اليوم، سعيا لإحياء أمل السلام للفلسطينيين والإسرائيليين، أعلن رئيس الوزراء، كير ستارمر، اعتراف #المملكة_المتحدة🇬🇧 رسميا بدولة #فلسطين🇵🇸
شاهد الفيديو بالكامل على يوتيوب https://t.co/HYygv3OGLQ pic.twitter.com/LhIZp8ohKu
— 🇬🇧وزارة الخارجية والتنمية البريطانية (@FCDOArabic) September 21, 2025
رام الله- بينما يتصدر خبر اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين عناوين الأخبار، تتفاوت ردود الأفعال إزاء هذا الاعتراف الذي يراه بعض الفلسطينيين مجرد حبرٍ على ورق، في حين يتفاءل آخرون بأنه قد يحمل انفراجة على المستوى السياسي الدولي في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، غير أن هذا الاعتراف يحمل معه إرثا تاريخيا لخطيئة بريطانيا بحق فلسطين بإصدارها وعد بلفور عام 1917.
ففي عام 1917 مع بداية فترة انتدابها على فلسطين، أعلنت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها آرثر بلفور وعدا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، مما سهَّل من عمليات الاستيطان الصهيونية داخل أراضي فلسطين التاريخية وأطلق يد عصابات الحركة الصهيونية مدعومة من الجيش البريطاني وحكومته في تنفيذ المجازر وخطط التهجير بحق الفلسطينيين، فضلا عما قامت به حكومة بريطانيا الانتدابية من دور في قمع أشكال المقاومة كافة كثورة البراق عام 1929 والثورة الكبرى عام 1936.
يُقرَأ التحول في المواقف السياسية حول العالم على أنه عودة للقضية الفلسطينية لتتصدر جدول الأعمال على المستوى الدولي، في ظل استمرار الإبادة في قطاع غزة واستباحة أراضي ومدن الضفة الغربية ، وهو ما دفع مئات الآلاف حول العالم للخروج مطالبين بوقف الحرب.
يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف -للجزيرة نت- إن العالم بدأ يرى دولة الاحتلال بوصفها دولة تزعزع الأمن في المنطقة في ظل هجماتها المستمرة على دول الإقليم، ابتداء من لبنان وسوريا، مرورا باليمن، وصولا إلى قطر أخيرا.
ويضيف أن الاعتراف البريطاني مهم في رصيد القضية الفلسطينية، ولكن الأهم هو تضافر الجهود لوقف الإبادة ومنع أي خطط تهجير للفلسطينيين، ووقف أشكال العدوان كافة.
"نحن نتحدث بوضوح تماما بأن قرارات الشرعية الدولية بضمان حقوق الشعب الفلسطيني هي الطريق لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة، لذلك أصبحت هذه الدول تدرك أهمية هذا الاعتراف للحفاظ على الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية، التي تؤمن مصالح عديد من دول العالم" يضيف أبو يوسف، مؤكدا أهمية ألا يُعزل هذا الاعتراف عما بعده، وضرورة اتخاذ آليات عملية لتسييد هذه الدولة على الأرض.
وفي تصريح له -خلال رفع علم فلسطين فوق مبنى السفارة الفلسطينية في لندن بعد الاعتراف- قال السفير الفلسطيني لدى بريطانيا حسام زملط إنه "بعد قرن من الإنكار، تتخذ الحكومة البريطانية خطوة الاعتراف بدولة فلسطين" معتبرا ذلك "تصحيحا لأخطاء الماضي".
وأضاف أن "الاعتراف يمثل لحظة تاريخية وتحديا من أجل الحقيقة، ورفض الإبادة والاحتلال، ومحاولات محو الهوية الفلسطينية".
ووفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية عبد الرحيم الشوبكي، فإن الاعتراف البريطاني خطوة مهمة، لكنها لا تغفر خطيئة وعد بلفور التي ارتكبتها بريطانيا تجاه القضية الفلسطينية، ومن ثم، يمكن النظر إليها على أنها خطوة تصحيحية في مسار التاريخ السياسي البريطاني بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أنه "يمكن النظر للاعتراف الصادر عن بريطانيا -التي أنكرت الحقوق الفلسطينية خلال فترة الانتداب- بوصفه صورة من صور الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية عن الصراع".
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن لبريطانيا -تقليديا وحاليا- وزنا سياسيا في الساحة الدولية، ومن ثم فإن اعترافها بدولة فلسطينية سيشجع دولا أوروبية وغير أوروبية على اتخاذ خطوة باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مما يعزز حضور القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
وتابع أن "هذه الخطوة هي محاولة للتصحيح، لكنها لا تلغي حقيقة أن بريطانيا هي من أوجدت وعد بلفور، ويمكن اعتبار هذه الخطوة مناورة سياسية في ظل تغيِّر انحيازات الجيل الأوروبي الجديد ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الذي أصبح يقرأ الرواية بعيون جديدة، وينحاز للفلسطينيين ضاغطا على حكوماته ومشكلا لرأي عام دولي، تحاول الدول ومنها بريطانيا إرضاءه".
وفي ظل النقاش حول ماهيَّة الخطوات التي يحتاجها الفلسطينيون، يرى الشوبكي أنه "الضغط على إسرائيل للقبول بمفاوضات تؤدي لقيام دولة فلسطينية، حتى وإن كان التأثير المتوقع لهذا الاعتراف هو رفض إسرائيل له".
وعموما، يرى المحلل الفلسطيني أن على الفلسطينيين أن "يبنوا على هذا الاعتراف سياسيا داخل الساحة السياسية البريطانية، للضغط على الاحتلال من خلال فرض العقوبات عليه، ولتعزيز مطالبة الشعب الفلسطيني بحقه في السيادة والاستقرار و تقرير المصير وإقامة الدولة".
من جهتها، تقول الباحثة السياسية والمديرة الشريكة للمؤسسة الفلسطينية للدبلوماسية العامة رلى شديد -في حديثها للجزيرة نت- إن الاعتراف بشكله الحالي "إجراء مفرغ من مضمونه، إذا ما طُرِح معناه -في اللحظة الراهنة من التاريخ الفلسطيني للتحليل- بوصفه لا يحمل معه أي خطوات ذات ثقل حقيقي لوقف الإبادة المستمرة في قطاع غزة باعتبار أنها يجب أن تكون الأولوية الأهم الآن".
وتابعت أن بريطانيا اتخذت هذه الخطوة للابتعاد عن فعل له تأثير حقيقي، موضحة أنه "رغم الغضب الإسرائيلي الذي يظهر عبر الإعلام، فإن بريطانيا لا تزال من أكبر الداعمين للاحتلال، وحتى هذه اللحظة لا يزال جنود من الجيش الإسرائيلي يتلقون تدريباتهم في المدارس العسكرية البريطانية، هذا نفاق سياسي".
وترى الباحثة السياسية أن الشعب الفلسطيني في اللحظة الراهنة يحتاج إلى اعتراف يضمن له حقه بالمقاومة بكل أشكالها دون نزع شرعيتها، من دون أن يكون اعترافا مشروطا بالإقرار بأن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، "وهو أمر خطير بالنسبة لحركة التحرر الفلسطينية في ظل أزمة تمثيل وديمقراطية وتعددية يواجهها الشعب الفلسطيني في علاقته بالسلطة الفلسطينية" تضيف رلى شديد.
وتابعت "هناك تخوَّف شعبي فلسطيني حقيقي من تجريد الفلسطينيين من حقوقهم وسرديتهم، فالشارع الفلسطيني الذي يقاوم اليوم لا يقاوم للوصول إلى حل الدولتين، بل إلى إنهاء الإبادة وإيقاف الاستيطان وتحرير أبنائه من السجون".
وتقول شديد إنه من غير الواضح بماذا اعترفت بريطانيا على وجه الدقة، إذ لا يحمل الاعتراف أي معالم حول حدود هذه الدولة وطبيعة السلطة التي ستحكمها، فضلا عن تأكيد الباحثة السياسية خطورة الانطلاق في الخطاب من منطلق حل الدولتين ، لأنه لا أرض تقوم عليها الدولة الفلسطينية.
وشددت على أن المطلوب "قطع العلاقات السياسية والاجتماعية والأكاديمية مع إسرائيل، وسحب الاستثمارات، وعزل الاحتلال داخل المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة و الفيفا والجامعات وغيرها، والالتزام الدولي الجاد بتطبيق قرارات المحكمة الجنائية الدولية ".