خطّت ابتهاج محمد، الحائزة على ميدالية أولمبية أمريكية في رياضة المبارزة، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة أمريكية مسلمة ترتدي الحجاب تشارك في المنافسات الأولمبية. وهي اليوم في الدوحة بصفتها سفيرة لبرنامج "خلق مسارات" التابع لمؤسسة قطر، لتساند الفتيات الصغيرات في تعزيز ثقتهنّ بأنفسهنّ ومساعدتهنّ على تحديد أهدافهنّ من خلال الرياضة
أجرى مراسل "يورونيوز" عادل حليم حوارًا مع ابتهاج محمد تناول دور الرياضة في تمكين الجيل القادم من الفتيات، والسبب الذي يدفعها للقول: "الرياضة منحتني الفرصة لأكون على طبيعتي".
ابتهاج، أنتِ تتعاونين مع برنامج " خلق مسارات " التابع لمؤسسة قطر. ما أكثر ما يثير حماسك في تعليم رياضة المبارزة للفتيات الصغيرات في قطر؟
ابتهاج محمد: نشأت طوال حياتي على رياضة المبارزة، وأحب كل ما منحتني إياه من قيم وتجارب. وأنا متحمسة لتعريف الفتيات القطريات بها، لأنها تتوافق بشكل فريد مع عقيدتنا كمسلمات، سواء في ما يتعلق بالزي المحتشم أو طبيعة الممارسة.
لكن المبارزة، على وجه الخصوص، تُعد رياضة مميزة لأنها تجمع بين السرعة واللياقة وخفة الحركة، وبين التركيز الذهني العالي والاستراتيجية، وهي عناصر قد لا تجتمع بهذا الشكل في رياضات أخرى.
عندما ترين هؤلاء الفتيات يلتقطن السيف للمرة الأولى، ما الذي تأملين أن يلهمهن في رحلتك الخاصة؟
ابتهاج محمد: الشيء الذي لطالما أحببته في الرياضة هو قدرتها على خلق مساحة لتحقيق الأحلام. وعندما أرى هؤلاء الفتيات يلتقطن السيوف للمرة الأولى، أرى كيف تبدأ مخيلتهن بالعمل وكيف يتصورن أنفسهن ناجحات في عالم المبارزة. وهذا هو جوهر برنامج "مسارات": إلهام الجيل القادم. فالغاية ليست فقط إعداد قادة في الرياضة، سواء في المبارزة أو غيرها، بل الأهم هو إعداد قادة في الحياة، قادرين على مواجهة أي تحدٍ يعترض طريقهم وهم يكبرون.
قلت أن إيمانك منحك القوة طوال مسيرتك المهنية. كيف تأملين أن تكون قصتك مصدر إلهام للفتيات المسلمات اللاتي قد يترددن في ممارسة الرياضة؟
ابتهاج محمد: خلال رحلتي الشخصية، واجهت العديد من العقبات كطفلة سمراء في رياضة يطغى عليها حضور ذوي البشرة البيضاء، وكفتاة مسلمة محجّبة. أحببت هذه الرياضة لأنها منحتني فرصة أن أكون على طبيعتي، وأن أكتشف تلك القوة الكامنة في داخلي والتي كان عليّ أن أستخرجها من أعماقي. وأشعر أن هذا ما يمكن للفتيات أيضًا أن يكتشفنه في أنفسهن، فهن يواجهن عقبات كثيرة، بعضها داخلي، حيث يحتجن إلى بناء الثقة وتحديد مصيرهن بأنفسهن، وهي أمور ما إن تترسخ حتى تصبح السماء هي الحدود. وأعتقد أن الرياضة تساهم في تسريع هذه العملية لدى الجيل الشاب.
ذكرتِ أن زيّ المبارزة ينسجم مع مع الدين الإسلامي. هل يمكنك التوضيح؟
إبتهاج محمد: تاريخيًا، لم تتغير رياضة المبارزة كثيرًا منذ انطلاقتها عام 1896. فهي أقدم رياضة في الألعاب الأولمبية، وما يرتديه المبارزون اليوم من سترة بيضاء طويلة وسروال أبيض هو نفسه تقريبًا ما كان يتمّ ارتداؤه في أواخر القرن التاسع عشر خلال المبارزات.
هذا الزي المحتشم، بوصفه جزءًا أصيلًا من الرياضة، ينسجم بشكل فريد مع عقيدتنا كمسلمات وملتزمات بالحجاب، وهو ما لا يتوافر في كثير من الرياضات الأخرى. أنا أرتدي ملابسي الرياضية فحسب، والنتائج تتحدث عن نفسها. وأتطلع لأن تشعر الفتيات في برنامج "خلق مسارات" بالإلهام نفسه وأن يجدن شجاعتهن من خلال المبارزة .
ما هو الشيء الوحيد الذي يمكن للآباء أو المعلمين القيام به لدعم الفتيات اللاتي يرغبن في ممارسة الرياضة بجدية بشكل أفضل؟
ابتهاج محمد: يمكن للآباء والمدرّسين والمدربين، وكل من يحيط بالأطفال، أن يسهموا في تسهيل عملية الانتقال من خلال التخلي عن الصور النمطية والمعايير الثقافية التي قد تثني الفتيات عن المشاركة في الرياضة.
الرياضة تمنح الكثير، ليس فقط من حيث الفوائد الصحية، بل أيضًا عبر تعزيز الثقة بالنفس، وتنمية روح العمل الجماعي، وصقل مهارات القيادة. وهذه عناصر أساسية في عملية النمو، يصعب اكتسابها بعيدًا عن الممارسة الرياضية.
أنتِ الآن هنا في الدوحة، ما هو الدور الذي تعتقدين أن قطر والشرق الأوسط يمكن أن تلعبه في تشكيل الرياضة النسائية على مستوى العالم؟
ابتهاج محمد: أشعر أن قطر تضع تمكين فتياتها في صميم استثماراتها. إنهم يستثمرون في المستقبل والمستقبل نسائي، ونحن نريد أن ندعم ونرتقي وننشئ الجيل القادم ليكونوا قادة، وأعتقد أن الرياضة أداة قوية ووسيلة قوية للتغيير.
تعمل مؤسسة قطر على بناء منظومة متكاملة للرياضة النسائية، تمتد من تدريب الكوادر إلى صناعة القيادة. ما العامل الأساس للحفاظ على هذا الزخم؟
ابتهاج محمد: تقوم مؤسسة قطر بعمل لافت على صعيد دعم هذه الفعاليات الرياضية المتنوعة في البلاد. وتتصدر قطر في المنطقة من حيث استضافة عدد كبير من البطولات والأنشطة عبر مختلف الرياضات، وهو زخم يصبّ في مصلحتنا، خاصة بعد كأس العالم. وعندما نفكر في شبابنا ومستقبلهم وكيف ينظرون إلى الرياضة، ندرك أن الطريق إلى الأولمبياد ليس مسارًا يسلكه الجميع، ولكن داخل هذا المجال مسارات واسعة ومتنوعة، من التدريب والتحكيم إلى المشاركة على المستويات المحلية أو على مستوى الشباب. وهذه المسارات تمثّل عناصر أساسية لممارسة الرياضة، خصوصًا فيما يتعلّق بمشاركة الفتيات وتمكين الجيل القادم من خلالها.
من حاصلة على ميدالية أولمبية إلى مرشدة رياضية، كيف تغيرت فكرتك عن النجاح الآن وأنتِ ترين هؤلاء الفتيات يحملن نفس السيف الذي غير حياتك ذات يوم؟
ابتهاج محمد: أنا منافِسة حتى النخاع، أحب الفوز وأعشق التشويق الذي يُُصاحب تحقيق النجاحات، لذلك أعدتُ تعريف مفهوم النجاح بالنسبة لي. فهو لا يقتصر دائمًا على الكأس أو الصعود إلى منصة التتويج، بل قد يكون في رؤية الفتيات الصغيرات يستلهمن الجرأة لتجربة شيء جديد، ويكتسبن الثقة رغم الخوف، خصوصًا حين يترددن عادة في خوض تجربة غير مألوفة أو يشعرن بأنهن قد يتعرضن للحكم عند دخول رياضة للمرة الأولى. أريد لهن أن يتحلين بالشجاعة وأن يأخذن المساحة التي لم تكن متاحة للنساء تقليديًا، ولا للفتيات المسلمات المحجبات تحديدًا. وأريدهن أن يدركن أنهن يستحقن كل الفرص، خصوصًا في الرياضة، وأنه إذا كنّ مستعدات للعمل بجد، فبإمكانهن تحقيق أحلامهن.
المصدر:
يورو نيوز
مصدر الصورة