آخر الأخبار

معلمو اليمن بين قسوة الفقر ووجع الإهمال المزمن

شارك

ينطلق العام الدراسي الجديد في اليمن وسط ظروف بالغة التعقيد يعاني منها المعلمون في مختلف أنحاء البلاد، فهم بلا رواتب منتظمة منذ سنوات في مناطق سيطرة الحوثيين، ورواتب هزيلة لا تكفي أدنى متطلبات الحياة في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا.

وفي نهاية يونيو/حزيران الماضي، بدأ العام الدراسي مبكرا في العاصمة صنعاء والمناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، والتي تضم نحو ثلثي الطلاب في البلاد.

وفي تصريح صحفي خلال تدشين العام الدراسي الجديد، قال عضو المجلس السياسي الأعلى للحوثيين عبد العزيز بن حبتور "للعام العاشر على التوالي، ينطلق العام الدراسي في ظل مرحلة عصيبة في تاريخ شعبنا اليمني، الذي حاول المعتدون تعطيل العملية التعليمية فيه في مختلف المستويات".

وفي المقابل، حددت وزارة التربية والتعليم في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا يوم 31 أغسطس/آب الجاري موعدا لبدء العام الدراسي لجميع المراحل في عموم المحافظات.

وبموجب القرار الوزاري بشأن التقويم المدرسي الجديد، فإن انتظام الإدارات المدرسية سيكون الأحد 4 أغسطس/آب الجاري، على أن تبدأ عملية القيد والتسجيل والانتقال في جميع المراحل الدراسية في الخامس من الشهر ذاته.

وشدد وزير التربية والتعليم طارق العكبري في تصريح صحفي على "ضرورة التزام جميع الإدارات التربوية والتعليمية في جميع المحافظات، والتقيد والتنفيذ بما ورد في التقويم المدرسي للعام الدراسي الجديد، وانتظام هيئات التدريس في المدارس الحكومية والأهلية".

وقبل أيام حذَّرت مؤسسات دولية ومحلية مهتمة بالتعليم من ضياع جيل كامل بسبب فشل المنظومة التعليمية في اليمن، ووجَّه مؤتمر "شركاء لأجل اليمن" -الذي عقد في العاصمة كوالالمبور – نداء عاجلا لكل الهيئات والمؤسسات الدولية والمحلية لإنقاذ التعليم في اليمن باعتباره مسؤولية إنسانية وأخلاقية.

إعلان

ووصف رئيس الوكالة الدولية اليمنية للتنمية الدكتور عبد الرقيب عبّاد واقع التعليم المدرسي والجامعي في اليمن بقنبلة موقوتة تنذر بعواقب وخيمة على مستقبل اليمن والمنطقة بأسرها ما لم تتضافر الجهود لتغيير الواقع، محذّرا من تحول الجهل إلى مشكلة أمنية.

وكشف عبّاد -في حديثه للجزيرة نت- عن خروج أكثر من 4.5 ملايين طالب وطالبة من المنظومة التعليمية حاليا، والذين يشكلون بين 60 إلى 70% من مجموع طلاب اليمن في سن الدراسة المدرسية.

مصدر الصورة مدينة تعز شهدت مظاهرات للمعلمين طالبوا فيها بتحسين أوضاعهم لكنها لم تلق أي استجابة تذكر (الألمانية)

راتب لا يكفي لشراء الدقيق

يعاني المعلمون في مناطق سيطرة الحكومة من تراجع كبير في رواتبهم وتأخر صرفها، جراء استمرار تدهور العملة المحلية وبلوغ سعر الدولار نحو 2900 ريال للمرة الأولى في تاريخ البلاد، مما جعل العديد من المعلمين يتسلمون أقل من 10% من رواتبهم التي كانوا يتقاضونها قبل الحرب.

وفي حديث لوكالة الأنباء الألمانية (دي بي إيه) يشكو المعلم اليمني ناصر محمود، المقيم في مدينة تعز، من ظروف معيشية قاسية يواجهها نتيجة استمرار تدهور قيمة راتبه بسبب الانهيار الكبير في سعر صرف العملة المحلية.

وقال محمود، الذي يعمل في سلك التعليم منذ أكثر من 20 عاما، إن راتبه الحالي لا يتجاوز 100 ألف ريال يمني (34 دولارا) وهو ما يعادل أقل من عُشر ما كان يتقاضاه قبل اندلاع الحرب نهاية عام 2014.

وأضاف "هذا الراتب لم يعد يغطي حتى الحد الأدنى من متطلبات الحياة، فهو لا يكفي لشراء 100 كيلوغرام من الدقيق الذي تحتاجه أسرتي شهريا".

وأشار إلى أن هذا الوضع دفعه وأمثاله إلى البحث عن وسائل بديلة لمواجهة هذه الظروف الصعبة، بهدف الاستمرار في إعالة أسرهم.

كما عبر عن إحباطه الشديد من تدهور الأوضاع، قائلا "لقد أصابنا اليأس، وأصبحنا نشعر بأن عملنا بلا قيمة".

ولفت إلى أن مدينة تعز، الواقعة تحت سلطة الحكومة المعترف بها دوليا، شهدت في فترات سابقة مظاهرات متعددة نظمها المعلمون للمطالبة بتحسين أوضاعهم، غير أن تلك المطالب لم تلق أي استجابة تذكر.

