آخر الأخبار

الداعم الأكبر لإسرائيل وصفقة تيك توك.. ما قصة الملياردير الغامض؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في 27 سبتمبر/أيلول 2025، ظهر مقطعٌ لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقاءٍ مع مؤثرين في نيويورك يقول فيه إن منصّات التواصل هي "السلاح" الأهم لتأمين القاعدة المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة.

وصف نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب- صفقة "تيك توك" بأنها "أهم عملية شراء" جارية الآن، وأشار أيضًا في حديثه إلى منصة إكس، مضيفًا: "علينا أن نتحدث إلى إيلون. إنه صديق، لا عدو".

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 كيف تحول الإسرائيليون إلى منبوذين في أوروبا؟
* list 2 of 2 دوفيلبان.. خصم أميركا وخصيم إسرائيل الذي صفق له مجلس الأمن طويلا end of list

جاء ذلك بينما كانت إدارة واشنطن تمهّد لصفقة تفصل عمليات "تيك توك" الأميركية عن الشركة الأم في الصين، وتفتح الباب أمام تحالف مستثمرين تقوده أوراكل، الشركة التي أسسها لاري إليسون، أحد أبرز الداعمين لإسرائيل في وادي السيليكون .

دلالة كلام نتنياهو لا تخفى على أحد، فمن يملك مفاتيح المنصّة الأكثر تأثيرًا في وعي الشبان الأميركيين يملك، جزئيًّا، القدرة على التحكم في السردية التي تنقلب على إسرائيل.

قبل ذلك بيوم واحد (في 25 سبتمبر/أيلول)، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًّا يدعم ترتيبًا لبيع "تيك توك" الأميركية لمجموعة استثمار أميركية، بعد مسارٍ تشريعي وقضائي انتهى بحكم للمحكمة العليا في 17 يناير/كانون الثاني 2025 يؤيد قرار ترامب: إما البيع أو الحظر.

وفق التصريحات الرسمية، ستبقى حصة الشركة الصينية الأم "بايت دانس" دون 20%، بينما يتولى المستثمرون الأميركيون، ومنهم أوراكل وأباطرة أعمال مثل لاري إليسون وروبرت مردوخ ومايكل دِل، السيطرة على الإدارة والملكية، مع تمتعهم بالإشراف على الخوارزمية والبيانات.

قُدّرت قيمة تيكتوك بنحو 14 مليار دولار، على أن تُستكمل التفاصيل قبل يناير/كانون الثاني المقبل.

كان ذلك ما يريده ترامب منذ البداية لأسباب تختلف عن أسباب نتنياهو. فبعد عودته إلى البيت الأبيض، دعا الرئيس الأميركي اثنين من أباطرة التكنولوجيا لمناقشة صفقة تتعلق بشراء منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك" في إطار تسوية تُمنح بموجبها الحكومة الأميركية حصة تصل إلى 50% من ملكيتها.

إعلان

وبعد أيام، حين سُئل ترامب عن هوية الشخص الذي يفضّل أن يقود هذه الصفقة، أجاب بلا تردّد: "أتمنى أن يشتريها لاري"، في إشارة إلى لاري إليسون، الذي يُصنَّف اليوم ثاني أغنى رجل في العالم بعد إيلون ماسك ، بثروة تتجاوز 350 مليار دولار.

ومع ذلك، لم يكن اسم إليسون يتردّد في الإعلام بنفس القدر الذي حظي به نجوم التكنولوجيا الكبار مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس وستيف جوبز ومارك زوكربيرغ ، رغم أن ثروته تخطّت ثرواتهم في أكثر من محطة. لهذا وصفه البعض بأنه "الملياردير الغامض الذي يعيش في الظل"، وعزوا ذلك إلى ابتعاده عن منصات التواصل الاجتماعي وتجنّبه الأضواء الإعلامية المباشرة.

لكن هذه الصورة لم تكن دقيقة تماما. فقد تصدّر إليسون العناوين عام 2012 حين اشترى جزيرة في هاواي كاملة تقريبًا، وحوّلها إلى منتجع فاخر يستقطب الأثرياء والمشاهير وأصحاب النفوذ. آنذاك، ركّزت الصحافة على جوانب حياته الباذخة: أسطول من اليخوت الفارهة، طائرات خاصة، إمبراطورية عقارية بمليارات الدولارات، وزواجات متكررة.

غير أن الوجه الأكثر تأثيرًا في مسيرته ظل بعيدًا عن الأعين: الرجل الذي عرف كيف يحوّل البرمجيات وقواعد البيانات إلى مفاتيح سيطرة على المعلومات في العالم.

وفي أغسطس/آب الماضي، بدأت معاملات إليسون التجارية في تصدر النقاش العام مثيرةً قلق الليبراليين الأميركيين، بعدما عقد صفقات مليارية لشراء شركات إنتاج سينمائي ضخمة وشبكات تلفزيونية، وقد تزامن ذلك مع حركة تحولات غير مسبوقة في المشهد الإعلامي الأميركي، ارتبطت بتصاعد نفوذ اليمين السياسي في الولايات المتحدة، وهو ما جعل البعض يتكهن بأن الملياردير البالغ من العمر 81 عامًا، يسعى لتكوين إمبراطورية إعلامية يعمل من خلالها لإحكام قبضته على منافذ الإعلام التقليدية، بما يخدم مصالح صديقه المقرب دونالد ترامب.

مصدر الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب (يسار)، بينما يستمع المرشح لمنصب وزير التجارة هوارد لوتنيك (الثاني من اليسار)، وروبرت مردوخ، ولاري إليسون (يمين)، رئيس مجلس إدارة شركة أوراكل، في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، الاثنين 3 فبراير/شباط 2025، في واشنطن (أسوشيتد برس)

لكن الملياردير حافظ طوال العقود الخمسة الماضية على وجوده بين السياسيين وأصحاب السلطة والنفوذ، بما يتخطى حدود الولايات المتحدة الأميركية، فكان مقربا من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ، وتجمعه علاقة صداقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يحرص على قضاء عطلاته الخاصة في جزيرة إليسون في هاواي، كما تشير تقارير متكررة إلى علاقاته اللصيقة بأجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية.

كل هذه الخلفيات تدفع إلى التساؤل: من هو الرجل المرشح لأن يصبح أحد أقطاب الإعلام في العالم؟ وكيف تمكن في غضون عقود قليلة من جمع ثروة ونفوذ يوازيان دولًا بأكملها؟ والأهم: ما هي أيديولوجيته وتوجهاته السياسية، التي جعلت من شركته "أوراكل" أحد أبرز الداعمين لجيش الاحتلال الإسرائيلي ، وأدخلت اسمه إلى صميم النقاش حول مستقبل "تيك توك" وصناعة الرأي العام عالميًّا؟

الرجل الذي يسيطر على بيانات الجميع

"الجميع يستخدمون أوراكل، هم فقط لا يعرفون ذلك".


* جاري بلوم – نائب سابق للرئيس التنفيذي لشركة أوراكل

في عالم اليوم لم تعد شركات التكنولوجيا أدوات فحسب، بل صارت بنًى تحتية تتحكّم في إيقاع الحياة المعاصرة. الاقتصادي والسياسي اليوناني يانيس فاروفاكيس وصف هذا التحوّل بـ"الإقطاع الرقمي"، قائلًا إن عصر الرأسمالية التقليدية ينسحب لصالح “الإقطاع التكنولوجي” حيث يحتكر قلّة التدفقَ والمعلومة والواجهة.

إعلان

وفي قلب هذه الخريطة يوضع اسم لاري إليسون باعتباره الرجل الذي يشرف على طبقات البيانات العميقة التي نضيف إليها ولا نراها ونحن نستخدم هاتفًا أو بطاقة ائتمان، أو حتى حينما تذهب لأحد المستشفيات فيتم إدخال وتسجيل بياناتك الصحية في أنظمتهم الداخلية.

مصدر الصورة الرئيس التنفيذي لمجلس إدارة شركة أوراكل لاري إليسون خلال خطابه الرئيسي في مؤتمر أوراكل في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا، 30 سبتمبر/أيلول 2014 (رويترز)

يحكم أباطرة التكنولوجيا قبضتهم على كل منحى من مناحي الحياة تقريبًا، من تعاملاتنا الرقمية إلى منصات التواصل الاجتماعي التي نستخدمها بشكلٍ يومي. وفي قلب هذا العالم، يعرف لاري إليسون باعتباره الرجل الذي يسيطر على بيانات الجميع، هذا ما صرح به جاري بلوم، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "أوراكل"، في وثائقي عن حياة إليسون من إنتاج بلومبيرغ.

لا يهم أين يقع مكانك على خريطة العالم، فطالما أن لديك هاتفا نقالا أو جهاز حاسوب، فأنت حتما تستخدم برمجيات أوراكل.

ولعلك تفكر الآن في ماهية هذه الشركة، متسائلًا عن المنتج الذي تقدمه لنا، لكن لكي نفهم ذلك بشكلٍ أعمق، علينا أن نعود بالزمن إلى الوراء، ونتناول قصة الشاب الطموح إليسون منذ البداية.

ولد لاري إليسون في 17 أغسطس/آب عام 1944، لأم عزباء تدعى فلورنس سبيلمان، أرسلته في عُمر التاسعة إلى قريبَيْها ليليان ولويس إليسون، ليتوليا تربيته، وبالفعل تبنته عائلة إليسون، ولم يعرف لاري أنه ابنٌ بالتبني إلا بعدما بلغ طور الشباب، إذ أخبره بذلك لويس ذات مرة على العشاء.

التحق إليسون بجامعة إلينوي، وبعد وفاة والدته بالتبني، انقطع عن الدراسة، وعلى الرغم من أنه التحق في العام التالي بجامعة شيكاغو، فإنه غادرها أيضًا قبل انقضاء العام، مقررا عدم استكمال تعليمه الجامعي. وفي محاولة للبدء من جديد، حزم لاري أمتعته متجهًا إلى ولاية كاليفورنيا، ليعيش بعد ذلك متنقلا في الوظائف بين شركات التكنولوجيا.

ربما يكون النصف الأول من حياة عملاق التكنولوجيا قاسيًا، لكن يبدو أن تلك البداية البائسة ساهمت في تكوين شخصيته الراغبة في الفوز بشتى الطرق، فكانت الغاية بالنسبة إليه تبرر الوسيلة.

وفي سبعينيات القرن الماضي، عمل إليسون مبرمجًا صغيرا في شركة تكنولوجية ناشئة تسمى أمدال (Amdahl)، وهي الشركة التي أسسها عالم الحاسوب الأميركي جين أمدال عام 1970، بعدما استقال من شركة "آي بي إم" التكنولوجية الشهيرة.

استطاع الشاب الطموح من خلال عمله أن يكتسب خبرة في البرمجة ومهارات الحاسوب الأساسية، حينها كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية " سي آي إيه " (CIA) تبحث عن مبرمجين موهوبين بإمكانهم تصميم أنظمة معلوماتية قادرة على إدارة قواعد البيانات الضخمة، حيث كانت الوكالة بحاجة إلى نظام معلوماتي بإمكانه تخزين كميات هائلة من البيانات، وفي الوقت ذاته إتاحة القدرة على ربط وتحليل هذه البيانات بسرعة وفعالية، وهي الصفقة التي مثلت نقطة الانطلاق الحقيقة لإليسون، ومن صفقة لا تتجاوز 50 ألف دولار، بنى إمبراطورتيه في عالم التكنولوجيا.

عام 1975، اتخذ برنامج السي آي إيه اسمًا رمزيًّا، هو " المشروع أوراكل "، ومن أجل العمل عليه كان إليسون بحاجة إلى عقلٍ هندسي يساعده، ولهذا قرر الاستعانة باثنين من زملائه في العمل، هما عبقريا البرمجة والتكنولوجيا بوب ماينر وإدوارد أوتس، وفي 1977 سيعقد الثلاثة شراكة لتأسيس مختبرات لتطوير البرمجيات.

لم يكن إليسون عبقريًّا في البرمجة، بل كان أقرب إلى الوجه الإعلامي للشركة، وامتاز بقدراته التسويقية الفذة، فيقول عنه من عاصروه إنه كان شخصًا قادرًا على إقناع أي شخص بشراء أي شيء، وفي ذلك الوقت كان إليسون بحاجة إلى فكرة تمكنه من بناء قواعد البيانات الضخمة التي يحلم بها.

