ففي الوقت الذي أصدرت فيه الحكومة اللبنانية قرارا تاريخيا بالمضي قدما في تنفيذ قرار حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتكليف الجيش الوطني بهذه المهمة، عبّر مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، عن رفض بلاده نزع سلاح حزب الله، مؤكدا استمرار دعم إيران للمقاومة والشعب اللبناني.
إيران والسلاح.. ورقة تفاوض إقليمية؟
تتزامن تصريحات المسؤول الإيراني مع تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء تمسك طهران بسلاح حزب الله، خاصة في ظل تقارير عن محاولة إيران استغلال هذا الملف كورقة تفاوضية مع واشنطن حول برنامجها النووي.
وتقول مصادر مطلعة إن طهران تحاول فتح قناة تفاوضية جديدة مستغلة ملف السلاح في لبنان كأداة ضغط.
وفي هذا السياق، يوضح عماد أبشناس، رئيس تحرير صحيفة "إيران ديبلوماتيك"، في حديث لبرنامج "رادار" على "سكاي نيوز عربية"، أن قرار نزع سلاح حزب الله ليس قرارا لبنانيا حرا، بل قرار مفروض من الولايات المتحدة على الحكومة اللبنانية عبر ضغوط وإملاءات سياسية، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تواجه رفضا من إيران التي تقف في صف الشعب اللبناني ضد "الإملاءات الخارجية".
ويشير أبشناس إلى انسحاب النواب الشيعة من جلسة الحكومة التي ناقشت القرار، بما في ذلك نائب محسوب على تيار رئاسة الجمهورية، في مؤشر واضح على الانقسام الداخلي حول هذا الملف.
مشروع أميركي إسرائيلي لإعادة رسم خرائط المنطقة
وفي رؤية أوسع، يربط الخبير الإيراني تداخل الملف اللبناني مع مخططات إقليمية تقودها الولايات المتحدة وإسرائيل لإعادة ترسيم خرائط الشرق الأوسط، من خلال تفتيت الدول الكبرى إلى دويلات صغيرة، بهدف ضمان " إسرائيل الكبرى" التي تمتد من النيل إلى الفرات.
ويحذر أبشناس من أن هذه المخططات تستهدف لبنان وسوريا بشكل خاص لتجزئتهما وإضعاف مكوناتهما، خاصة الوجود الشيعي الذي يعتبره الإيرانيون مهددا.
وأوضح أبشناس أن هناك محاولات أميركية لإعادة توزيع النفوذ عبر تقديم عروض لسوريا وحلفائها، بما في ذلك الجولان ومناطق في شمال لبنان والبقاع، مقابل استسلام أو تراجع حزب الله.
حزب الله: بين الدفاع عن لبنان وحماية المصالح الإيرانية؟
على الرغم من دعم إيران لحزب الله، يؤكد أبشناس أن الحزب في جوهره يدافع عن لبنان ومصالحه وليس بالضرورة مصالح طهران فقط، التي قادرة على حماية نفسها.
ورغم ذلك، لا ينكر أبشناس أن الدعم الإيراني مستمر، لكنه يرفض الربط المباشر بين العمليات العسكرية لحزب الله والحروب الإيرانية.
كما يشير إلى أن محاولات ضم حزب الله إلى الصراعات الإيرانية – الإسرائيلية هي محاولات لتشويه دور المقاومة اللبنانية، وأن العمليات الأخيرة التي أعلن عنها الحزب كانت "ردا على استشهاد قادة فلسطينيين أكثر مما كانت رد فعل مباشر على طهران".
الضغوط الأميركية ودور حزب الله في لبنان
واعتبر توم حرب، مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، أن قرار لبنان حصر السلاح بيد الدولة هو مطلب لبناني أصيل، وموقف الحكومة خطوة شجاعة بعد عقود من الصراع والتدمير.
ووفقا لحرب هناك ثلاثة عوامل أساسية تدفع لبنان إلى هذا القرار وهي "الضغط العسكري الإسرائيلي الذي استهدف قدرات حزب الله، وتراجع الدعم العربي المادي حتى يتم نزع سلاح الحزب، والدعم الأميركي الرسمي لهذا الاتجاه".
ويؤكد حرب أن إيران محاصرة حاليا جغرافيا وعسكريا، خاصة بعد الاتفاقات الأميركية الإقليمية، وأنها تستخدم ورقة حزب الله في لبنان كورقة تفاوض استراتيجية مع واشنطن.
انفجارات في مستودعات حزب الله والجيش اللبناني
شهد لبنان انفجارات في مستودعات وأسلحة تابعة لحزب الله، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى، ما يزيد من تعقيد المشهد الأمني ويطرح تساؤلات عن دور الجيش اللبناني في هذه الأحداث، ومدى تأثيرها على قرار نزع السلاح وتنفيذه.
ويربط محللون بين تمسك إيران بسلاح حزب الله وملف المفاوضات النووية التي تشهد تعقيدات بعد أن وضعت طهران شروطا جديدة على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي كانت قد أعدت اتفاقا في جولة المفاوضات السادسة لم ير النور بسبب التدخل الإسرائيلي.
وحول هذه النقطة، يشير أبشناس إلى أن إيران الآن تفرض شروطها، مما يعكس تحولا في الموقف الأميركي الذي لم يعد الطرف الوحيد المسيطر على التفاوض، ما يزيد من صعوبة التوصل إلى اتفاق.
تعقيد المشهد اللبناني بين السيادة والهيمنة الإقليمية
لم يعد ملف سلاح حزب الله في لبنان قضية محلية فقط، بل أصبح جزءا من لعبة إقليمية دولية تتداخل فيها الأجندات الأميركية، الإسرائيلية، الإيرانية، بالإضافة إلى مصالح القوى اللبنانية المختلفة.
ويواجه القرار اللبناني التاريخي بحصر السلاح بيد الدولة تحديات داخلية وخارجية كبيرة، في ظل تمسك إيران بحزب الله كرافعة إقليمية، ومحاولات واشنطن لإعادة فرض نفوذها، وسط هشاشة الوضع الأمني والسياسي في لبنان.
هل تنجح الحكومة اللبنانية في استعادة سيادتها على أراضيها وتطبيق قرار نزع سلاح حزب الله، وهل ستنجح إيران في استخدام هذا الملف كورقة تفاوض في ملفها النووي؟. الزمن وحده كفيل بالإجابة، وسط تداخل المصالح والأزمات.