في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
لا يزال سرطان المعدة أحد أكثر أنواع السرطان شيوعا وفتكا في شرق آسيا، بما في ذلك كوريا. ورغم انتشاره الواسع، فقد حظي باهتمام أقل بكثير من سرطان القولون والمستقيم، الأكثر شيوعا في الدول الغربية.
ونتيجة لذلك، لا تزال العديد من النماذج الحالية لدراسة بيولوجيا سرطان المعدة تستند إلى افتراضات مستقاة من أبحاث سرطان القولون والمستقيم، وغالبا ما يكون تطبيقها على المرضى محدود النجاح.
ومن أبرز الأسئلة التي بقيت بلا جواب تلك المتعلقة بالخطوات الأولى لتطور سرطان المعدة، فكيف تستطيع الخلايا السرطانية في مراحلها المبكرة البقاء والنمو في حين لا ينبغي لها ذلك؟
في الظروف الطبيعية لا تستطيع الخلايا المبطنة للمعدة النمو بشكل مستقل، بل تعتمد على إشارات مستمرة من الأنسجة المحيطة بها -المعروفة بالبيئة الدقيقة- لتحديد متى تنقسم ومتى تتوقف عن النمو ومتى تموت. ويعد فقدان هذا الاعتماد أحد السمات المميزة للسرطان، ولكن في سرطان المعدة لطالما سعى الباحثون جاهدين لتفسير كيفية حدوث هذا التحول.
تصدى لهذه المشكلة فريق بحثي دولي مشترك بقيادة الدكتور لي جي هيون والدكتور كو بون كيونغ والدكتور لي هيتاك في مركز هندسة الجينوم التابع لمعهد العلوم الأساسية في كوريا الجنوبية، بالتعاون مع مختبرات البروفيسور تشيونغ جاي هو والبروفيسور كيم هيونكي (كلية الطب بجامعة يونسي) والبروفيسور دانيال إي. ستانغ (جامعة دريسدن التقنية/مستشفى كارل غوستاف كاروس الجامعي) في ألمانيا.
وفي هذه الدراسة حدد الفريق آلية غير معروفة سابقا تسمح لخلايا سرطان المعدة في مراحلها المبكرة بالاكتفاء الذاتي، وتوفر هذه النتائج إطارا جديدا لفهم كيفية بدء سرطان المعدة، وتشير إلى أهداف علاجية جديدة محتملة.
ونشرت الدراسة في مقال بموقع مجلة "موليكولار كانسر" (Molecular Cancer) وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
البطانة الداخلية للمعدة من أكثر الأنسجة حيوية في جسم الإنسان، إذ تتعرض باستمرار للأحماض والغذاء والإجهاد الميكانيكي، ويجب أن تتجدد باستمرار، وللحفاظ على هذا التوازن تعتمد خلايا المعدة على إشارات جزيئية منظمة بدقة تتحكم في النمو والإصلاح.
ومن أهم هذه الإشارات ما يعرف بإشارات "دبليو إن تي" (WNT). ففي الأنسجة السليمة تزود جزيئات "دبليو إن تي" من خلايا مجاورة تعرف باسم "الخلايا المتخصصة"، والتي تكون داعمة، مما يسمح لخلايا المعدة بالبقاء والانقسام فقط عند الحاجة، ومن دون هذه الإشارات الخارجية لا تستطيع خلايا الظهارة المعدية النمو.
في سرطان القولون والمستقيم، يتعطل هذا النظام بطريقة معروفة، إذ تفعل الطفرات في جينات معينة مسار جزيئات "دبليو إن تي" بشكل دائم، مما يسمح للخلايا السرطانية بالنمو بشكل غير منضبط من دون مساعدة خارجية. ومن المثير للدهشة أن هذه الطفرات التقليدية نادرة في سرطان المعدة، مما حيّر الباحثين عقودا حول كيفية تنشيط إشارات "دبليو إن تي" في المعدة.
تظهر الدراسة الجديدة أن خلايا سرطان المعدة تحل هذه المشكلة بطريقة مختلفة تماما، فبدلا من انتظار إشارات "دبليو إن تي" من بيئتها تبدأ خلايا سرطان المعدة في مراحلها المبكرة بإنتاج الإشارات بنفسها، أي إنها تتوقف عن الاستجابة للإشارات وتبدأ في إنتاجها.
اكتشف الباحثون أن تنشيط مسار رئيسي آخر يعرف باسم إشارات "مابك" (MAPK) هو ما يحفز هذا التحول. و"مابك" هو نظام إشارات يساعد الخلايا عادة على الاستجابة لإشارات النمو والإجهاد. وفي سرطان المعدة غالبا ما يتم تنشيط هذا المسار عن طريق طفرات في جينات معينة توجد مجتمعة لدى ما يقارب ثلث المرضى.
وعندما يتم تنشيط مسار إشارات "مابك" تبدأ الخلايا السرطانية بإنتاج جزيء "دبليو إن تي" محدد يسمى "دبليو إن تي 7 بي"، وبإنتاجه تنشئ الخلايا حلقة ذاتية الاستدامة: فهي تزود نفسها بإشارة النمو، وتفعل مسار إشارات "دبليو إن تي" داخليا، وتستمر في التكاثر حتى في غياب الدعم النسيجي الطبيعي.
وتقول الدكتورة لي جي هيون "إن هذا تغيير جوهري في سلوك هذه الخلايا، إذ تصبح مستقلة فعليا عن بيئتها في مرحلة مبكرة جدا".
وقد تم التوصل إلى هذه النتائج أولا باستخدام نماذج فئران معدلة وراثيا، ثم جرى التحقق منها في عضيات مشتقة من مرضى سرطان المعدة، وهي أورام مصغرة ثلاثية الأبعاد تنمو مباشرة من أنسجة سرطانية بشرية، وتحاكي بدقة بنية الأورام الحقيقية وسلوكها، مما يجعلها حلقة وصل قوية بين الدراسات الحيوانية والأمراض البشرية.
وتفتح هذه النتائج آفاقا علاجية جديدة، إذ تفتقر سرطانات المعدة التي تعتمد على التنشيط الذاتي لمسار "دبليو إن تي" حاليا إلى علاجات فعالة وموجهة، ومن خلال تحديد كيفية استمرار هذه الأورام في نموها تسلط الدراسة الضوء على نقاط ضعف يمكن استغلالها لمنع بدء الورم في مراحله المبكرة قبل أن يتطور المرض أو يصبح مقاوما للعلاج.
وبناء على هذا العمل يستكشف فريق البحث حاليا بنشاط إستراتيجيات لتعطيل برنامج الإشارات هذا بشكل انتقائي مع الحفاظ على أنسجة المعدة السليمة.
وسرطان المعدة هو ورم خبيث يصيبها، وتسهم عوامل عدة في الإصابة به، أهمها تناول الأغذية المدخنة والمملحة والمخللات والتدخين والعدوى ببكتيريا الملوية البوابية (هليكوباكتير بايلوري).
ينتشر سرطان المعدة بكثرة في الصين واليابان، وهو بشكل عام من الأورام الفتاكة، إذ يموت عادة 85% من المصابين به قبل مرور 5 سنوات على تشخيص إصابتهم بالمرض.
تستقبل المعدة الطعام القادم من الفم عبر المريء وتساعد في هضمه، إذ تفرز الخلايا الجدارية فيها حمض الهيدروكلوريك الذي يعمل على تفتيت الطعام إلى أجزاء صغيرة بمساعدة أنزيمات أخرى، وذلك تمهيدا لامتصاصها في الأمعاء ونقلها إلى الدم للاستفادة منها في الجسم.
ويحدث سرطان المعدة عندما تحصل طفرة في المادة الوراثية، مما يجعل الخلية غير طبيعية، وتنمو باستمرار ولا تموت وتتمدد إلى المناطق المجاورة، كما قد تنتقل إلى مناطق أخرى في الجسم.
يرجح العلماء أن هذه التغيرات في المادة الوراثية -التي تقود إلى تحول خلايا المعدة وحدوث السرطان– ترتبط بتناول الأغذية المدخنة (المحفوظة عبر تعريضها للدخان) والمملحة مثل "الفسيخ" والمخللات، في حين لاحظوا أنه مع زيادة استعمال التجميد وسيلة لحفظ الطعام انخفضت معدلات سرطان المعدة على مستوى العالم.
المصدر:
الجزيرة