في ذروة التوتر بين إسرائيل والحوثيين، خرج وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بتصريحات غير مسبوقة، متوعدًا بتصفية زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، ومؤكدًا أن "العلم الإسرائيلي سيرفرف قريبًا في صنعاء".
تصريحات مثقلة بالرمزية جاءت بالتوازي مع تبادل صواريخ ومسيرات بين الطرفين، في مشهد يرسم ملامح مواجهة جديدة تُفتح على اتساعها من اليمن حتى البحر الأحمر، لتُضاف إلى جبهات الصراع المتشعبة في المنطقة.
لكن خلف هذا الخطاب المليء بالتحدي، يطفو سؤال جوهري: هل نحن أمام تهديد قابل للتنفيذ، أم مجرد رسائل سياسية وإعلامية موجهة لأكثر من طرف؟
صواريخ الحوثيين وضربات إسرائيل.. بداية التصعيد
المشهد بدأ عسكريًا قبل أن يصبح سياسيًا. الجيش الإسرائيلي أعلن اعتراض طائرة مسيرة أُطلقت من اليمن باتجاه أراضيه، ثم أتبعه بإعلان آخر عن اعتراض صاروخ انطلق من الاتجاه ذاته.
وفي المقابل، أكدت الشرطة الإسرائيلية أن مسيرة أصابت مدينة إيلات بجنوب البلاد، محدثة أضرارًا مادية في منطقة الفنادق من دون تسجيل إصابات بشرية. وسائل الإعلام الإسرائيلية عزّزت هذه الرواية، مشيرة إلى أن المسيرة انطلقت من اليمن بالفعل.
من جانبهم، أعلن الحوثيون بشكل واضح استهدافهم لعدة مواقع داخل إسرائيل، بينها يافا وإيلات وبئر السبع، مستخدمين صاروخًا باليستيًا من طراز فرط صوتي و4 طائرات مسيرة.
بهذا الإعلان العلني، انتقلت المواجهة من دائرة التلميح إلى دائرة الاشتباك المباشر، ليصبح اليمن ساحة إضافية في معادلة الحرب المفتوحة.
كاتس يرفع سقف التهديد
في خضم هذه الأحداث، صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس نبرته. فبعد أن أدرج عبد الملك الحوثي على "قائمة الاغتيالات"، التي طالت وفق وصفه أعضاء في حكومة الحوثيين وقيادات في ما سماه "محور الشر"، وجّه رسالة مباشرة: "دورك سيأتي".
لم يكتفِ كاتس بذلك، بل استخدم صورة رمزية قوية، حين قال إن شعار "الموت لإسرائيل" المكتوب على علم الحوثيين سيُستبدل بعلم إسرائيل الذي سيرفرف "في العاصمة اليمنية الموحدة".
هذه العبارة ذات طابع دعائي بامتياز، لكنها لا تقلل من خطورة الإشارة إلى نية إسرائيلية باستهداف رأس الهرم الحوثي.
المبادرة حوثية والخطاب إسرائيلي دعائي
قدّم المستشار السابق بوزارة الدفاع الإسرائيلية ألون أفيتار، خلال حديثه إلى برنامج "التاسعة" على "سكاي نيوز عربية"، مقاربة مغايرة في تحليل التصعيد.
أفيتار شدّد أولًا على أن التصعيد بمبادرة حوثية، عبر إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل، وليس بمبادرة إسرائيلية.
وأوضح أن إسرائيل تردّ في المقابل باستخدام "لغة القوة"، عبر عمليات عسكرية جوية وبحرية، وستواصل ذلك كلما أتيحت الظروف المناسبة.
لكنه توقف عند تصريحات كاتس حول رفع العلم الإسرائيلي في صنعاء، معتبرًا إياها "جزءًا من التكتيكات والدعاية السياسية" أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ الميداني. الرسالة، بحسب أفيتار، لا تتعلق بالعلم بقدر ما تتعلق بترسيخ صورة التفوق الإسرائيلي وإيصال رسالة ردع للحوثيين.
الاغتيال كأولوية عسكرية
رغم نزع الطابع العملي عن بعض عبارات كاتس، أكد أفيتار أن إسرائيل ستواصل عمليات استهداف واغتيال قيادات الحوثيين في كل مكان في اليمن، وأن هذا أولوية قائمة في أجندة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
غير أن هذه العمليات، بحسب قوله، مرهونة بالظروف التنفيذية والاستخباراتية. القيادات الحوثية وعلى رأسها عبد الملك الحوثي تتنقل باستمرار، وتختبئ في أنفاق أو منازل محاطة بالمدنيين، ما يصعّب من مهمة رصدهم.
