثلاثة قضاة من المحافظين، شكوكهم في مبررات الحكومة لفرض هذه الرسوم الجمركية.
وتنظر أعلى محكمة في الولايات المتحدة دعوى قضائية رفعتها شركات صغيرة ومجموعة من الولايات الأمريكية، التي ترى بأن معظم الرسوم الجمركية غير قانونية نظراً لأن الكونغرس هو وحده صاحب السلطة في فرض ما يُعتبر في الواقع ضريبة.
لكن هناك بعض القضاة المحافظين الذين أظهروا أيضاً تعاطفاً مع حجج محامي ترامب، وهي أن الرئيس يتمتع بسلطة واسعة في الشؤون الخارجية، بما في ذلك التجارة والرسوم الجمركية.
وإذا خسرت الحكومة الأمريكية القضية، فقد تضطر إلى إعادة مليارات الدولارات التي جمعتها من فرض هذه الرسوم الجمركية، وحذرت القاضية إيمي كوني باريت، من أن هذه العملية قد تتحول إلى "فوضى عارمة".
وعادة ما تستغرق هيئة المحكمة العليا، ذات الأغلبية المحافظة بنسبة 6-3، شهوراً لاتخاذ قرارات مهمة، لكنها قد تصدر قرارها في هذه القضية بشكل أسرع.
وفي إشارة محتملة إلى تعقيدات القضية، استمرت جلسة الاستماع يوم الأربعاء، ما يقرب من ثلاث ساعات، وهو وقت أطول بكثير من الوقت المخصص رسمياً.
وعلق وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، بأنه حتى لو حكم القضاة ضد ترامب، فإن الإدارة الأمريكية ستلجأ إلى سلطات قانونية أخرى للإبقاء على الرسوم الجمركية سارية المفعول.
وقال رئيس المحكمة جون روبرتس: "يتم استخدام هذا التبرير لمنح السلطة لفرض رسوم جمركية على أي منتج من أي بلد بأي مبلغ، ولأي فترة زمنية".
بينما تساءل القاضي غورسوش، في حال حكمت المحكمة لصالح ترامب في هذه القضية: "ما الذي سيمنع الكونغرس من التخلي عن مسؤولياته الكاملة في تنظيم التجارة الخارجية؟"
وأضاف أنه "يجد صعوبة" في إيجاد سبب مقنع لقبول حجج المدعي العام الأمريكي جون ساور.
أما قضاة المحكمة الليبراليون وعددهم ثلاثة، فقد أعربوا عن شكهم بشأن ما إذا كان القانون الفيدرالي - والدستور الأمريكي - يمنح الرئيس سلطة تحديد مستويات الرسوم الجمركية على الواردات الأجنبية من جانب واحد.
تتمحور القضية حول قانون صدر عام 1977، وهو قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)، الذي قال محامو ترامب إنه يمنح الرئيس سلطة فرض الرسوم الجمركية.
على الرغم من أن الدستور يمنح الكونغرس تحديداً سلطة فرض الرسوم الجمركية، فقد ادعى ترامب أن الهيئة التشريعية فوضته سلطة "طارئة" لتجاوز الإجراءات الأطول والأكثر جموداً.
أما المدعي العام جون ساور، الذي يترافع عن إدارة ترامب في القضية، فقال إن البلاد تواجه أزمات فريدة من نوعها، وصفها بأنها "مدمرة للبلاد وغير قابلة للاستمرار"، وهو ما يستلزم اتخاذ إجراءات طارئة من جانب الرئيس.
وحذر ساور من أنه إذا ما قُضي بعدم قانونية صلاحيات ترامب في فرض الرسوم الجمركية، فإن ذلك سيعرض الولايات المتحدة "لانتقام تجاري قاس" وسيؤدي إلى "عواقب اقتصادية وأمنية وخيمة على المستوى الوطني".
استخدم ترامب قانون صلاحيات الطوارئ الاقتصادية الدولية، لأول مرة في فبراير/شباط، لفرض ضرائب على السلع المستوردة من الصين والمكسيك وكندا، بذريعة أن تهريب المخدرات من تلك الدول يشكل حالة طوارئ.
ثم استخدمه مرة أخرى في أبريل/نيسان، حين أمر بفرض رسوم جمركية تتراوح بين 10 في المئة و50 في المئة على السلع المستوردة من جميع دول العالم تقريباً. وبرر هذا أيضاً بقوله إن العجز التجاري الأمريكي، تستورد الولايات المتحدة أكثر مما تصدر، يشكل "تهديداً استثنائياً وغير عادي".
وقد بدأ تطبيق هذه الرسوم الجمركية بشكل متقطع خلال هذا الصيف، بينما كانت الولايات المتحدة تضغط على الدول لإبرام "اتفاقيات".
لكن محامو الولايات والجهات الخاصة الرافضة للرسوم الجمركية، جادلوا بأن قانون صلاحيات الطوارئ الاقتصادية الدولية، منح الرئيس سلطة تنظيم التجارة، لكنهم لم يذكروا كلمة "التعريفات الجمركية".
وقال نيل كاتيال، الذي يمثل الشركات الخاصة، إنه من "غير المعقول" أن يكون الكونغرس قد "منح الرئيس سلطة إصلاح نظام التعريفات الجمركية بالكامل والاقتصاد الأمريكي كله، مما يسمح له بتحديد وإعادة تعيين التعريفات الجمركية على أي منتج من أي دولة، في أي وقت".
