في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مشهد نادر في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية، شارك ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر مبعوثا الرئيس الأميركي دونالد ترامب في جلسة الحكومة الإسرائيلية، في خطوة فسّرها محللون بأنها إشارة دعم مباشرة من واشنطن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مواجهة وزرائه "اليمينيين" الذين يعارضون اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.
وقد كشفت تلك المشاركة الأميركية، التي تخطّت حدود التنسيق الدبلوماسي إلى الحضور داخل مقر القرار الإسرائيلي -وفق مراقبين- عن استخدام واشنطن نفوذها السياسي والرمزي لضمان تمرير الاتفاق، واحتواء أي تمرّد داخل ائتلاف نتنياهو المأزوم، في ظل تصاعد الأصوات الرافضة من سموتريتش وبن غفير وغيرهما من قادة ما يطلق عليه اليمين المتطرف الذين هددوا بالتصويت ضد الخطة.
ويرى مارك فايفل المستشار الأميركي السابق أن إدارة الرئيس قررت التدخل بهذه الطريقة المباشرة لتثبيت موقف نتنياهو، بعدما تبيّن أن رئيس الوزراء يفتقر إلى إجماع داخلي داخل حكومته.
وبحسبه، فإن دخول كوشنر وويتكوف إلى جلسة الحكومة الإسرائيلية يحمل دلالة رمزية قوية على أن واشنطن لم تكتفِ بدعم نتنياهو من بعيد، بل اختارت أن تكون جزءا من مشهد القرار نفسه، لتؤكد أن الصفقة تحظى بغطاء أميركي كامل.
ويعكس هذا الدعم، كما يصفه الأكاديمي المتخصص في الشؤون الإسرائيلية محمود يزبك، إدراك نتنياهو لضعفه داخل حكومته، فهو اليوم -كما يرى- يواجه وزراء صنع هو فاشيتهم وساهم في صعودهم، ثم باتوا يهددون وجوده السياسي.
ولذلك، استعان نتنياهو بالرمزية الأميركية لإقناع شركائه بأن الموقف الذي يتبناه ليس خيارا شخصيا بل كان توجها مدعوما من الحليف الأقوى لإسرائيل. وتاريخيا، لم يكن الدعم الأميركي لنتنياهو موضع شك لكنه اليوم تجاوز الدعم السياسي التقليدي إلى ممارسة ضغط مباشر على شركائه في الحكم.
ويشير يزبك إلى أن نتنياهو يخشى من أن يتحول رفض بعض الوزراء للصفقة إلى كرة ثلج تتدحرج وتفجّر حكومة نتنياهو، وهو ما دفعه إلى استخدام الحضور الأميركي رافعة سياسية داخلية تردع معارضيه وتمنحه غطاء شرعيا أمام قاعدته اليمينية.
أما الباحث الفلسطيني في العلاقات الدولية بلال سلايمة فيرى أن هذا الحضور الأميركي يحمل في طياته رسالة مزدوجة: فمن جهة هي دعم لنتنياهو في لحظة سياسية حرجة، ومن جهة أخرى تعبير عن رغبة واشنطن في فرض الإيقاع على مسار الاتفاق بما يخدم رؤيتها لما بعد الحرب في غزة.
ويضيف أن الإدارة الأميركية تسعى لأن تكون الطرف الضامن الوحيد للاتفاق، مما يعني تهميش الدورين الإقليمي والعربي، وحصر مفاتيح التنفيذ في يد البيت الأبيض .
ويعتبر سلايمة أن تصريحات ترامب الأخيرة -التي أكد فيها أنه لن يُجبر أحد على مغادرة غزة- تُظهر أن واشنطن تريد طيّ صفحة التهجير القسري علنا، دون أن يعني ذلك بالضرورة تغييرا جذريا في السياسة الأميركية تجاه الاحتلال أو تجاه مفهوم السيطرة الأمنية على القطاع.
فجوهر الموقف الأميركي لا يزال مرتبطا بتثبيت الترتيبات الميدانية التي تحفظ لإسرائيل أمنها، وتمنع إعادة بناء قوة المقاومة.
ويرى محللون أن الإدارة الأميركية تدرك هشاشة الائتلاف الإسرائيلي، لذلك تتعامل معه كعامل ضغط داخلي يمكن توظيفه لتمرير اتفاق يخدم أهدافها الأوسع في المنطقة.
فترامب -بحسب تصريحات فايفل- يميل إلى المبالغة في وعوده، لكن أسلوبه السياسي يقوم على "رفع السقوف" لتصنيع الزخم والدفع بالوقائع إلى الاتجاه الذي يريده، سواء عبر التصريحات المفرطة في التفاؤل أو عبر الحضور الرمزي المكثف كما حدث في جلسة الحكومة الإسرائيلية.
وفي خلفية هذا المشهد، تحاول واشنطن أن توازن بين حماية نتنياهو من تمرد داخلي وبين فرض مسار سياسي يضمن إنهاء الحرب بشروط تكرّس نفوذها، فإدارة ترامب -وفق المتابعين- لا تريد أن تبدو كمن يتنازل للفلسطينيين، بل من يفرض على إسرائيل "اتفاقا من داخلها" يحقق الاستقرار ويمنع الانهيار الإنساني دون أن يمس تفوقها الأمني.
غير أن هذا الدور الأميركي المنفرد يثير مخاوف لدى بعض المحللين من غياب آليات رقابة واضحة على تنفيذ الاتفاق. فبحسب سلايمة، لا توجد ضمانات دولية أو عربية موازية يمكنها إلزام إسرائيل بعدم خرق التفاهمات، خصوصا في ظل سوابق الاحتلال في تجاوز الالتزامات.
ولهذا يقترح أن تُنشأ شبكة ضمانات متعددة الأطراف تشارك فيها قطر ومصر وتركيا إلى جانب واشنطن، لضمان استمرار وقف إطلاق النار واستقرار الأوضاع الإنسانية.
ورغم أن نتنياهو يحاول إظهار الاتفاق على أنه انتصار سياسي بفضل علاقته الخاصة بواشنطن، فإن القراءة الأعمق -كما يوضح يزبك- تكشف أنه خضع في النهاية لضغوط أميركية متزايدة أجبرته على قبول ما كان يرفضه سابقا، مما يعني أن واشنطن باتت تملي إيقاع المرحلة المقبلة في غزة، وتحدد حدود المناورة الإسرائيلية داخلها.
وبينما يصف مراقبون هذا المشهد بأنه "تأميم أميركي" للقرار الإسرائيلي، يرى آخرون أنه أحد أشكال الإنقاذ السياسي لنتنياهو الذي يواجه تصدعا داخليا متسارعا.
ففي كلتا الحالتين، يبدو أن الإدارة الأميركية قررت أن تتجاوز دور الحليف إلى دور "الوصي" الذي يحمي الاتفاق ويمسك بخيوط السياسة الإسرائيلية من داخل مجلسها الوزاري ذاته.