هنا يكمن جوهر التحدي: إسرائيل قد تمتلك النية والقدرة التكنولوجية، لكنها تحتاج إلى معلومات دقيقة ولحظة مناسبة، وهو ما يجعل الاغتيال هدفًا استراتيجياً طويل المدى أكثر منه عملية وشيكة التنفيذ.
اليمن.. ساحة بعيدة ومعقدة
أشار أفيتار خلال مداخلته إلى نقطة جوهرية أخرى: البُعد الجغرافي. فاليمن يقع على بعد نحو 2000 كيلومتر من إسرائيل، وهو ما يجعل هذه الجبهة مختلفة عن جبهات قريبة مثل لبنان أو غزة.
هذا البعد يفرض تحديات لوجستية واستخباراتية على أي عملية إسرائيلية، سواء كانت ضربات جوية أو اغتيالات محددة. كما أن طبيعة الحوثيين كحركة منظمة داخل بيئة يمنية متشابكة يزيد من صعوبة المهمة.
وبينما يؤكد أفيتار أن إسرائيل لا تملك أي طموح سياسي أو استراتيجي بالنسبة لمستقبل اليمن، فإنها تعتبر المواجهة العسكرية مع الحوثيين مهمة جوهرية تتعلق بوقف الصواريخ والمسيرات التي تهدد أراضيها.
التفوق الدفاعي الإسرائيلي
رغم تعدد الهجمات الحوثية، أشار أفيتار إلى أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية تحقق نجاحا يتجاوز 90 بالمئة في اعتراض الصواريخ والمسيرات.
هذه النسبة العالية تُعتبر عنصر طمأنة للرأي العام الإسرائيلي، ورسالة بأن التهديد الحوثي رغم خطورته لم ينجح في كسر الردع.
ومع ذلك، فإن سقوط طائرة مسيرة في إيلات وتسببها بأضرار مادية، حتى لو بلا إصابات، يكشف أن هامش الخطر قائم، وأن أي اختراق دفاعي قد يترك أثرًا نفسيًا وإعلاميًا يتجاوز حجمه العسكري المباشر.
اليمن بين إيران وإسرائيل.. تشابك إضافي
لم يغفل أفيتار الإشارة إلى البعد الإيراني. فبعض الصواريخ الحوثية مصدرها إيران، بينما يجري إنتاج بعضها الآخر محليًا في اليمن. هذا الترابط يضع الصراع في إطار أوسع، حيث ترى إسرائيل أن الحوثيين جزء من «المحور السلبي» الذي تقوده إيران، إلى جانب حزب الله في لبنان والنظام في سوريا.
وبالتالي، فإن المواجهة ليست مع الحوثيين وحدهم، بل مع شبكة إقليمية مترابطة، وهو ما يمنح أي عملية ضد الحوثيين بعدًا يتجاوز حدود اليمن.
بين الرمز والواقع
تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي جاءت لتشدّد على نبرة التحدي، لكن القراءة المهنية التي قدمها أفيتار تكشف حدود هذا التهديد. فالحديث عن رفع العلم الإسرائيلي في صنعاء يبقى في إطار الدعاية والرمزية، بينما يظل الاغتيال هدفًا استراتيجيًا طويل الأمد ينتظر لحظته المناسبة.
اليمن بالنسبة لإسرائيل ليس هدفًا سياسيًا أو جغرافيًا، بل ساحة بعيدة ومعقدة تُفتح من بوابة إيران ومحور إقليمي أوسع. والحوثيون، بإصرارهم على إدخال إسرائيل في معادلة الصراع عبر الصواريخ والمسيرات، جعلوا أنفسهم جزءًا من هذه المواجهة المفتوحة.
بين الرمز والواقع، تبقى النتيجة أن التصعيد مستمر، وأن لعبة الرسائل والضربات المتبادلة تحمل خطر الانزلاق إلى مواجهة أوسع. وفي ظل غياب أفق تسوية أو تهدئة، ستبقى تصريحات مثل تهديد كاتس جزءًا من المشهد، فيما يُرسم على الأرض مسار ميداني أكثر تعقيدًا وخطورة.