كما شكك كاتيال في ما إذا كانت القضايا التي استند إليها البيت الأبيض، وخاصة وجود عجز تجاري، تمثل نوعاً من حالات الطوارئ التي نص عليها القانون.
وتساءل صامويل أليتو، وهو قاضٍ محافظ آخر: "لنفترض أن أمريكا واجهت تهديداً بالحرب من عدو قوي للغاية، هل يمكن للرئيس بموجب هذا البند فرض تعريفة جمركية لتجنب الحرب؟"
وأشار المحامي كاتيال إلى أن الرئيس يمكنه فرض حظر أو منح حصة "كوتا"، لكن فرض تعريفة جمركية لزيادة الإيرادات يُعد تجاوزاً للحدود المسوح له بها.
لكن المحامي العام ساور، يرى أن هذه حجة خاطئة. وقال إن الرؤساء يتمتعون بسلطات واسعة على الأمن القومي والسياسة الخارجية، وهي سلطات يريد المعترضون تقييدها.
قد يكون السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت المحكمة ستحدد ما إذا كانت تعريفات ترامب الجمركية ضريبة أم لا.
وأشار العديد من القضاة إلى أن سلطة فرض الضرائب، لزيادة الإيرادات، منصوص عليها صراحةً في الدستور لصالح الكونغرس.
وكان رد ساور على هذه النقطة، بأن تعريفات ترامب الجمركية تمثل فقط وسيلة لتنظيم التجارة وأن أي إيرادات تنتج عنها هي "أمرعرضي فقط".
لكن ترامب نفسه تفاخر بالمليارات التي حققتها تعريفاته الجمركية حتى الآن، معتبراً أن هذا المصدر الجديد للتمويل ضروري للحكومة الفيدرالية.
لم يستغرق قضاة المحكمة طويلا في طرح أسئلة حول استرداد الأموال أو ما إذا كانت إعلانات الرئيس لحالة الطوارئ مبررة. وبدلاً من ذلك، قضوا معظم وقتهم في دراسة نص قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية وتاريخه.
وحثهم ساور على فهم التعريفات الجمركية كامتداد طبيعي للسلطات الأخرى الممنوحة للرئيس بموجب القانون بدلاً من اعتبار أنها ضريبة. وقال: "لا أستطيع قول المزيد عنها، إنها تعريفة تنظيمية وليست ضريبة".
لكن هذا كان يمثابة عقبة أمام العديد من القضاة.
وقالت القاضية سونيا سوتومايور: "تريدون القول إن التعريفات الجمركية ليست ضرائب، لكن هذا هي بالضبط كذلك".
وكان من الواضح اقتناع الكثيرين بحجج رجال الأعمال والولايات الأمريكية بأن الرسوم الجمركية، باعتبارها ضريبة تدفعها الشركات الأمريكية، تختلف جوهرياً عن أنواع الصلاحيات الأخرى التي يمنحها القانون للرئيس.
لكن لم يكن كل القضاة على نفس الدرجة من القناعة.
أعرب القاضي بريت كافانو، عن شكوكه في هذه النقطة في نهاية الجلسة، قائلاً إنه لا يبدو من "المنطق السليم" أن يتم منح الرئيس سلطة حظر التجارة بالكامل، في حين لا يمكنه فرض رسوم جمركية بنسبة 1 في المئة، مشيراً إلى أن ذلك يمثل ثغرة كبيرة.
وردت القاضية كيمبرلي مور بنيامين جوتمان، قائلة "إنها ليست ثغرة، إنها نوع مختلف من المعجنات"، مما أثار ضحكات بين الحضور.
لم يعلق وزير الخزانة بيسنت، الذي حضر الجلسة، عندما سألته بي بي سي عن رأيه. أما وزير التجارة هوارد لوتنيك، الذي كان حاضراً أيضاً في المحكمة، فأشار بإبهامه علامة الموافقة بأن اللأمور جيدة.
شهدت الجلسة حضوراً كاملاً، حيث اضطرت وسائل الإعلام إلى الجلوس في مقاعد إضافية خلف الأعمدة.
إذا حكمت أغلبية المحكمة العليا لصالح ترامب، فسوف يلغي ذلك قرارات ثلاث محاكم أدنى درجة حكمت بالفعل ضد الإدارة الأمريكية.
سيكون للقرار، بغض النظر عن نتيجته، تداعيات على ضرائب الاستيراد المدفوعة بالفعل والتي تُقدر بنحو 90 مليار دولار، أي ما يقرب من نصف إيرادات الرسوم الجمركية التي جمعتها الولايات المتحدة هذا العام حتى سبتمبر/أيلول، وفقاً لمحللي مؤسسة ويلز فارجو.
حذر مسؤولو إدارة ترامب من أن هذا المبلغ قد يرتفع إلى تريليون دولار إذا استغرقت المحكمة حتى يونيو لإصدار حكمها.
وقال كاتيال إنه إذا اضطرت الحكومة إلى رد هذه الإيرادات، فقد تحصل الشركات الصغيرة على استرداد، لكن الشركات الكبرى سيتعين عليها اتباع "الإجراءات الإدارية". واعترف بأن الأمر "معقد بشدة".
في تصريحاتها يوم الأربعاء، ألمحت السكرتيرة الصحفية في البيت الأبيض كارولين ليفيت، إلى أن الإدارة تبحث بالفعل عن طرق أخرى لفرض الرسوم الجمركية إذا حكمت المحكمة العليا ضدها.
وقالت: "البيت الأبيض يستعد دائماً بالخطة البديلة".
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة