آخر الأخبار

لكل طفل قُتل في غزة اسم وحكاية فهل يعي الألمان ذلك؟

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

المجازر المستمرة منذ نحو عامين في قطاع غزة ، والقتل غير المسبوق بالكيفية والنوعية للأطفال والنساء والشيوخ، وشطب آلاف العائلات من السجل المدني في غزة، وتحويل القطاع من أكبر سجن إلى أكبر مقبرة يُقتل بها الجميع بدون تفريق وعلى الهواء مباشرة، كل هذا أعاد إثارة النقاش حول جوانب كثيرة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومنها الجانب السياسي والقانوني.

مصدر الصورة يعد هذا الكتاب مهما وذو قيمة أكاديمية مهمة، خصوصا أنه كُتب بلغة ألمانية تستهدف غير المتخصصين وحتى غير المُطلعين على تفاصيل الصراع في فلسطين (الجزيرة)

ينقسم الكتاب الذي بين أيدينا إلى قسمين: في القسم الأول تناقش بروفيسورة العلوم السياسية والعلاقات الدولية التي أمضت أكثر من أربعة عقود في مدينة القدس وجامعة بيرزيت، الدكتورة هيلغا بومغارتن، الجانب السياسي للإبادة الجماعية في قطاع غزة.

أما القسم الثاني من الكتاب من تأليف بروفيسور القانون الدولي والسياسي وعضو البرلمان الألماني السابق الدكتور نورمان بايش، حيث يحلل الجانب القانوني للإبادة الجماعية في قطاع غزة.

تُقدم بومغارتن للكتاب، وتؤكد أن الحكومة الألمانية بعد السابع من أكتوبر 2023 أصبحت تُرسل السلاح إلى إسرائيل بوتيرة أكبر من السابق، كما أن المستشار الألماني أكّد بشكل لا يكترث للواقع والحقيقة أن إسرائيل مُلتزمة بشكل صارم بمعايير القانون الدولي.

مصدر الصورة المستشار الألماني فريدريش ميرتس (يسار) ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الفرنسية)

وتوضح الكاتبة أن الصحافة والإعلام الألماني أُصيبا بالعمى ولا يريدان رؤية الحقيقة في قطاع غزة. مرة أخرى، يوجد في التاريخ الألماني مجموعة من الناس جُردت ونُزعت من إنسانيتها بشكل مُطلق، في ألمانيا النازية كانت هذه المجموعة هم اليهود، أما اليوم -في السياق الألماني إعلاميا وسياسيا- فهم الفلسطينيون بحسب الكاتبة.

إعلان

عندما عُقد مُؤتمر بازل الأول عام 1897، كانت أهداف الحركة الصهيونية واضحة كالشمس للجميع. كان الهدف تحويل فلسطين إلى دولة يهودية، ولم يكن هناك بطبيعة الحال مكان للمجتمع الفلسطيني. لقد صُوِّرَ السكان الأصليون على أنهم غير متحضرين، وكان على الدولة اليهودية أن تبني جدارا لتحمي نفسها كونها جزءا من الحضارة الغربية، أما العالم العربي (المتوحش من منظور الصهيونية) فكان عليه أن يقوم بنقل الفلسطينيين بشكل كامل إلى أراضيهم.

ورغم أن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أعلن قبل أيام أن ألمانيا ستوقف تصدير المعدات العسكرية التي قد تستخدم في حرب غزة، لإسرائيل "حتى إشعار آخر"، وذلك ردا على خطة جيش الاحتلال، لاحتلال القطاع الذي يتعرض لحرب إبادة، فإنه ورغم هذا التغير الطفيف في الموقف الألماني، فإن آراء الكتاب الذي بين يدينا ما زالت ذات أهمية لحديثها عن دولة تعد من أكبر داعمين دولة الاحتلال الإسرائيلي

المقاومة الفلسطينية

لقد تطورت المقاومة الفلسطينية من القاعدة الشعبية، لكن النخب لعبت أيضا دورا أساسيا في هذا الصدد. لعبت النخب الفلسطينية دورا محوريا في تطوير الوعي الوطني والثقافي، لا سيما من خلال الصحف المُختلفة التي كانت تُنشر آنذاك، على سبيل المثال صحيفة "فلسطين" في يافا، التي كان مُحررها عيسى العيسى، وصحيفة "الكرمل" لنجيب نصار في حيفا ، هذه الصحف وغيرها كان لها دور بارز في استنهاض المُقاومة وبناء هوية ووعي فلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني في فلسطين.

لم يكن العمل المُقاوِم محصورا على النخبة الفلسطينية، بل تجاوز ذلك إلى جميع أطياف المجتمع الفلسطيني. توضح الكاتبة أن الفعل المُقاوِم لم يبدأ في الثورة الكبرى المعروفة عام 1936 ضد الاستعمار البريطاني والاستيطان الصهيوني، بل إن المُقاومة الفلسطينية بدأت مع بداية الاستعمار البريطاني في فلسطين.

على صعيد آخر، قام البريطاني بكل ما يمكن تخيله من استخدم العُنف والتخريب والعقوبات الجماعية التي لم تستثنِ أحدا من الشعب الفلسطيني. أما الحركة الصهيونية فكانت تستخدم أدوات الإرهاب والعنف لطرد وقتل الشعب الفلسطيني وإحلاله بالصهيوني المُهاجر من كل أنحاء العالم إلى فلسطين.

مصدر الصورة “الحركة الصهيونية كانت تستخدم أدوات الإرهاب والعنف لطرد وقتل الشعب الفلسطيني وإحلاله بالصهيوني المُهاجر من كل أنحاء العالم إلى فلسطين (الجزيرة)

تؤكد أستاذة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت أنه لولا الدعم الغربي الأوروبي، ولاحقا الأميركي، للحركة الصهيونية في البداية، وبعد ذلك لدولة إسرائيل بعد النكبة والتأسيس عام 1948، لما كان للحركة الصهيونية التقدم الاستيطاني الإحلالي ولا إقامة دولة يهودية في فلسطين التاريخية. لذا، فإن مشروع تأسيس دولة يهودية استعمارية في فلسطين هو امتداد للاستعمار الغربي وصورة له.

وفي خلفية تاريخية مُهمة لفهم ما يحدث في غزة من إبادة جماعية ، تتعرض الكاتبة للنكبة الفلسطينية وما فعلته الحركة الصهيونية بالمجتمع الفلسطيني. تُذكِّرنا الكاتبة أنه في عام 1948 نجحت الحركة الصهيونية بإبادة السكان الأصليين، والاستيلاء على أراضيهم، وإقامة دولة جديدة ذات سكان مُختلفين يهود بدلا من الفلسطينيين، وهكذا نشأت دولة استعمارية استيطانية في فلسطين.

إعلان

لقد أدت النكبة إلى تلاشي المجتمع الفلسطيني الموحَّد في فلسطين، وجعلت منه مُجتمعا مُشردا ومُقسما ولاجئا لا أرض تجمعه. وهذا يعني أن إسرائيل قامت على العنف والإرهاب، ولذا، يجب تعريف وتحليل إسرائيل على أنها دولة استعمارية إحلالية واستيطانية.

بالإضافة إلى الآثار الكارثية للنكبة وما فعلته بالفلسطينيين، تتعرض أستاذة العلوم السياسية للفترة الواقعة بين 1967-2023، حيث قامت إسرائيل فيما يُعرف بحرب عام 1967 باحتلال باقي الأراضي الفلسطينية وطرد ما بين 300-400 ألف فلسطيني جديد إلى خارج فلسطين. تقول الكاتبة إن الدولة الغربية الكبرى وكل الدول الأوروبية كانت داعمة لإسرائيل في يسمى بـ "الضربة الدفاعية الإسرائيلية" التي قامت بها ضد الدولة العربية، بذريعة أن العرب كانوا يريدون تدمير إسرائيل.

بعد عشرين عاما على احتلال باقي الأراضي الفلسطينية بدأت الانتفاضة الأولى، وهي انتفاضة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي. في يناير/كانون الثاني عام 1988، أصدر إسحاق رابين -وزير ما يُسمى "الدفاع الإسرائيلي" آنذاك- أمرا ينتهك حقوق الإنسان الفلسطيني وهو "اكسروا عِظامهم"، حيث انتشرت صور جنود الاحتلال الإسرائيلي وهم يكسرون عظام الشباب الفلسطيني بالحجارة في كل أنحاء العالم. كانت اتفاقية أوسلو في سبتمبر/أيلول عام 1993 هي المحطة النهائية للانتفاضة الأولى، ولكن هذه الاتفاقية أدت لاحقا إلى انقسام الحركة الوطنية الفلسطينية بين حماس وفتح.

لقد تميزت فترة بداية التسعينيات بثلاثة أمور بحسب بومغارتن: أولا، عمليات حماس الفدائية ضد الإسرائيليين. ثانيا، التوسع المُستمر للاستيطان الإسرائيلي وتزايد عدد المستوطنين. وأخيرا، عدم تطبيق اتفاقيات أوسلو، بل وفشل التفاوض بين مُنظمة التحرير والإسرائيليين. هذه العوامل الثلاثة أسهمت في اندلاع الانتفاضة الثانية المعروفة بانتفاضة الأقصى عام 2000.

الإبادة الجماعية في قطاع غزة

ترى هيلغا بومغارتن أن الإبادة الجماعية المُستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 هي مُجرد مرحلة جديدة وامتداد للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي نيابة عن اليمين المُتطرف تُشكِّل بلا شك إبادة جماعية مُركبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وتؤكد الكاتبة أن العنف الإسرائيلي يهدف إلى القضاء على السكان الأصليين الفلسطينيين، سواء عن طريق التطهير العرقي أو الإبادة الجماعية.

إن لهذه الإبادة الجماعية جوانب مُختلفة، مثل القضاء على النظام الصحي في غزة، بما في ذلك قتل الأطباء والعاملين في هذا القطاع، أيضا القضاء على الصحافة والإعلام لمنع انتشار الرواية الفلسطينية، والإبادة التعليمية للأساتذة ومباني الجامعات والعاملين بها.

تقول الكاتبة إنه وفقا لإحصائيات من سبتمبر/أيلول 2024، فإن أكثر من عشرة آلاف تلميذ وطالب فلسطيني قُتلوا بسبب إسرائيل، أكثر من خمسمئة منهم أساتذة جامعيون ومُعلمون، حتى إن إسرائيل تهدف إلى القضاء على الفنانين والكُتّاب والموسيقيين في شكل آخر من إبادتها الجماعية في القطاع.

توضح الكاتبة أن غزة أصبحت أكبر مقبرة في العالم، وتُذكِّر قُراءها الألمان أن لكل طفل وقتيل اسما وحكاية، وأنهم ليسوا مُجرد أرقام تُذكر هنا وهناك. كما تربط الكاتبة بين ما يحدث في غزة والضفة الغربية ، وتُحذر من أن الضفة الغربية على أعتاب تطهير عرقي وإبادة جماعية قريبة. تختتم الكاتبة بالتساؤل: إلى متى سوف تبقى أوروبا وخصوصا ألمانيا تدعم إسرائيل، التي تقوم بالتطهير العرقي والإبادة الجماعية، خصوصا أن هذا الدعم الأوروبي كبير وشامل للدعم العسكري والسياسي والمالي وحتى الأيديولوجي.

البُعد القانوني لجذور الإبادة الجماعية لقطاع غزة

يبدأ أستاذ القانون الدولي نورمان بايش القسم الثاني بالكتاب بالقول إن الاحتلال الإسرائيلي لن يكون الضمان لبقاء إسرائيل، بل دولة فلسطينية ذات سيادة حرة، ويؤكد أن المشروع الصهيوني في فلسطين منذ البداية قام على العنف والحروب واضطهاد الفلسطينيين، لذا، فإن الإبادة الجماعية التي تقوم إسرائيل بها في قطاع غزة لا تُشكل مُفاجأة في هذا التطور التاريخي للصراع.

إعلان

يُذكِّر نورمان بايش القارئ بأن السابع من أكتوبر عام 2023 كان صدمة كبيرة للمجتمع الإسرائيلي، ذكّرتهم بالمحرقة الألمانية، لكن الكاتب يقول إنه يجب العودة إلى جذور الصراع في فلسطين لفهمه، وليس المقصود هنا السنوات التي تحوّل قطاع غزة بها إلى "أكبر سجن مفتوح"، ولا إلى عام 1967، ولا حتى إلى النكبة.

مصدر الصورة يُذكِّر نورمان بايش القارئ بأنه ولفهم عملية السابع من أكتوبر عام 2023 يجب العودة إلى جذور الصراع في فلسطين (الإعلام العسكري للقسام)

الكاتب يُصر أن جذور هذا الصراع تعود إلى بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين التاريخية، وبالتالي الفهم التاريخي الصحيح سوف يقودنا، بحسب الكاتب، لفهم الجانب القانوني للإبادة الجماعية في قطاع غزة بشكل أعمق وأكثر شمولية.

يدّعي الكاتب أن التاريخ يُبين لنا أن اندلاع الحرب على غزة كان مُنتظرا وقابلا للتوقع كون المشكلة تتأصل وموجودة في المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يريد إبادة السكان الأصليين.

يقول الكاتب إنه وفقا للقانون الإنساني الدولي الوارد في اتفاقيات لاهاي وجنيف، تُعد إسرائيل دولة مُحتلة "للمناطق الفلسطينية"، وهي الضفة الغربية، وقطاع غزة، وشرقي القدس، إضافة إلى مرتفعات الجولان السورية. وهذه الاتفاقيات بطبيعة الحال مُلزِمة لكل الدول بغض النظر إن كانت الدول قد وقَّعت على هذه الاتفاقيات أم لا.