ومضى قائلا إنه علاوة على تدني الرواتب "نعاني أيضا من تأخر صرفها بشكل مستفز ومتكرر، وهو ما يزيد من شعورنا بالإحباط والرغبة في ترك مهنة التعليم".

مصدر الصورة المعلم باليمن أصبح اليوم من أكثر الفئات فقرا ولم يعد يمثل رمزا للمعرفة بقدر ما بات أيقونة للمعاناة (أسوشيتد برس)

واقع كارثي

يبدو أن الواقع التعليمي في مناطق سيطرة الحوثيين أكثر مأساوية، نتيجة استمرار انقطاع رواتب المعلمين منذ عام 2016 وتكبد الطلاب معاناة كبيرة في سبيل ذلك.

وتقول المعلمة "أم سارة" من العاصمة صنعاء إن واقع التعليم أصبح كارثيا، فالمعلمون لا يتسلمون رواتبهم، والمواطنون يعانون كثيرا في سبيل تعليم أبنائهم.

وأضافت لوكالة الأنباء الألمانية أنه نتيجة لانقطاع رواتب المعلمين، لجأت إدارات المدارس إلى فرض رسوم شهرية تستخدم كحوافز للمعلمين، لضمان استمرار العملية التعليمية. وأشارت إلى أن رسوم تسجيل الطلاب بالمدارس الحكومية تضاعفت أكثر من 10 مرات منذ بداية الحرب، مما جعل الوضع شبيها بالقطاع الخاص، بسبب الرسوم التي تفرض شهريا على الطلاب، فضلا عن تكاليف التسجيل السنوية.

إعلان

وأوضحت أن بعض الأسر امتنعت عن تسجيل أطفالها في المدارس، سواء الحكومية أو الخاصة، بسبب الفقر، بينما لجأت أسر أخرى إلى إرسال أبنائها إلى مراكز محو الأمية باعتبارها أقل كلفة وأقصر زمنا.

ونبهت "أم سارة" إلى أن هذا الوضع أثر بشكل سلبي على مخرجات التعليم، متسائلة "كيف نطلب من المعلم أن يؤدي دوره، وهو لا يستطيع توفير وجبة الفطور، وبعضهم يذهب إلى المدرسة وهو جائع!".

مصدر الصورة بعض الأسر امتنعت عن تسجيل أطفالها بالمدارس سواء الحكومية أو الخاصة بسبب الفقر (أسوشيتد برس)

مواقف الحكومة والحوثيين

تؤكد الحكومة اليمنية، في أكثر من مناسبة، حرصها على دعم القطاع التعليمي، لكنها في الوقت ذاته تشكو من أزمة مالية حادة أثرت بشكل مباشر على انتظام صرف رواتب المعلمين في مناطق سيطرتها.

وفي مناطق سيطرتها تلقي جماعة الحوثيين باللوم على الحكومة المعترف بها دوليا، في مسؤولية توقف صرف رواتب المعلمين، وذلك منذ نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن عام 2016.

ورغم أن هذه الجماعة تحصل على إيرادات مالية ضخمة من قطاعات مختلفة، فإنها لم تتول صرف رواتب المعلمين، وسط اتهامات متصاعدة بأنها تضيق على الكادر التعليمي وتنتهك حقوقه، رغم كونها سلطة أمر واقع ملزمة بحل أزمة رواتب الكادر التعليمي.

مصدر الصورة فرض رسوم إضافية على الطلاب كبدل مالي بسيط للمعلمين والمتطوعين محاولة لإبقاء العملية التعليمية مستمرة (أسوشيتد برس)

المعلم أكثر الناس فقرا

وتعليقا على الوضع البائس الذي يتجرعه الكادر التعليمي، يرى الصحفي والباحث الاجتماعي عامر دعكم أن المعلم في اليمن أصبح اليوم من أكثر الفئات فقرا، ولم يعد يمثل رمزا للمعرفة بقدر ما بات أيقونة للمعاناة.

وأضاف في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية أن المعلم "يعيش على حافة الانطفاء" في ظل راتب غير منتظم لا يكفي حتى لشراء كيس دقيق، فضلا عن تلبية المتطلبات الأساسية للحياة.

وأوضح دعكم أن الأزمة لا تقف عند حدود راتب المعلم، بل تضرب عصب المدرسة والعملية التعليمية برمتها، حيث يشهد الكادر التعليمي انهيارا مستمرا، وسط توقف التوظيف منذ أكثر من 14 عاما.

وقال إن "الكثير من المعلمين توفوا، وغادر آخرون المدارس بحثا عن مصدر رزق كريم يكفي لإطعام أطفالهم" مشيرا إلى أن البديل كان متطوعين أغلبهم من خريجي الثانوية، خاصة من الفتيات، مقابل مبالغ رمزية.

وفي ظل هذا العجز الكبير، لجأت بعض المدارس ومجالس الآباء إلى ما وصفها دعكم بـ"الحلول الإسعافية" من خلال فرض رسوم إضافية على الطلاب تصرف كبدل مالي بسيط للمعلمين والمتطوعين، في محاولة لإبقاء العملية التعليمية مستمرة.

وختم دعكم بالقول إن المعلم اليمني "يعيش واقعا اقتصاديا هو الأسوأ على الإطلاق، في حين بات كادر العديد من المدارس بالكامل من المتطوعين، والعملية التعليمية تحتضر، في ظل مخرجات كارثية منذ الانقلاب الحوثي في سبتمبر/أيلول 2014، ووسط فشل ذريع للسلطات الشرعية".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار