موسكو – أصبحت تحويلات الأموال التي يُجريها العمال المهاجرون في روسيا محط اهتمام متزايد من السلطات والرأي العام في البلاد، في ظل تقارير وتقديرات رسمية تفيد بأن حجم تدفقات الأموال إلى الخارج يشكل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد الروسي.
وكشف ألكسندر غوروفوي، النائب الأول لوزير الداخلية الروسي، أن حصة الأموال المُحوّلة من العمال المهاجرين في روسيا تمثل نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول.
وأوضح أن 80% من هذه الدول تنتمي إلى رابطة الدول المستقلة (الجمهوريات التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي)، مشيرًا إلى أن التحويلات المالية من العمال الطاجيك -على سبيل المثال- تشكل نحو 45% من الناتج المحلي الإجمالي لطاجيكستان.
أما البنك الدولي ، فقد أكد في بياناته أن هذا المؤشر يُعد الأعلى عالميًا من حيث القيمة النسبية، حيث بلغت النسبة في قرغيزستان 24%، وفي أوزبكستان 14% من الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما.
من جانبه، صرّح رئيس حزب " روسيا العادلة – من أجل الحقيقة"، سيرغي ميرونوف، بأن تدفق الأموال إلى الخارج يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لروسيا، لافتًا إلى أن المهاجرين من الدول المجاورة يعملون في كثير من الأحيان بطرق غير قانونية، ولا يدفعون الضرائب، بينما يرسلون معظم دخلهم إلى بلدانهم الأصلية.
وأشار ميرونوف أيضًا إلى أن هؤلاء العمال، من خلال إرسال الأموال إلى الخارج، يخدمون اقتصادات دولهم على حساب الاقتصاد الروسي، مطالبًا بفرض "تعويضات" على شكل رسوم خاصة على التحويلات المالية.
يقول خبراء روس إن تحويلات العمال المهاجرين من روسيا تسهم بشكل كبير في خفض مستويات الفقر في دول آسيا الوسطى، إذ يتمكن هؤلاء العمال من مضاعفة دخلهم بما يصل إلى 3 أضعاف بفضل فرص العمل في روسيا، مما يحسّن من مستوى معيشة أسرهم بشكل ملحوظ.
فعلى سبيل المثال، ذكر البنك الدولي أن نسبة الفقر في قرغيزستان تنخفض إلى أقل من 10% بين الأسر التي تتلقى تحويلات مالية، بينما كانت ستتجاوز 50% لولا هذه التحويلات.
أما في أوزبكستان، فقد قدّر البنك أن غياب هذه التحويلات كان سيؤدي إلى ارتفاع معدل الفقر من 9.6% إلى 16.8%.
لكن في المقابل، تشير هذه الأرقام إلى آثار سلبية على الاقتصاد الروسي، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أندريه زايتسف أن روسيا، في ظل معاناتها من نقص متزايد في الأموال المخصصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكنها تحمّل خروج رأس المال بهذه الكميات الكبيرة، خصوصًا في ظل العقوبات والضغوط المالية الحالية، حيث لم تعد صادرات رأس المال تقابلها واردات كافية لتعويض الخسائر.
وفي حديثه للجزيرة، شدّد زايتسف على ضرورة التمييز بين التحويلات المالية القانونية وتهريب الأموال، موضحًا أن التحويلات تتم ضمن إطار قانوني، في حين أن التهريب يمثل مخالفة صريحة، إلا أن كلتا الحالتين تؤديان إلى نتائج اقتصادية سلبية متماثلة.
وأوضح أن المشكلة الكبرى تكمن في أن جزءًا كبيرًا من العمال الذين يرسلون الأموال إلى الخارج هم من المقيمين بشكل غير شرعي داخل البلاد.
واستشهد بإحصاءات تُفيد بأنه حتى تاريخ 5 فبراير/شباط من العام الجاري، تم تسجيل حوالي 67 ألف مهاجر من قرغيزستان ضمن قائمة الأشخاص الخاضعين للمراقبة بسبب انتهاكات لقوانين الهجرة، وارتفع هذا العدد بنحو 20 ألفًا إضافية بحلول نهاية الشهر ذاته، ما يجعل من قضية العمال غير الشرعيين تحديًا قائمًا بحد ذاته، إلى جانب أضرارها الاقتصادية المباشرة.
وأضاف أن هناك، بحسب تقديرات مختلفة، أكثر من 6 ملايين مهاجر عمالي في روسيا، قام عدد كبير منهم بـ"شراء" تصاريح عمل مرتفعة التكلفة، ما يعكس واقعًا اقتصاديًا غير رسمي يضم فئة واسعة من العاملين بشكل غير قانوني.
من جانبها، تقترح الباحثة في مركز التحليل الاقتصادي الكلي، سفيتلانا شتورغينا، اتخاذ مجموعة من التدابير قصيرة وطويلة الأجل لمواجهة تدفق رأس المال إلى الخارج.
وتتمحور هذه الإجراءات، بحسب ما صرّحت به للجزيرة نت، حول تشديد الرقابة على دخول العمال الوافدين، وفرض إيداعات إلزامية تتراوح بين 10% و15% من دخلهم، لا يمكن سحبها بالكامل إلا عند انتهاء فترة الإقامة والمغادرة النهائية للبلاد.
وترى شتورغينا أن هذه التدابير من شأنها تقليص خروج العملات الصعبة في وقت تعاني فيه روسيا من تراجع حاد في الإيرادات نتيجة العقوبات الغربية المفروضة عليها.
ووصفت روسيا بأنها "مغناطيس" يجتذب ملايين الوافدين من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، لا سيما جمهوريات آسيا الوسطى، إلا أن هذا الانجذاب يقابله استنزاف سنوي يفوق 13 مليار دولار بفعل التحويلات المالية.
وأشارت إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بخروج المال، بل تمس البنية الدورية للاقتصاد الروسي، الذي يعاني من "وريد مثقوب" تتسرب من خلاله أموال تُعادل ميزانيات كاملة لبعض المناطق الروسية، وعلى مدى سنوات.
واختتمت بالقول إن هذه الأموال كان يمكن استغلالها في بناء عشرات المدارس والمستشفيات والمشاريع التنموية، ودعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل محلية، لكنها بدلًا من ذلك تُسهم في دعم اقتصادات دول أخرى.