يؤكد أستاذ القانون الدولي حقيقة أن إسرائيل تبقى المسؤولة عن هذه المناطق، حتى في حال الانسحاب الإسرائيلي في عام 2005 من أجزاء من قطاع غزة، فهذا لا يُعفي إسرائيل من مسؤولياتها على كل الأصعدة. يقول الكاتب إنه لا ريب أن إسرائيل تقوم بانتهاك القانون الدولي على كل الأصعدة. لذا، فإن للفلسطينيين الحق بالمقاومة حتى تقرير المصير ونيل الاستقلال.

مقاومة أم إرهاب: الحق في تقرير المصير

يؤكد نورمان بايش أن حق تقرير المصير هو المبدأ القانوني المحوري الذي ترتكز عليه مطالب الاستقلال والتحرر من الهيمنة والقمع الأجنبي، حيث ظل مبدأ تقرير المصير محل نزاع لعقود داخل الأمم المتحدة . ولكن القوى الاستعمارية القديمة قبلت بهذا المبدأ في النهاية. الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال الإسرائيلي له الحق الكامل والشامل بتقرير مصيره والاستقلال كباقي شعوب العالم.

يُوضح الكاتب أن العنف متأصل في الهيمنة الاستعمارية وليس في البلاد التي أُخضعت أو في سكانها الأصليين. هذا يعني أنه لا يمكن وصف مقاومة الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي بأنها مجرد إرهاب وعنف، بل هي وسيلة قانونية وشرعية بحسب الكاتب، وخصوصا أن هذه الهيمنة الاستعمارية لا تنتهي بإرادة وحُسن نية من المُستعمِر، بل بمقاومة المُستعمَر للاستعمار.

يدافع الكاتب عن فكرة أن حماس هي حركة مُقاومة بحسب القانون الدولي، رغم أنها تُصنف حركة إرهابية في إسرائيل والدول الأوروبية، وأنها حركة ليس لها الحق باستخدام العنف حتى ضد قوى الاحتلال الإسرائيلي.

من جانب آخر، يستعرض أستاذ القانون الدولي وثيقة حماس "رؤيتنا للطوفان" التي تعكس أسباب القيام بعملية السابع من أكتوبر، ولكنه يقول إن هذه الوثيقة المُهمة تُجوهِلت ولم تُناقَش. فعلى سبيل المثال، تُبين هذه الوثيقة أن أخذ أسرى إسرائيليين كان بهدف مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، فبحسب إحصائيات من يونيو/حزيران 2023 فإن هناك الآلاف من الأسرى الفلسطينيين، منهم أكثر من 160 طفلا، ونحو 1100 أسير فلسطيني بدون محاكمات.

"السيوف الحديدية"

أطلقت إٍسرائيل عملية ردا على السابع من أكتوبر، وتحديدا في اليوم الثاني، وسمّتها "عملية السيوف الحديدية"، وبطبيعة الحال تذرعت الحكومة الإسرائيلية بذريعة "الدفاع عن النفس"، ولا تزال تُبرر إبادتها تحت شعار "الدفاع عن النفس". يقول الكاتب إن حكومات الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا والاتحاد الأوروبي تحذو حذو إسرائيل وروايتها في هذا الصدد، وذلك بهدف أن تُضفي هذه الدول الغربية الشرعية على استمرار إرسال شاحنات الأسلحة والمساعدات المالية.

حرب الإبادة الإسرائيلية ليست مخالفة للقوانين والمعايير الدولية فحسب، بل إنها تقود إلى حروب لا متناهية بسبب الأهداف الإسرائيلية غير المحددة، مثل هدف القضاء على حماس حتى لا يحدث السابع من أكتوبر مرة أخرى.

بطبيعة الحال تدّعي إسرائيل أن هدف حربها هي حماس، لكن الكاتب يُوضح أن ذلك غير صحيح من خلال استعراض كيف أن إسرائيل دمرت 425 مدرسة، ونحو 273 دور عبادة، و250 مناطق إيواء للاجئين، كما دمرت 31 مشفى من أصل 36. يشير الكاتب من خلال هذه الأرقام أنها توضح بدون أدنى شك أن حرب إسرائيل هي على الشعب الفلسطيني وليس على حماس.

إعلان

كما يستعرض الكاتب مقولات لعدد من السياسيين الإسرائيليين، التي تُوضح بصراحة ووضوح أن إسرائيل تهدف إلى تدمير قطاع غزة وطرد السكان الفلسطينيين وإحلالهم بمستوطنين إسرائيليين، وهذا بطبيعة الحال أحد معاني التطهير العرقي والإبادة الجماعية من منظور قانوني.

على سبيل المثال لا الحصر، قالت وزيرة المرأة الإسرائيلية: "مَن يخطط لمحرقة جديدة فسوف يعيش نكبة جديدة". لذا، وبحسب الكاتب، فإن عملية السيوف الحديدية الإسرائيلية تنتهك القانون الدولي بكل جوانبه، كما هو الحال باستخدام التجويع والغذاء سلاحا. رغم ذلك، يقول عضو البرلمان الألماني في السابق إن القانون الدولي لم يجلب السلام ويمنع الحرب على مدى أكثر من 75 عاما في هذا الصراع.

يصرح الكاتب الألماني أن من المهم أن نتذكر في هذا السياق السياسي العالمي الدول التي تساند إسرائيل، وذلك حتى لا نركز عند تفسير الصراع الذي اندلع في غزة وما تلاه من إبادة جماعية فقط على إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة التي تزداد عنصرية. هذه حرب لا تخوضها إسرائيل وحدها، بل لا تستطيع إسرائيل خوضها إلا بفضل ووقوف الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبها.

إن المشاركة الفعّالة لأميركا، من خلال توريد الأسلحة المُستمر والدعم الاقتصادي والسياسي في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة، لا يهدف إلا إلى ترسيخ هيمنتها في المنطقة. لكن بحسب الكاتب فإن النفوذ الأميركي على المَحك بسبب تضحيتها بالحقوق الفلسطينية، وكذلك إهمالها للقوانين الدولية والإنسانية بشكل صارخ. يصرح الكاتب أن إسرائيل منذ سنوات هي أكبر مثير للحروب في المنطقة، لكن المسؤولية بالأصل تقع على عاتق الأمريكان، لذا، وفقا للكاتب، فإن أميركا تستطيع إيقاف هذه الإبادة فقط إذا توقفت عن توريد السلاح لإسرائيل.

يختم الكاتبان الكتاب بخاتمة مشتركة، ويقولان إن أهالي غزة باقون رغم كل الظروف في بلادهم، وهم لم يتخلوا قط عن الأمل في الحرية والاستقلال وحياة تليق بالكرامة الإنسانية، ويختم الكاتبان باقتباس للطفلة ماريا حنون من غزة وهي تقول للرئيس الأميركي: "بدي أسألك سؤال بتمنى يوصلك وتجاوبني، أنا كطفلة ناجية من حرب غزة لو طلبت منك تخرج من بيتك ومن أرضك وتعيش بمصر أو بالصين ، هل بتوافق؟… طيب، إذا أنت بترفض ليش بدك تخليني أنا أقبل بخروجي من بيتي ومن أرضي؟ مش على أساس انتو بلد الحرية حول العالم؟ عن أي حرية بتتكلم؟ وأنتم بدكم تقيدونا بوطنا وشتاتنا؟… تحكم بكل العالم إلا غزة، لأن غزة هي العالم".

في النهاية، هذا كتاب مهم وذو قيمة أكاديمية مهمة، خصوصا أنه كُتب بلغة ألمانية تستهدف غير المتخصصين وحتى غير المُطلعين على تفاصيل الصراع في فلسطين. في الجزء الأول من الكتاب، تقوم هيلغا بومغارتن بتقديم تاريخي شامل وفيه عُمق تفصيلي عن تاريخ الصراع منذ الاستعمار البريطاني لفلسطين، وهذا يعطي بطبيعة الحال خلفية مُهمة لفهم هذه الإبادة التي تدور في غزة كونها مجرد امتداد لعنف الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل.

يبقى أن أقول في النهاية إن لفظ "الإبادة الجماعية" هو مصطلح جديد، وبطبيعة الحال ظهر في السياق الأوروبي، وذلك بسبب عنف الرجل الأبيض. لذا فقد يكون أكثر صوابا أن نستخدم بالعربية مُصطلح "الإبادة الجذرية" بدلا منه لتوصيف ما يحدث في غزة، لأن هذه الإبادة الجذرية التي تقوم بها إسرائيل لا تهدف فقط إلى القضاء على الفلسطيني وإزالته بشكل كامل من وطنه وتاريخة وثقافته، بل تهدف إلى اجتثاث جذوره من أرضه بشكل كامل، وذلك بهدف إحلال الصهيوني اليهودي مكان الفلسطيني.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا