في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في تقرير نشرته صحيفة "فزغلياد" الروسية، استعرض الكاتب فلاديمير دوبرينين العوامل التي أدت إلى توتر العلاقات تاريخيا بين إسبانيا و إسرائيل ، والتي تفسر -حسب رأيه- الموقف الإسباني الصارم من تل أبيب على خلفية حربها في غزة .
ويقول الكاتب إن العديد من الدول الأوروبية صعّدت في الآونة الأخيرة لهجة الانتقادات ضد إسرائيل بسبب استمرار الحرب والحصار المفروض على قطاع غزة، لكن إسبانيا برزت بشكل خاص كصوت أكثر حدة وصرامة في خطابها تجاه تل أبيب.
ويضيف الكاتب أن مدريد تبنّت خطة شاملة لمواجهة السياسات الإسرائيلية، وصلت حد الإعراب عن "الأسف لعدم امتلاكها قنبلة نووية" لاستخدامها في "ردع إسرائيل".
وفي خطوة غير مسبوقة، حظرت الحكومة الإسبانية استخدام القواعد العسكرية الرئيسية في البلاد، مثل قاعدة "روتا" و"مورون دي لا فرونتيرا"، في عمليات نقل الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.
ويتابع الكاتب أن ذلك يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها مدريد مؤخرا، وشملت وقف صادرات الأسلحة لتل أبيب والمطالبة بمنع مشاركتها في مسابقة "يوروفيجن" الغنائية، بالإضافة إلى إلغاء المرحلة النهائية من سباق الدراجات الشهير في إسبانيا بعد احتجاجات حاشدة مؤيدة لفلسطين في العاصمة مدريد.
ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساع ر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وحكومته بأنها "عار على إسبانيا"، مستذكرا تصريحاته بشأن "الندم على عدم امتلاك سلاح نووي"، واتهمه بالتحريض على إسرائيل.
وكانت إسبانيا قد اعترفت بدولة فلسطين رسميا العام الماضي، واعتبر بيدرو سانشيز تلك الخطوة "مسألة عدالة تاريخية واستجابة لتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة"، إضافة إلى كونها "خطوة ضرورية لتحقيق السلام".
ويؤكد الكاتب أن موقف الحكومة الإسبانية ليست منعزلة عن المزاج الشعبي، حيث أظهر استطلاع أجراه معهد "إلكانو الملكي" للأبحاث الاجتماعية أن 82 بالمئة من الإسبان يعتبرون ما يجري في غزة " إبادة جماعية ".
ويرى الكاتب أن فهم دوافع الموقف الإسباني "المتشدد" تجاه إسرائيل يتطلب العودة إلى تاريخ العلاقات الإسبانية الإسرائيلية، التي لم تبدأ رسميا إلا عام 1986.
ففي ظل حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو (1939-1975)، رفضت إسبانيا الاعتراف بإسرائيل، مفضّلة إقامة علاقات وثيقة مع دول جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط ، بما في ذلك العديد من الدول العربية.
في تلك الحقبة، استقبلت الجامعات الإسبانية أعدادا كبيرة من الطلبة العرب، بينهم فلسطينيون، ما مهّد لحضور عربي دائم في إسبانيا، وفقا للكاتب.
وينقل الكاتب عن أستاذة الدراسات العربية والإسلامية في "جامعة مدريد المستقلة" لوز غوميز قولها إن الإسبان لم يشاركوا في الحرب العالمية الثانية ، لذلك "لم يشعروا أبدا بمسؤولية خاصة تجاه وضع اليهود الأوروبيين الذين عانوا من النازية ".
وينسب الكاتب إلى مديرة قسم التاريخ المعاصر في الجامعة الوطنية للتعليم عن بُعد في إسبانيا، روزا ماريا باردو سانز، إشارتها إلى أن "الجنرال فرانكو كان يرفض دائما الاعتراف بدولة إسرائيل، سعيا للحصول على أصوات الممالك العربية المحافظة في الأمم المتحدة، وكذلك أنظمة جمال عبد الناصر في مصر و صدام حسين في العراق ، على أمل أن يدعم العالم العربي مطلب إسبانيا باستعادة جبل طارق ".
وتضيف سانز أن التحالفات مع الدول العربية ساعدت نظام فرانكو على "تجاوز أزمات النفط" و"تخفيف التوتر مع المغرب " بسبب قضية الصحراء، مؤكدة أنه يُشار أحيانا إلى أن معارضة تل أبيب لرفع المقاطعة الدبلوماسية المفروضة على إسبانيا عام 1949 كانت من أسباب رفض فرانكو الاعتراف بإسرائيل.
ويقول المدير التنفيذي لمركز الدراسات العربية المعاصرة هيثم عميرة فرنانديز إن الجنرال فرانكو تمكن من تعزيز مكانة إسبانيا مقابل دعمه للدول العربية، التي كان العديد منها ينال استقلاله في تلك الفترة.
وحسب الكاتب، فإن الدول العربية أصبحت حليفا قويا لمدريد في تلك الفترة، وساهمت في دعم انضمام إسبانيا إلى الأمم المتحدة وتسهيل الاعتراف بنظام فرانكو تدريجيا على الساحة الدولية.
الدول العربية أصبحت حليفا قويا لمدريد خلال حكم الجنرال فرانكو وساهمت في دعم انضمام إسبانيا إلى الأمم المتحدة وتسهيل الاعتراف بنظام فرانكو تدريجيا على الساحة الدولية
ويتابع الكاتب أنه عندما دخلت إسبانيا مرحلة انتقالية بعد وفاة فرانكو، كان الإسبان ينظرون بكل احترام وتقدير للشعب الفلسطيني، وهو ما يتضح من خلال زيارة ياسر عرفات لإسبانيا عام 1979.
لاحقا أُقيمت علاقات رسمية بين مدريد وتل أبيب، حيث اعترفت حكومة فيليبي غونزاليس الاشتراكية بدولة إسرائيل عام 1986، وكان ذلك شرطا وضعته الجماعة الاقتصادية الأوروبية ( الاتحاد الأوروبي حاليا) لعضوية إسبانيا في المجموعة.
وبالمقابل، صوّتت الحكومة المحافظة بقيادة ماريانو راخوي في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 على منح فلسطين صفة مراقب غير عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة .
ويقول الكاتب إن العلاقات الوثيقة مع العالم العربي منحت مدريد دورا مميزا مكّنها من لعب دور الوسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما دفع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب لاختيار العاصمة الإسبانية مكانا لانعقاد مؤتمر السلام عام 1991، الذي كان تمهيدا لا تفاقيات أوسلو .
ومنذ ذلك الوقت، حافظت إسبانيا -حسب الكاتب- على علاقات "دافئة وطبيعية" مع إسرائيل، شملت التعاون في مجالات التجارة والأمن والاستخبارات.
كما أتاح قانون عام 2015، الذي منح أحفاد اليهود السفارديم المطرودين من إسبانيا في القرن الخامس عشر الحق في الحصول على الجنسية، واستفاد منه آلاف اليهود.
ويرى بعض المراقبين أن هذا القانون كان بادرة حسن نية تجاه إسرائيل، دون أن يتم سن قانون مشابه يمنح الجنسية ل لموريسكيين المسلمين الذين أُجبروا على اعتناق المسيحية ثم طُردوا من إسبانيا.
ويؤكد الكاتب أنه مع انتهاء العمل بذلك القانون عام 2023، تدهورت العلاقات بين إسبانيا وإسرائيل بشكل متسارع، حتى وصلت إلى قطيعة شبه كاملة اليوم.
وحسب الكاتب، فإن تمسك إسبانيا بموقفها المؤيد لفلسطين يتعارض مع المزاج العام في الاتحاد الأوروبي الذي يميل لدعم إسرائيل.
ويختم بأن هذا التوجه لا يبدو مجرد مناورة سياسية ظرفية لانتزاع مكاسب من الاتحاد الأوروبي، بل هو انعكاس لعوامل تاريخية راسخة تؤكد مكانة مدريد كأحد أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية في أوروبا.