في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
واشنطن/كابل – لم يعد يُنظر للرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه انعزاليا في سياسته الخارجية، وبعد ما صرح به عن خططه التوسعية ومنها استعادة السيطرة على قناة بنما ، وأن كندا يجب أن تصبح ولاية أميركية، ويجب شراء جزيرة جرينلاند .
هاجم ترامب إيران وقصف منشأتها النووية ، وكرر رغبته في استعادة السيطرة على قاعدة باغرام في أفغانستان ، وكل ذلك يطرح تساؤلات حول حقيقة ما يريده ترامب.
وفي كابل ، أثارت تصريحات ترامب حول "محاولة استعادة" قاعدة باغرام الجوية شمالي العاصمة الأفغانية كابل جدلا واسعا في الأوساط الأفغانية، إذ تعيد للواجهة ملفا حساسا منذ انسحاب القوات الأجنبية عام 2021.
فباغرام، التي تحولت بعد الانسحاب لرمز لعودة السيادة الأفغانية، تُعدّ اليوم نقطة اختبار في العلاقة بين كابل و واشنطن ، كما أن أي حديث عن عودة أميركية محتملة يثير أسئلة حول موقف الحكومة الأفغانية ومواقف القوى الإقليمية، التي تراقب عن كثب أي تحول في الوجود العسكري الأميركي قرب حدودها.
ومن واشنطن، خفَّف المعلقون الأميركيون من جدية هذه التصريحات، واعتبروها هجوما على إرث الرئيس السابق جو بايدن، وتخدم هدفا داخليا هو انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل.
وفي حديث للجزيرة نت، قال المحلل السياسي الجمهوري بيتر روف، إن "ترامب يريد استعادة القاعدة، لكن من غير المرجّح أن يفعل الكثير لتحقيق ذلك".
وعن أهداف الرئيس الأميركي من تكرار مطالبته باستعادة القاعدة الأكبر داخل أفغانستان، اعتبر روف أن "ترامب يذكّر الصينيين بأنه لم ينسَ أنهم يشكلون تهديدا أمنيا إقليميا لمصالح بلاده".
كما "يذكّر الشعب الأميركي بمدى سوء إدارة جو بايدن وفريقه لانسحاب أميركا من أفغانستان، حيث يجعل ترامب إدارة بايدن تبدو ضعيفة، بينما ينجح هو بتغيير صورة بلاده لدى مختلف دول العالم باعتماده على القوة العسكرية لحماية المصالح الأميركية في الخارج، كما يريد ترامب من الناخبين أن يفكروا في ذلك قبل انتخابات التجديد النصفي العام المقبل".
في حين اعتبر المسؤول السابق ب البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية تشارلز دان، في حديثه للجزيرة نت، أن ما يقوم به ترامب ما هو إلا "مجرد كلام عديم الجدوى لا يوجد أي عمل إجرائي في هذا الاتجاه"، مضيفا "كلام ترامب حول قاعدة باغرام يذكرني بهوسه بقناة بنما وجزيرة جرينلاند -إذا كان جادا- فربما لم يكن ينبغي لإدارته الأولى التفاوض على صفقة الانسحاب الكارثية مع طالبان في المقام الأول".
كانت باغرام شمالي العاصمة كابل، أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، ومركزا للعمليات العسكرية الأميركية على مدى عقدين بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ومع انسحاب القوات الأجنبية في يوليو/تموز 2021 وسيطرة طالبان على البلاد، تحولت القاعدة إلى رمز للقدرة الأفغانية على إدارة شؤونها، بعدما كانت تضم مدرجا بطول ميلين، ومجمعا للمروحيات والطائرات المقاتلة، فضلا عن سجون ومرافق لوجيستية وخدمات للجنود الأميركيين.
ومع ذلك، فإن تصريحات ترامب أعادت تسليط الضوء على الموقع الإستراتيجي للقاعدة، خصوصا قربها من حدود الصين ، ما يجعلها محورا للنقاش الإقليمي حول النفوذ الأميركي في آسيا الوسطى .
بالفيديو: #ترامب يفجر تصريحات نارية.. استعادة باغرام وهجوم لاذع على إلهان عمر وصادق خان! #الجزيرة_مباشر https://t.co/mUWWVMk0V4
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 19, 2025
من جانبها، رفضت الحكومة الأفغانية تصريحات ترامب بشأن استعادة القاعدة، مؤكدة تمسكها بسيادتها الوطنية، وقال رئيس الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الأفغانية ذاكر جلالي، في تصريح للجزيرة نت، إن أفغانستان و الولايات المتحدة بحاجة لإقامة تفاعل مشترك، ويمكنهما تطوير علاقات اقتصادية وسياسية قائمة على المصالح المشتركة، دون أن يكون لأميركا أي وجود عسكري في أي جزء من أفغانستان.
وأضاف جلالي أن الرئيس ترامب ليس مجرد سياسي، بل رجل أعمال ناجح وبارع في الصفقات، موضحا أن إشاراته بشأن استعادة قاعدة باغرام تأتي "ضمن سياق صفقة محتملة".
وأشار إلى أن الوجود العسكري الأجنبي لم يُقبل تاريخيا في أفغانستان، وأن هذا الاحتمال رُفض بشكل كامل خلال محادثات الدوحة، مع الإبقاء على أبواب التفاعل مفتوحة في مجالات أخرى.
وكان وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي، قد قال أواخر يوليو/تموز الماضي إن "تصريحات ترامب حول وجود صيني في قاعدة باغرام تفتقر للمصداقية"، مؤكدا أن "أفغانستان لن تسمح بأي وجود عسكري أجنبي على أراضيها".
وإقليميا، تراقب الصين و روسيا ودول آسيا الوسطى التطورات عن كثب، إذ تركز بكين على أهمية تجنب أي تصعيد عسكري قرب حدودها، بينما موسكو ، التي تمتلك علاقات دبلوماسية واقتصادية مع كابل، تراقب أي تحرك أميركي قد يعيد ترتيب موازين القوى في المنطقة.
وفي السياق، يرى الدبلوماسي الأفغاني السابق عمر صمد، في حديثه "للجزيرة نت"، أن أي محاولة لإعادة الوجود العسكري الأميركي لأفغانستان لن تكون سهلة، وستزيد التعقيدات الإقليمية، مشيرا إلى أن تصريحات ترامب ربما تحمل بعدا سياسيا داخليا أكثر من كونها خطة تنفيذية.
من جهته، يقول الخبير العسكري الأفغاني العميد متين هاشمي، للجزيرة نت، إن أي تدخل عسكري محتمل سيكون معقدا من الناحية اللوجيستية والإستراتيجية، إذ تحتاج القاعدة بعد سنوات من الإدارة المحلية لإعادة تجهيز شاملة، وأن أي خطوة من هذا النوع قد تثير توترات محلية وتعيد إحياء المخاوف من النزاعات المسلحة، مؤكدا أن أفغانستان اليوم غير قابلة لأي احتلال خارجي كما كانت في الماضي.
ويبقى أي حديث عن استعادة قاعدة باغرام أمرا حساسا، فهو يمس السيادة الوطنية والمخاوف الأمنية والرهانات الإقليمية، ويعيد طرح التساؤل: هل ستبقى أفغانستان ساحة للاختبارات الإستراتيجية أم إنها ستواصل مسارها نحو إدارة مستقلة لمسائلها الدفاعية والسياسية؟
كما يشير خبراء أفغان إلى أن أي خطوة أميركية مستقبلية ستشكل اختبارا لمرونة الحكومة الأفغانية وقدرتها على الحفاظ على استقرار البلاد في ظل الضغوط الإقليمية والدولية.