آخر الأخبار

محللون: تعدد الجبهات ينهك العمق الإسرائيلي ويبدد أمل النصر المطلق

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بينما تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية المكثفة في قطاع غزة ، تكشّفت ملامح أزمة أشمل تتجاوز حدود الميدان إلى عمق الإستراتيجية الإسرائيلية برمّتها.

فقد جاء يوم واحد محمّلا بعمليات نوعية من رفح إلى معبر اللنبي مع الأردن، مرورا بمسيرات حوثية وصلت إلى إيلات، ليجعل مشهد تعدد الجبهات واقعا ضاغطا يضع قدرة إسرائيل على الحسم في موضع اختبار عسير.

وفي هذا السياق، يرى الكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث" أن إسرائيل بنت طوال عقود أسطورة "اليد الطولى" التي تتيح لها المناورة في أكثر من ساحة دون أن تتأثر جبهتها الداخلية.

غير أن ضربات رفح ومعبر اللنبي، إضافة إلى المسيرات التي عبرت الأجواء حتى وصلت إلى فندق في إيلات، تعكس صورة مغايرة؛ فبدلا من الهيمنة المطلقة، بدت تل أبيب مكشوفة على جبهات متعددة، مع ثمن مدني وعسكري لا تستطيع إنكاره.

هذه الهشاشة العسكرية التقطها العميد إلياس حنا، الخبير العسكري والإستراتيجي من لبنان ، إذ رأى أن تكرار استهداف إسرائيل بمئات الصواريخ والمسيّرات منذ بداية الحرب ليس إلا عملية "موت بألف طعنة".

فكل خرق صغير في منظومة الدفاع الجوي يعمّق استنزافا طويل الأمد، ويؤكد أن الاعتماد على الضربات الجوية والاغتيالات لم يفلح في وقف هذه العمليات.

والأخطر، بحسب حنا، أن مشهد رفح يقدّم نموذجا مصغرا لما ينتظر إسرائيل في غزة، حيث ستتحول السيطرة إلى معركة استنزاف بيتا بيتا وشارعا بشارع.

جرح العلاقات

أما على الصعيد الإقليمي، فقد لفت عريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمان ، إلى أن العملية التي وقعت في جسر اللنبي أعادت فتح جرح العلاقات الأردنية الإسرائيلية، التي تعيش أصلا احتقانا شعبيا وسياسيا.

وأعلنت إسرائيل اليوم مقتل اثنين من جنودها على معبر اللنبي الحدودي مع الأردن، وذلك بعد أن أطلق سائق شاحنة أردنية تحمل المساعدات إلى قطاغ غزة النار على الجنديين، ثم أجهز عليهما بسكين كان بحوزته.

إعلان

في رأي الرنتاوي، لم تعد إسرائيل تخفي نواياها التوسعية، ما يضع الأردن في دائرة الاستهداف المباشر، ويجعل أي رهان على "أمن مطلق" لإسرائيل ضربا من الوهم، فهذا التآكل في صورة "النصر الكامل"، كما يضيف، حوّل وعود نتنياهو بالأمن إلى مادة للسخرية داخل إسرائيل وخارجها.

وفي الأشهر الأخيرة أعلن نتنياهو مرارا وتكرارا عزمه تغيير خارطة الشرق الأوسط لتحقيق "وعود تلمودية" والوصول لـ "إسرائيل الكبرى" والتي تعني ضم إسرائيل ليس للضفة الغربية فحسب بل لدول أخرى بالمنطقة وأجزاء واسعة من دول أخرى.

لكن الواقع على الأرض -كما يرى محللون- يفيد أن المأزق لا يتوقف عند الجبهات العسكرية؛ فالسياسة الإسرائيلية تترنح أيضا في الساحة الدولية، رغم فشل مجلس الأمن في تمرير قرار بوقف إطلاق النار بفعل الفيتو الأميركي.

فقد أعاد هذا الفيتو إنتاج صورة واشنطن كغطاء ثابت لتل أبيب، وكشف في الوقت ذاته عمق العزلة الأميركية، وهو ما وصفه المحلل الأميركي توماس واريك بكونه استمرارا لنهج طويل الأمد.

إلا أن هذا الدعم لا يخفي ضيق إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تكتيكات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، خصوصا بعد استهداف قطر ، الحليف الذي تراه واشنطن أساسيا في أي ترتيبات إقليمية.

تتفاقم الضغوط كذلك من ملف الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة في ظل تحذيرات كتائب القسام من أن استمرار التوغل الإسرائيلي يعني "نهاية" هؤلاء الأسرى والتي وضعت حكومة نتنياهو في مأزق داخلي.

ورغم محاولات المتحدثين العسكريين التخفيف من وقع الأزمة بالحديث عن "تفوق استخباري"، فإن عائلات الأسرى خرجت تتظاهر متهمة رئيس الوزراء بالتضحية بأبنائها من أجل مكاسب سياسية.

تناقض الخطاب الإسرائيلي

وتعكس هذه الأزمة التناقض بين الخطاب الإسرائيلي عن السيطرة وعجزه عن استعادة الأسرى أو حتى معرفة أماكن احتجازهم بدقة.

على المستوى الإستراتيجي، تبدو إسرائيل عالقة بين خيارين أحلاهما مرّ: الاستمرار في حرب استنزاف طويلة قد تستهلك الجيش وتزيد العزلة الدولية، أو الذهاب إلى تسوية تفاوضية يراها قادة اليمين هزيمة سياسية.

وهنا يشير الرنتاوي إلى أن مفاتيح الحل ليست في تل أبيب وحدها، بل في يد ترامب، القادر على فرض وقف للحرب، لكنه يختار، حتى الآن، إدارة الصراع بدلا من حسمه.

ما يعزز هذه الصورة أن إسرائيل تواجه لأول مرة منذ تأسيسها انقساما عميقا بين القيادة السياسية والعسكرية والاستخبارية.

فالجيش الذي اعتاد حروب المناورة السريعة يجد نفسه في مواجهة مقاومة عصابات مرنة تعرف تضاريس الأرض وتعيد ابتكار أساليبها باستمرار، بينما يصر نتنياهو على البحث عن "صورة نصر" تبدو أبعد ما تكون عن التحقق.

في ظل هذه المعطيات، يخلص مراقبون إلى أن شعار "النصر المطلق" الذي روّج له نتنياهو يتهاوى تحت ضغط حرب متعددة الجبهات، داخلية وخارجية، عسكرية وسياسية.

ومع استمرار العمليات من غزة ولبنان واليمن ، وتزايد الغضب الشعبي في دول الجوار، تتقلص قدرة إسرائيل على التحكم بمسار الأحداث، وما يتبدد ليس فقط وهم النصر العسكري، بل أيضا مكانة إسرائيل كقوة قادرة على فرض معادلاتها بلا منازع.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا