آخر الأخبار

جدل مُتصاعد.. أزمة الإيجار القديم في مصر تُهدد بفوضى عقارية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

حوالي 3 ملايين و20 ألف وحدة عقارية يسري عليها نظام الإيجار القديم في مصرصورة من: Mahmoud el Tabakh

على كرسي حديدي، تجلس حياة الشيمي، وهي موظفة حكومية متقاعدة (73 عاما) من سكان منطقة وسط البلد بالقاهرة، وبجوارها عكاز صغير، تهتف بصوتها الضعيف "لا لطرد المُستأجرين.. يسقط قانون الحكومة"، بينما يُردد المئات حولها هتافات مماثلة، خلال انعقاد المؤتمر الأول لرابطة المُستأجرين بمنطقة الدقي بالجيزة، (الثلاثاء 6 أيار/ مايو) الجاري.

رصد DW، غضب في صفوف المستأجرين الحاضرين، وصلت إلى المُطالبة بإسقاط الحكومة المصرية التي اعتبروها مؤيدة للملاك بتبنيها موقف ينتهي بطرد المستأجرين من مساكنهم، في وقت تُنادي فيه الدولة المصرية برفض التهجير القسري للفلسطينيين، حسبما قالوا.

في ختام مؤتمرهم، تمسك المستأجرون برفض مشروع قانون الحكومة، ووصفوه بـ "المخطط المشبوه المُثير للفتنة لتشريد ملايين المصريين"، ملوحين بالتصعيد عبر تنظيم وقفات احتجاجية أمام مؤسسات الدولة خلال الأيام المُقبلة حال إقرار القانون.

ينتقد المستأجرون الحكومة ويعتبرونها مؤيدة للملاك من خلال تعديل قانون الإيجار القديمصورة من: Mahmoud el tabakh

وفق آخر تعداد سكاني مُعلن عنه من الحكومة المصرية سنة 2017، فإنه توجد 3 ملايين و20 ألف وحدة عقارية بعقود يسري عليها نظام الإيجار القديم في مصر، موزعة بين شقق وبيوت ودكاكين وكراجات، حيث تسكن الأسر أكثر من نصفها بواقع 1.6 مليون وحدة سكنية. بينما يتم تأجير 46% منها لأغراض غير سكنية، مثل: العيادات والمكاتب الإدارية والمؤسسات الحكومية.

ومن بين الـ 1.6 مليون أسرة التي تسكن في شقق الإيجار القديم (6.5 مليون مواطن وفق تعداد 2017)، تقطن 1.1 مليون أسرة منها في القاهرة الكبرى ، أو نحو ثلثي هذه الأسر، فيما يتوزع الثلث المتبقي على باقي محافظات الجمهورية.

ورغم انتهاء العمل بقانون الإيجار القديم عام 1996 مع تمرير قانون الإيجار الجديد، لا يزال يُسدد ثلث الأسر المُستأجرة بعقود الإيجار القديم، أو نحو 600 ألف أسرة، إيجارات تقل عن 50 جنيهًا في الشهر (أقل من 1 يورو)، بينما تسدد 20% من الأسر، أو327 ألف أسرة إيجارات تتراوح بين 50 و100 جنيه شهريًا، بحسب الإحصاءات الحكومية ذاتها.

تمسك المستأجرين والمُلاك بحقهم في الوحدات السكنية

لا يقتصر الأمر على المؤتمرات، بل وصل إلى تشكيل حملات حشد وضغط واسعة من آلاف المواطنين في الغُرف العامة والمُغلقة بمنصات التواصل الاجتماعي، إذ رصد DW، دعوات في صفوف "المُلاك"، بتقديم شكاوى على الرقم الموحد للحكومة والبرلمان ترفض الإبقاء على الوضع الراهن وتدعوا إلى إعادة الوحدات السكنية للمالك.

في نظر المُلاك، فإن قانون الإيجار القديم الصادر عام 1920 بتعديلاته التالية، (والذي يمنح المستأجر الحق في البقاء بالوحدة السكنية مدى الحياة وتوريثها للجيل الأول مع الالتزام بسداد نفس القيمة الإيجارية وعدم جواز إخراجه منها إلا بحكم محكمة)، يسلبهم حقوقهم وعقاراتهم المتوارثة عن آباءهم، ويعطي كل الامتيازات للمُستأجرين الذين لا يزال عدد كبير منهم يدفع إيجار شهري (10 جنيهات مصرية لشقة تصل إلى 120 متراً)، وفق حديث ثلاثة منهم لـ DW.

يقول وائل مُحيي الدين، أحد مواطني مدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية، 58 عاماً، لـ DW، إن قانون الإيجار القديم "ظالم"، وإن الزيادة التي تطرحها الحكومة المصرية في مشروع القانون الجديد والتي حددتها بـ 1000 جنيه "غير عادلة"، لافتاً إلى امتلاكه عقارين سكنيين متوارثين عن والده بنظام الإيجار القديم منذ الخمسينات والستينات، بواقع 14 شقة سكنية، ولا يتحصل منهما في الشهر سوى 500 جنيهاً مصرياً (8.69 يورو).

يرى مُحيي الدين، أن الحل أيضاً ليس بطرد المُستأجر، لكنه بوجود قيمة إيجارية عادلة للشقة الواحدة والتي توازي في "الإيجار الجديد بين "3 إلى 8 آلاف" جنيهاً مصرياً.

في المقابل، يقول المُستأجر هاني وهبة، 61 عاماً، موظف بالمعاش، أحد سكان منطقة العباسية بالقاهرة، لـ DW، إنه وَلد في شقته التي يقطن بها الآن وورث نظامها عن والده منذ خمسينيات القرن الماضي، ولديه ابنين، متسائلاً: "إلى أين أذهب بهما حينما تطردني الحكومة من الشقة لإعطائها للمالك؟"، رافضاً في الوقت ذاته زيادة قيمة الإيجار التي تقترحها الحكومة بـ 1000 جنيه، على أساس أنه موظف بالمعاش ستلتهم هذه القيمة مرتبه.

يصف المحامي أيمن عصام مشروع الحكومة المقدم إلى البرلمان لحل الأزمة بـ "غير الدستوري"صورة من: Mahmoud el Tabakh

ويُشدد المُحامي أيمن عصام، المستشار القانوني لرابطة "المستأجرين"، لـ DW، على أن المستأجرين قد دفعوا جزءًا كبيرًا من قيمة الوحدة السكنية ممثلاً في المقدم والخلو عند استلامها منذ 50 أو 70 عاماً، ولا يسكنون فيها بالمجان كما يقول المُلاك، واصفاً مشروع الحكومة المقدم إلى البرلمان لحل الأزمة بـ "غير الدستوري" لتبنيه رأي المُلاك فقط، كونه يظلم أكثر من 98 % من المُستأجرين الفقراء.

ويشدد عصام، على أن المستأجرين لا يمانعون زيادة القيمة الإيجارية لـ 10 أمثال قيمة ما يدفعونه حالياً في الوحدة، ولكن ليس "20 مثلاً" كما تُطالب الحكومة، فضلاً عن رفض فترة الـ 5 سنوات التي تقترحها الحكومة كمُهلة للمُستأجر لإخلاء الوحدة، مُطالباً بتدخل لجنة الدفاع والأمن القومي في الأمر، لخطر المشروع الجديد على السلم المُجتمعي.

اتهامات للحكومة بتغليب مصلحة المُستثمر على المُستأجرين

علاوة على ما سبق، يتهم المحامي أيمن عصام، الحكومة بالسعي لخدمة "المستثمرين ورجال الأعمال في المقام الأول" عبر المشروع الذي تطرحه لتركيزها على مناطق وسط البلد، والمنشية ومحطة الرمل في الإسكندرية تزامناً مع الحديث عن رغبة مستثمرين عرب لتطوير المنطقة.

هذا الأمر يشير إليه أيضاً الباحث العمراني إبراهيم عز الدين، في دراسته الصادرة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، في (21 نيسان/ أبريل الماضي)، وهو ما أطلق عليهم "الطرف الثالث"، من رجال أعمال وشركات عقارية تسعى للاستحواذ على العقارات القديمة وإعادة طرحها بأسعار أعلى، وهو أمر يركز على الربح المالي على حساب الجوانب الاجتماعية.

وضرب عز الدين، مثالاً بـ "شركة الإسماعيلية" التي استحوذت على 15 ألف متر مربع من المباني ذات القيمة المعمارية في منطقة وسط البلد بما فيها 25 مبنى بارز، فضلاً عن استرداد شركة "مصر لإدارة الأصول العقارية" التابعة لمصر القابضة للتأمين باسترداد 9 آلاف متر مربع من الوحدات العقارية بوسط البلد والخاضعة لقانون الإيجار القديم، لإعادة طرحها على أن تعطي للمستأجرين السابقين نسبة من الأرباح.

على النقيض من القول السابق، يُطالب الدكتور أحمد البحيري، المُستشار القانوني لاتحاد "المُلاك" خلال حديثه لـ DW، بتقليص مُدة الخمس سنوات لإخلاء الوحدة في مشروع القانون إلى 3 سنوات فقط، ويرى القيمة الإيجارية المطروحة "1000 جنيه"، ضئيلة للغاية، فضلاً عن ضرورة ضم العقارات التجارية "الاعتبارية" الممثلة في الشركات والمحلات وغيرها إلى "التجاري الطبيعي" التي يستأجرها أشخاص، تطبيقاً للقانون الصادر عام 2022.

ويرى البحيري، أن 95 % من المُستأجرين هم مواطنين "مُقتدرين" لديهم أموالاً وعقارات خارجية، بينما يدفعون للمالك المُستأجرين منه 10 و20 جنيهاً قيمة إيجارية شهرية، وهو أمر غير مقبول، داعياً الدولة إلى حصر غير المقتدر منهم وتقديم له سكن بديل عقب إقرار القانون الجديد.

وفي الوقت الذي يطرح فيه مُحامي "المُستأجرين" مُبادرة لتمليكهم الوحدات السكانية عبر نظام "التمويل العقاري" بحيث تتدخل الدولة وتدفع قيمة الوحدات إلى المُلاك، بينما يُسدد المُستأجرين الثمن على فترة زمنية بنظام الأقساط لمدة 20 عاماً. يقول مُحامي "المُلاك" بأنه لا مانع من بقاء المُستأجرين في الوحدات ولكن بشرط دفع قيمة الإيجار بسعر السوق حالياً أي بنظام قانون الإيجار الجديد، والتي تصل إلى عدة آلاف الجنيهات.

انقسام تحت قبة البرلمان ومُطالبات بتأجيل القانون

كانت العلاقة بين المُستأجر والمالك تسير بالتراضي المعهود مُنذ عشرات السنين، تُثار وتهدأ من وقت لآخر، حتى وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة في (تشرين الأول/ أكتوبر2023) بسرعة إيجاد قانون "قوي وحاسم"؛ لمعالجة مشكلة العقارات المطبق عليها قانون الإيجار القديم، في ظل وجود مليوني وحدة مُغلقة تقدر قيمتها بتريليون جنيه .

بعد أشهر قليلة من حديث السيسي، أصدرت المحكمة الدستورية العليا في البلاد، حُكماً وصفه الخبراء والمختصون بـ "التاريخي" في (9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024)، يقضي بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1، 2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، والمتضمن عدم دستورية ثبات الأجرة السنوية المنصوص عليها بالقانون رقم 136 لسنة 1981.

وأعطت المحكمة الدستورية العليا، الحكومة المصرية مُهلة قبل انتهاء دور الانعقاد التشريعي للبرلمان في (7 تموز/ يوليو 2025) المقبل، للتدخل وتنظيم العلاقة بين المالك والمُستأجر، لتقترح الحكومة المصرية بعدها مشروع قانون إلى البرلمان في (29 نيسان/ أبريل 2025).

حسب مشروع القانون الجديد فإن القيمة الإيجارية ستزيد بـ 20 ضعف مقارنة بقيمة الإيجار الحالية صورة من: Mahmoud el Tabakh

وقد نص مشروع قانون الحكومة الجديد على إلغاء جميع القوانين السابقة المُنظمة للإيجار القديم، على أن تكون القيمة الإيجارية للأماكن السكنية 20 ضعف القيمة القانونية السارية وألا تقل عن 1000 جنيه مصري للوحدات الكائنة في المدن و500 جنيه للوحدات الموجودة في القرى، فيما نصت المادة الرابعة منه على زيادة سنوية للقيمة الإيجارية بنسبة 15 %، على أن تنتهي عقود إيجار في مدة 5 سنوات من تاريخ إقرار القانون حال عدم التراضي على إنهائها قبل هذه المدة.

مع أول أيام مناقشة مشروع القانون تحت قبة البرلمان في (4 أيار/ مايو الجاري)، انقسم النواب إلى حد المُشاداة الكلامية، ما دفع وزير الشؤون النيابية المستشار محمود فوزي، للتأكيد على أن الحكومة والبرلمان لن ينحازا لطرف على حساب آخر في علاقة المالك والمستأجر.

بدوره، أكد المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان، على مُراعاة البعد الإنساني بإيجاد أماكن بديلة لمن ستنتهي عقود ايجارهم وفقا لأحكام القانون، وأن الحكومة لا تستهدف إخلاء المستأجرين بل تعيد التوازن حفاظاً على السلم المجتمعي.

أما النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان، فقد استنكر تجنب جميع الحكومات السابقة في مصر مناقشة قانون الإيجار القديم على الرغم من صدور 39 حكمًا قضائيًا بينها عدد كبير قضى بعدم دستوريته، ليتركون "كرة اللهب في ملعب البرلمان الحالي". السجيني، انتقد مشروع الحكومة ووصفه بأنه بعيد كل البعد عن حل المشكلة، ولم يقدم دراسة حول الأثر الاجتماعي والاقتصادي والديموغرافي الناتج عن تطبيق القانون.

من جهة أخرى، يرى النائب عمرو درويش، أمين سر لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أن العلاقة بين المالك والمستأجر علاقة تعاقدية وليست تمليكية، لا يجوز فيها انتقال الملكية إلى الورثة، بينما تُشدد النائبة البرلمانية سناء السعيد، في حديثها لـ DW، على أنه من المهم سريان العقود الجارية حتى وفاة الجيل الأول من المستأجرين، مع وجود زيادة منضبطة وليس بالشكل الذي حددته الحكومة، مقترحةً تقسيم الجمهورية إلى قطاعات يجري فيها تحديد الحد الأدنى للإيجار حسب كل قطاع تطبيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية وليس مساواة الجميع بقيمة إيجارية واحدة كما جاء في مشروع قانون الحكومة.

فيما تزداد المطالبات البرلمانية بتأجيل مناقشة وإصدار مشروع قانون الإيجار القديم إلى الدورة البرلمانية القادمة، في ظل غياب بيانات حديثة وعدم جاهزية الحكومة، مع تقديم دعم فعلي للفئات غير القادرة، وإنشاء صندوق حكومي يتولى دفع الإيجارات عن غير القادرين لضمان عدم الإضرار بالفئات الضعيفة.

ووفق ما يشير إليه الباحث العمراني إبراهيم عز الدين، فإنه حال فشل إصدار القانون المُثير للجدل خلال شهرين، أي قبل انتهاء دور الانعقاد البرلماني في (تموز/ يوليو) المقبل، والذي حددته المحكمة الدستورية كفترة مهلة، ستُفسخ العقود القديمة تلقائيًا بين المالك والمستأجر ، ويطبق حكم المحكمة الدستورية، حيث يلجأ الملاك للمحاكم لتحريك القيمة الإيجارية، ما يعني فتح أبواب آلاف الدعاوى القضائية في المحاكم، ويسود حالة من الفوضى في العلاقة الإيجارية مع زيادة المخاوف بشأن طرد المستأجرين ما يُهدد السلم المجتمعي.

محمود الطباخ - القاهرة

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار