سيارة ليموزين سوداء تقل كمال داود إلى مقابلة في برلين، مع رجلين يرتديان ملابس سوداء لا يفارقانه: فهذا الكاتب الجزائري ، الذي المقيم في فرنسا ، يعيش تحت حماية الشرطة. وكتابه الأخير لم يجلب له فقط أهم جائزة أدبية فرنسية، جائزة غونكور ، بل التهديد على حياته.
تتناول رواية "حوريات" مجازر وتعذيب خلال الحرب الأهلية الجزائرية. وبهذا يكسر داود أحد المحرمات، وفي الوقت نفسه قانوناً جزائرياً يعود لعام 2005 يمنع تناول موضوع هذه الحرب، وذلك بدعوى تعزيز "المصالحة الوطنية". ويقول داود: "عندما يكتب المرء رواية كهذه، يكسب عداوة الإسلاميين والنظام، وحتى مثقفي الحركة اليسارية المتطرفة المناهضة للاستعمار".
ورواية "حوريات" ممنوعة في الجزائر ، وجميع كتب داود تم سحبها من المكتبات هناك. وقد أصدرت بحقه السلطات الجزائرية مذكرتي اعتقال دوليتين، لكن تم رفضهما من قبل الإنتربول. ويضاف إلى ذلك دعوى مدنية من امرأة تدعي أنَّه استخدم قصتها من دون إذنها. ويقول داود إنَّ "هذا تشهير" يقف خلفه النظام.
وبينما ما تزال حرب التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962) تشكل هوية الوطنية في الجزائر حتى اليوم، يفعل النظام كل شيء لمحو ذكرى الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر في التسعينيات والمعروفة باسم العشرية السوداء، يقول كمال داود.
هذه الصورة لامرأة تندب على أحبائها في الحرب الأهلية الجزائرية (23 أيلول/سبتمبر 1997) حازت على لقب صورة العام الصحفية العالمية. ولكتها أدخلت مصورها حسين زاورار في صراعات مع القضاء الجزائري، الذي اتهمه بأنَّه يعرض صورة سلبية عن الجزائرصورة من: AFP/dpa/picture allianceخاضت قوات الجيش الحكومي والجماعات الإرهابية الإسلاموية معارك دموية في التسعينات. وبقيت أعداد القتلى غير معروفة على وجه الدقة، ولكن في الغالب يجري الحديث عن 200 ألف ضحية. ولكن بقيت مجهولة كذلك المسؤولية: فقد أفلت من العقاب عدد لا يحصى من الجناة.
ويكتب داود عن الحرب كصحفي. "لكن توجد أمور لا يمكننا الكتابة عنها وتبقى في ذهننا. عندما نكتب تقريراً عن مذبحة سقط فيها 400 ضحية، فإنَّ 400 مجرد رقم. ولكن كيف يمكننا الحديث عن أننا صعدنا على الجثث؟"، كما يقول. تأخذ الرواية منظوراً آخر. والراوية شابة نجت من مذبحة عندما كانت طفلة صغيرة، بيد أنها فقدت حنجرتها.
كان داود حريصاً على أن تكون الشخصية الرئيسية في روايته امرأة، وذلك لأنَّ النساء كما يقول يدفعن أغلى الأثمان في الحرب. "الرجال تتم مسامحتهم - أو لا. ولكن ماذا عن النساء اللواتي تم اختطافهن من قبل الإسلامويين وهنّ فتيات في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمرهن، وتم اغتصابهن وحملن؟. وبعد الحرب الرجال عادوا، ولكن النساء عدنَ مع أطفالهن. ولا أحد يسامحهن على ذلك!".
رواية كمال داود "حوريات" الحائزة على عدة جوائز، صدرت حديثًا باللغة الألمانية بعنوان "Huris"، ترجمة هولغر فوك وزابينه مولر، عن دار نشر ماتيس وزايتتسصورة من: Matthes & Seitz Berlinوبطلة رواية داود الشابة "أوب" تحمل بعد الحرب. ومع ذلك لا يُغفر لها. وتحمل الضحية بشكل واضوح الندبة التي أحدثها جزارها في رقبتها كاستفزاز لمجتمع يريد محو كل ذكرى "العشرية السوداء".
وفي حوار داخلي مع الذات، تتحدث "أوب" مع طفلها الذي لم يولد بعد عن الفظائع والوقت الذي أعقبها. وهذه الشابة الهشة، التي لا تستطيع التنفس إلا عبر أنبوب في رقبتها، تظهر في الوقت نفسه مكافحة، وهذا يمثل استفزازاً آخر. وهي تُدير في الرواية صالون تجميل يقع مقابل مسجد، ويمنح الزبونات مساحة صغيرة من الحرية يستطعن فيها تجميل أنفسهن، بينما يُلقي الإمام خطباً مُعادية للنساء.
وعنوان الرواية "حوريات" يشير إلى العذارى اللواتي من المفترض أنَّهن ينتظرن المسلم الصالح في الجنة. وتسمي أوب جنينها باسم "حوريتي"، ولكنها تتساءل إن كان يجب عليها أن تتركه يعيش أصلًا: الماضي مؤلم للغاية، والحاضر معادٍ للغاية - وخاصة بالنسبة للنساء.
يقول كمال داود: "كما يعلم الجميع، أنا نسوي". وروايته ترسم صورة نظام ذكوري إسلامي خانق مع رجال ملتحين يحملون سكاكين ويُقدّرون الموت أكثر من الحياة.
معتقل لدى النظام الجزائري: الكاتب بوعلام صنصال (صورة من نيسان/أبريل 2024). تم اعتقاله في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2024صورة من: Nicolas Roses/ABACA/picture allianceوبعد نشر روايته في فرنسا عام 2024، تم اتهام كمال داود بأنَّه معادٍ للإسلام ويخدم المتطرفين اليمينيين. وداود ينفي هذا بشدة ويقول إنَّ " الإسلاموفوبيا مرض غربي، وليست مرضي!. لقد عشتُ حربًا أهلية رأيتُ فيها إسلامويين يقتلون. ومن حقي أن أرفع صوتي، وليس من حقكم إسكاتي".
وبهذا الموقف يقف كمال داود على مسافة قريبة من زميله وصديقه الكاتب بوعلام صنصال ، الذي يكتب منذ سنين ضد العنف الإسلاموي، وضد "مجانين الله" - وضد النظام الجزائري. وقد حصل بوعلام صنصال على جوائز أدبية مهمة. ومثل داود فقد حصل على الجنسية الفرنسية. وتم اعتقاله في نهاية عام 2024 عند دخوله الجزائر، وهو مسجون منذ ذلك الحين في الجزائر.
الأمر مزعج بالنسبة لكمال داود: فهويتعاطف مع صديقه، ولكن حياته هو نفسه في خطر: "بما أنَّ النظام قد ذهب إلى حد إصدار مذكرتي اعتقال دوليتين ضدي، فهو عازم بالفعل على وضعي في السجن بجانب بوعلام صنصال".
أعده للعربية: رائد الباش