إعلان

وقد وجد ضالته في ورقة بحثية نشرها عالم الحاسوب البريطاني إدغار فرانك كود عام 1970، تحت اسم "نموذج علائقي للبيانات من أجل بنوك بيانات ضخمة مشتركة"، وهي الدراسة التي وضعت حجر الأساس لقواعد البيانات العلائقية التي نعرفها اليوم، والتي تعد بمثابة أنظمة تخزين -لم يكن لها مثيل في ذلك الوقت- قادرة على تنظيم البيانات في جداول مترابطة.

بحلول الثمانينيات، كانت شركة إليسون جاهزة للطرح العام، ولأنه لم يكن لديها أفضل من منتجها الأنجح "أوراكل" لتقدمه إلى الأسواق، سيطلق لاري على الشركة الاسم الذي كان في السابق مشروعا لوكالة الاستخبارات المركزية، وفي غضون عشر سنوات ستصبح أوراكل شركة رائدة في مجال إدارة قواعد البيانات.

لا تبيع أوراكل منتجاتها بشكلٍ مباشر للعملاء، بل تبيع قواعد البيانات الضخمة وأنظمة إدارة البيانات وخدمات الحوسبة السحابية، وهو ما يجعلها على الرغم من انتشارها متخفية وراء قائمة طويلة من العملاء، لكنه في الوقت ذاته يمنحها سيطرة كاملة على بيانات مليارات المستخدمين.

فمن خلال بنوك البيانات العملاقة، أصبح أباطرة التكنولوجيا وعلى رأسهم لاري إليسون، قادرين ليس فقط على التنبؤ بسلوك المستخدمين، بل وعلى دراية كاملة بطرق التأثير فيهم، وهو ما منحهم نفوذا هائلا على المستويين الاقتصادي والسياسي، يفوق سلطة الدول في بعض الأحيان.

ليس هذا فحسب، ففي عام 2022، استحوذت شركة أوراكل المملوكة لإليسون على 69% من شركة سيرنر (Cerner) الرائدة في الأنظمة التقنية الطبية بمبلغ 28 مليار دولار. وهذه الشركة هي المشغلة لكثير من الأنظمة الصحية في الوطن العربي، وبذلك يكون إليسون قد فتح لنفسه سوقا جديدا من المال، والبيانات باستحواذه على سيرنر.

بمثل هذا النفوذ كان من المفترض أن تكون شركة أوراكل مثالا على الشفافية والنزاهة، لكنها اتهمت عام 2024، بانتهاك قوانين الخصوصية وحماية المستهلكين وبيع البيانات الشخصية لمليارات المستخدمين لأطراف أخرى دون موافقة منهم.

وقد شملت هذه البيانات مفاتيح البحث على الإنترنت، وأنماط شراء المستهلكين وكيف استخدموا بطاقات الائتمان الخاصة بهم، نتيجة لذلك رفعت ضدها مجموعة دعاوى قضائية جماعية، ولجأت الشركة حينها لدفع 115 مليون دولار من أجل تسوية هذا الدعاوى خارج ساحات المحاكم.

إمبراطورية إليسون آخذة في الصعود

يعتبر لاري إليسون طفرة الذكاء الاصطناعي بمثابة تميمة الحظ الخاصة به، فقد صرح لرئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، بأن الذكاء الاصطناعي يتفوق على كل ما شهدته الحضارة الإنسانية من قبل، بما في ذلك الثورة الصناعية واختراع الكهرباء.

بالفعل تخطت ثروة لاري إليسون (354 مليار دولار) لأول مرة ثروة إيلون ماسك (434 مليار دولار) في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، بحسب تقديرات صحيفة التلغراف البريطانية، بعدما حقق الأول أعلى عائد في يوم واحد بمقدار 88 مليار دولار، ليظفر بلقب أغنى رجل في العالم مدة ساعات معدودة، قبل أن يعود إيلون ماسك للصدارة مرة أخرى قبيل إغلاق التداول.

مصدر الصورة تخطت ثروة لاري إليسون (يمين) (354 مليار دولار) لأول مرة ثروة إيلون ماسك (434 مليار دولار) في 10 سبتمبر/أيلول الماضي لساعات معدودة قبل أن يعود ماسك لتصدّر القائمة (الفرنسية)

وأرجع الخبراء سر الارتفاع المفاجئ الذي شهدته أسهم أوراكل إلى طفرة الذكاء الاصطناعي، التي رفعت من آمال الشركة نظرا إلى زيادة الطلب على مراكز البيانات والخدمات السحابية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وهو ما ساهم في ارتفاع ثروة لاري إليسون باعتباره صاحب الحصة الكبرى بنسبة 41% من أسهم الشركة.

وكانت سافرا كاتز المديرة التنفيذية لشركة أوراكل، قد أعلنت مؤخرا عن توقيع أربعة عقود بمليارات الدولارات في الربع الأخير من هذا العام، مع توقع زيادة في نسبة الإيرادات قد تبلغ 77%.

يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بمؤتمر صحفي عن إطلاق مشروع "ستارغيت"، الذي يهدف لاستثمار قرابة 500 مليار دولار في إنشاء بنى تحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، من خلال شراكة ثلاثية تجمع بين لاري إليسون وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أيه آي" (OpenAI) صاحبة نموذج الذكاء الاصطناعي الأشهر "شات جي بي تي"، ومعهم رجل الأعمال الياباني ماسايوشي سون المدير التنفيذي لشركة "سوفت بنك" التنفيذية.

إعلان

وبينما يستعد إليسون للانضمام إلى نادي أباطرة الذكاء الاصطناعي، نجده على الجانب الآخر ينفق المليارات لتأسيس إمبراطورية إعلامية بطول الولايات المتحدة وعرضها، لكنه يديرها تحت ستار شركات حديثة العهد في الإنتاج السينمائي مملوكة لابنيه ميغان وديفيد إليسون.

أسست ميغان عام 2011 شركة "أنابورنا بيكتشرز" للإنتاج السينمائي (Annapurna Pictures)، في حين أسس ديفيد عام 2010 شركته الإعلامية الناشئة سكاي دانس (Skydance)، وذلك بدعمٍ من مليارات الوالد.

من جهة أخرى كان المثير للانتباه حقا، هو استحواذ شركة سكاي دانس في أغسطس/آب الماضي على شركة الإنتاج السينمائي الضخمة بارامونت بيكتشرز، بعدما عقد إليسون الابن صفقة قدرت بـ8 مليارات دولار أميركي، مقابل امتلاك 50% من أصول الشركة، التي تشمل ممتلكاتها شبكات تلفزيونية شهيرة مثل "سي بي إس" وشبكة "إم تي في".

تلت ذلك تصريحات لديفيد يكشف فيها عن نيته الاستحواذ على شركة "وارنر براذرز ديسكفري"، إحدى عمالقة هوليوود التي تشمل ممتلكاتها شبكة "إتش بي أو" التلفزيونية الشهيرة وشبكة "سي إن إن" الإخبارية، وذلك في صفقة قد تزيد قيمتها على 70 مليار دولار.

أثارت هذه الصفقات قلق المحلل الإعلامي أليكس ديغروت، وبالأخص بعدما أوقفت شبكة "سي بي إس" التلفزيونية مقدم البرامج الشهير ستيفن كولبير، وذلك على خلفية انتقاده قرارًا للشركة الأم (بارامونت) بتسوية دعوى قضائية مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واصفا القرار بأنه "رشوة كبيرة".

صرح ديغروت بأن إقصاء ترامب لمقدمي البرامج التلفزيونية المسائية واحدًا تلو الآخر يتزامن مع تغير في ملكية الشبكات الإعلامية نفسها، وهو ما اعتبره حركة موازية تعيد رسم المشهد الإعلامي في الولايات المتحدة، بما يخدم نفوذ اليمين السياسي، خاصة أن هناك علاقة صداقة تجمع بين إليسون ودونالد ترامب.

تزايدت هذه المخاوف بعد التصريح الأخير للرئيس الأميركي، الذي أشار فيه إلى أن منصة الفيديوهات الشهيرة "تيك توك" على وشك أن تصبح ملكًا لاتحاد من الشركات الأميركية البارزة، على رأسه شركة الملياردير لاري إليسون، و عائلة روبرت مردوخ صاحبة الإمبراطورية الإعلامية الكبيرة وقناة فوكس نيوز وصحيفة وول ستريت جورنال.

وهي صفقة إن نجحت، سيسيطر بها إليسون على منصة تواصل اجتماعي يصل عدد متابعيها في الولايات المتحدة وحدها إلى أكثر من 150 مليون شخص، مما يمنح الملياردير الأميركي نفوذا عظيمًا ليس فقط على شبكات الإعلام التقليدي، بل وعلى منصات التواصل الاجتماعي المتعددة الأجيال.

هل يقع "تيك توك" تحت قبضة إليسون؟

في عام 2024، جلس وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن، بصحبة السياسي الأميركي والحاكم السابق لولاية ماساتشوستس ميت رومني، لمناقشة تأثير منصات التواصل الاجتماعي وتطبيق تيك توك بالتحديد في تشكيل الرأي العام العالمي.

كانت التصريحات تشير إلى أن أزمتهم الحقيقة تتمثل في عدم القدرة على مراقبة وفلترة المحتوى الذي يصل إلى الأميركيين، لا سيما في إطار الحرب التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو محتوى اعتبروا أنه يؤثر سلبًا في الصورة العامة لإسرائيل.

وخلص الرجلان في نهاية اللقاء إلى أن حظر التطبيق ومنع الأميركيين من رؤية الفظائع الإسرائيلية التي ترتكب في القطاع سيعمل على تهدئة الوضع في الشارع الأميركي.



هذا الأمر يؤكد تكهنات البعض بأن السبب الحقيقي وراء الحملة الشرسة التي شنها بعض المشرعين في الكونغرس الأميركي وأدت إلى إصدار قانون حظر تيك توك عام 2024، كان عائدا لحالة الزخم الذي اكتسبته القضية الفلسطينية على المنصة؛ فالصور ومقاطع الفيديو التي خرجت من قطاع غزة أسهمت في تشكيل وعي شريحة كبيرة من الشباب الأميركيين، الذين رأوا بأم أعينهم الفظائع والجرائم الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر والمجوّع، وهو ما كان يتناقض كليًّا مع الصورة المثالية التي حاولت بعض وسائل الإعلام الغربية إضفاءها على جيش الاحتلال.

كان تيك توك، هو التطبيق الوحيد الذي لم يخضع لنفوذ تل أبيب ولم يمارس سلطته في استخدام "مقص الرقابة" للتضييق على المحتوى الفلسطيني وإزالته، وذلك في الوقت الذي امتثلت فيه 90% من منصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، مثل شركة "ميتا" مالكة الفيسبوك، لمطالب السلطات الإسرائيلية الخاصة بتعديل وإزالة المحتوى المؤيد لفلسطين.

أما السبب وراء اختيار لاري إليسون بالتحديد لإتمام صفقة الاستحواذ على التطبيق، فلا يخفى على أحد. فقد علق على ذلك الصحفي الأميركي غلين غرينوالد في تغريدة على منصة إكس، قائلا: "لاري إليسون ملياردير شركة أوراكل الذي تبرع بملايين الدولارات للجيش الإسرائيلي، سيشتري الآن منصة تيك توك"، معتبرا ذلك فرصة ذهبية لإسرائيل بعد انهيار شعبيتها في الولايات المتحدة.



في عام 2014، سئل لاري إليسون عن علاقته بإسرائيل، في حوار أجراه معه الصحفي الإسرائيلي غيل تماري، فأجاب بصيغة جمع المتكلم "نحن"، قائلا: "لقد كنا شعبًا بلا دولة لأكثر من 2000 عام، ولهذا علينا أن ندعم بكل قوة النساء والرجال الشجعان في الجيش الإسرائيلي ".

لم يخجل الملياردير الأميركي من التعبير عن ميوله الصهيونية ودعمه الكامل لإسرائيل، مصرحًا بأنه زار الأراضي الفلسطينية المحتلة، متباهيا بتعيين سافرا كاتز امرأة الأعمال الإسرائيلية، رئيسة تنفيذية لشركة "أوراكل" التي يمتلك الحصة الكبرى من أسهمها.

تجمع إليسون علاقة صداقة وطيدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما يعرف بكونه متبرعًا سخيًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث قدم لمنظمة "أصدقاء الجيش الإسرائيلي"، مبلغا بلغ قدره 16.6 مليون دولار عام 2017 فقط.

وكانت حركة المقاطعة الإسرائيلية وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، قد أدرجت شركة أوراكل في قائمة الشركات المتواطئة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي في الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

حيث كشفت الحركة في تقرير مفصل من صفحتين عن نشاطات الشركة الأميركية وكيف تعاونت مع جيش الاحتلال وزودته بتقنيات وخدمات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، مما مكنه من ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل القطاع.

وفي القائمة ورد ذكر شراكة أوراكل مع القوات الجوية الإسرائيلية عام 2021، بهدف تدشين مشروع سري لهندسة البيانات، وفي عام 2022، استضافت الشركة جنودا إسرائيليين ومطوري برمجيات تابعين لجيش الاحتلال من أجل تدريبهم على استخدام خدمات أوراكل السحابية للأغراض العسكرية.

كما قادت أوراكل في بداية الحرب مبادرة بالتعاون مع وزارات إسرائيلية من أجل تعزيز المحتوى المؤيد لإسرائيل على منصات التواصل الاجتماعي، "تيك توك" ومنصة "إكس" (تويتر سابقًا). وفي العام الماضي، تبرعت الشركة بقرابة نصف مليون دولار لتقديم المساعدات الطبية لجنود الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب.

و بموجب الاتفاق الأميركي الصيني الأخير، تفيد المصادر الإخبارية بأن شركة أوراكل ستتولى إعادة تدريب الخوارزمية الأميركية الخاصة بتيك توك، كما سيجري تخزين بيانات المستخدمين داخل سحابة آمنة على شبكة الإنترنت، تديرها وتشرف عليها الشركة الأميركية بشكلٍ مباشر، وذلك في إطار مراقبة مستمرة للخوارزمية لضمان نزاهة المحتوى، أو بالأحرى لضمان خلو التطبيق من المحتوى المؤيد لفلسطين.

من غير المرجّح أن توافق الصين على نقل الملكية الفكرية للخوارزمية الأمّ. لكن السيناريو الأكثر تداولًا، والمذكور في تفسير البيت الأبيض وصحافة التقنية، هو ترخيص نسخةٍ من الخوارزمية تُدرَّب على بيانات أميركية تحت إشراف أوراكل، مع رقابة على كيفية تقييم المحتوى "الحسّاس".

تعني هذه الصيغة وضع أسقف وحدود على التعبير لتصبح تجربة تيك توك في الولايات المتحدة تجربة أميركية بمعايير وتحيزات إسرائيلية تختلف عن التجربة العالمية للمستخدمين.

هنا تعود تصريحات نتنياهو إلى صميم المعادلة. فإذا عُدَّت المنصّات "سلاحًا" كما قال، فإن التحكم في ظهور المحتوى، لا الحذف المباشر فحسب، يصبح أداةً فائقة التأثير في التصورات العامة. وإذا تحقّق تحالف يقوده مستثمرون لديهم علاقة عضوية بإسرائيل، فمن المؤكد أننا سنكون أمام مرحلة جديدة من التحيز التقني.

ومن المتوقع أن يستحوذ المستثمرون الأميركيون على 80% من النسخة الأميركية لـ"تيك توك"، على أن تظل الـ20% الباقية ملكًا للشركة الصينية الأم "بايت دانس". لكن القصة هنا تتجاوز سؤال "من يشتري التطبيق؟". إننا بإزاء قوة جديدة قد توحِّد البنية التحتية (التخزين السحابي والبيانات) مع السردية (منصات التواصل واستوديوهات إنتاج هوليوود).

الاختبار الحقيقي سيكون في الشهور المقبلة: ما الذي سيتغير فعليًّا في الخوارزمية، والسياسات، والمحتوى؟ وهل ستستطيع الصحافة الأميركية، والكونغرس والهيئات التنظيمية التي طالما افتخرت بها الولايات المتحدة، فرض معايير تمنع انزلاق تجربة تيك توك لتكون فقاعة سلطوية أميركية معزولة تسود فيها سردية تحبها إسرائيل وترجو منها أن تنقذها في المستقبل القريب؟

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا