يحتفل العالم في 30 سبتمبر/أيلول من كل عام باليوم الدولي للترجمة. ويشير موقع الأمم المتحدة إلى أن الهدف من هذا اليوم هو تكريم المتخصصين في اللغة الذين يضطلعون بدور أساسي في التقريب بين الدول، وتسهيل الحوار والتفاهم والتعاون، والمساهمة في التنمية وتعزيز السلام والأمن العالميين.
كما تؤكد المنظمة أن "نقل الأعمال الأدبية أو العلمية، بما فيها الأعمال الفنية، من لغة إلى أخرى، إضافة إلى الترجمة المهنية بمختلف أشكالها مثل الترجمة التحريرية والتفسير والمصطلحات، يشكّل ركناً لا غنى عنه للحفاظ على الوضوح والمناخ الإيجابي والإنتاجية في الخطاب العام الدولي والتواصل بين الشعوب".
في 24 أيار/مايو 2017، اعتمدت الجمعية العامة قراراً بشأن دور المتخصصين في اللغة في ربط الدول وتعزيز السلام والتفاهم والتنمية، وأعلنت يوم 30 سبتمبر/أيلول يوماً دولياً للترجمة.
وقد اختير هذا التاريخ لأنه يوافق عيد القديس جيروم، مترجم الكتاب المقدس الذي يعد شفيع المترجمين. كان جيروم كاهناً من شمال شرق إيطاليا، عرف بمحاولته ترجمة معظم الكتاب المقدس إلى اللاتينية من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد، كما ترجم أجزاء من الإنجيل العبري إلى اليونانية. تعلم اللاتينية في المدرسة وأجاد اليونانية والعبرية من خلال دراساته وأسفاره، وتوفي بالقرب من بيت لحم في 30 سبتمبر/أيلول عام 420.
ومنذ عام 2005، تدعو الأمم المتحدة موظفيها وموظفي البعثات الدائمة والطلاب من جامعات شريكة مختارة إلى مسابقة القديس جيروم للترجمة، وهي منافسة تكافئ أفضل الترجمات باللغات العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية وكذلك الألمانية، بهدف الاحتفال بتعدد اللغات وتسليط الضوء على الدور المحوري للمترجمين والمتخصصين اللغويين في الدبلوماسية متعددة الأطراف.
وبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، في العالم 7102 لغة، تتصدرها آسيا بـ 2301 لغة، تليها أفريقيا بـ 2138 لغة، بينما تضم منطقة المحيط الهادئ نحو 1300 لغة، والأمريكيتان 1064 لغة، فيما تأتي أوروبا في المرتبة الأخيرة بـ 286 لغة فقط رغم تعدد دولها القومية.
وتواجه الترجمة اليوم تحديات متزايدة في ظل تطور الذكاء الاصطناعي، حيث تطرح أدوات الترجمة الآلية أسئلة حول الدقة، والسياق الثقافي، ومكانة المترجم البشري في المستقبل.
وهنا من المفيد التوقف عند أبرز أخطاء الترجمة التي شكّلت عبر التاريخ مواقف طريفة وأحياناً مأساوية.
شكّل إعلان بوتسدام، الصادر في 26 يوليو/تموز 1945 عن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والصين، إنذاراً نهائياً يطالب اليابان بالاستسلام غير المشروط.
جاء هذا الإعلان في مؤتمر بوتسدام الذي عقد قرب نهاية الحرب العالمية الثانية بعد شهرين من استسلام ألمانيا، حيث اجتمع قادة الحلفاء في المدينة الألمانية لمناقشة التسويات السلمية وقضايا ما بعد الحرب.
ورغم انتهاء القتال في أوروبا، استمرت الحرب في المحيط الهادئ حيث واصلت اليابان القتال. لذلك صاغ الرئيس الأمريكي هاري ترومان، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم القومي الصيني تشيانغ كاي شيك، إعلاناً يحدد شروط استسلام اليابان، محذّرين من عواقب وخيمة إذا رفضت إلقاء السلاح.
لم يشارك الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين في هذا الإنذار لأن بلاده لم تكن قد أعلنت الحرب على اليابان بعد.
وجاء في الإعلان أن "الحسابات غير الذكية" للمستشارين العسكريين اليابانيين دفعت البلاد إلى "عتبة الفناء"، ودعا اليابانيين إلى اتباع "طريق العقل".
تضمنت الشروط نزع السلاح الكامل، احتلال مناطق معينة، وإنشاء "حكومة مسؤولة". في المقابل، تعهّد القادة بألا تستعبد اليابان كعرق أو تدمّر كأمة. لكن الإعلان انتهى بتهديد واضح بـ"التدمير الفوري والمطلق" إذا لم تستسلم اليابان دون قيد أو شرط.
وبحسب دائرة المعارف البريطانية، رد رئيس الوزراء الياباني سوزوكي كانتارو على الإنذار في مؤتمر صحفي بكلمة "موكوساتسو".
وقد فسرتها وسائل الإعلام حينها على أنها رفض أو تجاهل للإنذار، بينما رأى آخرون لاحقاً أن الترجمة الأدق قد تكون "لا تعليق". هذا اللبس في الترجمة زاد من تعقيد الموقف.
لم تصدر اليابان أي تصريحات إضافية، وبعد أيام قليلة، في 6 أغسطس/آب 1945، ألقى الجيش الأمريكي قنبلة ذرية على هيروشيما فدمّر معظم المدينة. وبعد ثلاثة أيام، تعرضت ناغازاكي للقصف الذري. وفي تلك الفترة أعلن الاتحاد السوفيتي الحرب على اليابان.
وفي 15 أغسطس/آب 1945 أعلنت اليابان استسلامها رسمياً، منهية الحرب العالمية الثانية.
كانت حرب فيتنام من أكثر فصول التاريخ الأمريكي إثارة للجدل، وقد لعب حادث خليج تونكين دوراً محورياً في تصعيدها.
في 2 أغسطس/آب 1964، هاجمت زوارق دورية فيتنامية شمالية المدمرة الأمريكية "يو إس إس مادوكس" في خليج تونكين.
وبعد يومين، أبلغ عن هجوم ثانٍ في 4 أغسطس، وهو ما دفع الرئيس ليندون جونسون إلى طلب تفويض عسكري واسع من الكونغرس عرف بـ"قرار خليج تونكين"، الذي مهّد الطريق لتصعيد التدخل الأمريكي.
لكن تحقيقات لاحقة، منها مراجعات داخلية لوكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) رفعت عنها السرية، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" أظهرت أن الهجوم الثاني لم يحدث.
فقد كانت الرسائل اللاسلكية من الشمال غامضة ومجزأة، وتعرضت لترجمة وتحليل مضللين. بعض هذه الأخطاء نتج عن دمج رسائل منفصلة في ترجمة واحدة، مما جعلها تبدو كأنها وصف لهجوم منسّق، بينما لم يكن الأمر كذلك.
من المؤكد أن حادثة الترجمة والاستخبارات المضللة في خليج تونكين كانت الشرارة التي منحت البيت الأبيض مبرراً رسمياً لتوسيع الحرب، التي أدت لاحقاً إلى مقتل مئات الآلاف من الفيتناميين وعشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين.
ومن اليابان أيضاً، برز خطأ في الترجمة لكنه فتح الباب أمام صناعة كاملة من الشوكولاتة ثم لاحقاً المجوهرات والهدايا الفاخرة.
ففي عام 1968، أرادت إحدى شركات الشوكولاتة اليابانية الترويج لعيد الحب، بعدما أثبت نجاحه كأداة تسويقية ضخمة في الولايات المتحدة.
لكن بسبب سوء فهم في الترجمة، رُوّج للمناسبة في اليابان على أساس أن النساء هنّ من يقدمن الشوكولاتة للرجال، وليس العكس كما في التقليد الغربي.
ومن هنا انطلقت حملات التسويق التي شجعت على ما عرف لاحقاً باسم "غيري-شيكو" أي "الشوكولاتة الإلزامية" التي تهديها المرأة للزملاء أو الأشخاص المهمين في حياتها.
وفي عام 1970، ولزيادة المبيعات، اخترعت الشركات يوماً مكملاً بعد شهر واحد فقط: 14 مارس/آذار، الذي سُمّي بـ"اليوم الأبيض". كان الهدف منه أن يرد الرجال الهدايا التي تلقوها في عيد الحب، بدايةً عبر تقديم حلوى وبسكويت أبيض اللون. لكن مع مرور الوقت، تحولت هذه الهدايا الرمزية إلى مجوهرات فاخرة وهدايا باهظة الثمن.
وهكذا، بفعل حملة تسويقية وخطأ في الترجمة، أصبح التقليد في اليابان أن تهدي النساء الشوكولاتة للرجال في 14 فبراير/شباط، ثم يرد الرجال الهدية في 14 مارس/آذار. ومع أن الأساس كان تجارياً محضاً، فإن هذه العادة تحولت إلى تقليد ثقافي راسخ في المجتمع الياباني حتى اليوم.
عندما بدأ عالم الفلك الإيطالي جيوفاني فيرجينيو شياباريللي رسم خرائط للمريخ عام 1877 من مرصد بريرا في ميلان، لم يكن يدرك أنه سيفتح الباب أمام موجة كاملة من الخيال العلمي. فقد وصف المناطق المضيئة والمعتمة على سطح الكوكب بأنها "بحار" و"قارات"، وأطلق على الخطوط الطويلة الرفيعة التي رآها عبر تلسكوبه كلمة "canali"، وهي بالإيطالية تعني ببساطة "مجارٍ" أو "قنوات طبيعية".
لكن هنا وقع سوء الفهم: فقد تُرجمت الكلمة في اللغات الأخرى على أنها "canals" أي "قنوات صناعية من صنع البشر"، مما أطلق العنان لفكرة وجود حضارة ذكية على سطح المريخ شقت هذه القنوات لريّ أراضيها.
العالم الأمريكي بيرسيفال لويل كان من أبرز من تبنوا هذه الفكرة. بين عامي 1894 و1895 رسم مئات "القنوات" المريخية، ونشر على مدى عقدين ثلاثة كتب تضمنت رسوماً توضيحية لهذه الشبكات المائية المزعومة، معتقداً أنها من صنع مهندسين مريخيين عباقرة يسعون لنقل المياه من الأقطاب إلى المناطق القاحلة. هذه الأفكار ألهمت كتاباً آخرين للحديث عن "المريخيين الأذكياء".
ومن أبرز من تأثروا بهذا التصور الكاتب البريطاني اتش. جي. ويلز، الذي نشر روايته الشهيرة حرب العوالم عام 1897 (في البداية كسلسلة مقالات). وفيها صوّر غزواً للأرض من قبل سكان المريخ، لترسخ أسطورة "المريخيين" وتصبح حجر أساس في أدب الخيال العلمي الحديث.
أما رواية "أميرة المريخ" التي كتبها إدغار رايس باروز عام 1911، فقد تناولت بدورها أفول حضارة المريخ، مستعيناً بالأسماء التي أطلقها شياباريللي على الظواهر المختلفة في ذلك الكوكب.
ويتفق علماء الفلك على أنه لا وجود لقنوات مائية على سطح المريخ، وأن ما سمي بالقنوات لم يكن سوى نتاج اللغة والخيال الجامح.
وبحسب ما تؤكد وكالة ناسا الفضائية: "إن شبكة الخطوط المتقاطعة التي وصفت على سطح المريخ لم تكن إلا انعكاساً لرغبة بشرية محضة في رؤية أشكال محددة، حتى وإن لم تكن موجودة فعلياً. فعندما ننظر إلى مجموعة باهتة من البقع الداكنة، تميل العين إلى الربط بينها بخطوط مستقيمة."
يمكن أن تؤدي الترجمة الخاطئة أحياناً إلى عواقب كارثية، كما حدث في إحدى أشهر القضايا الطبية.
ففي عام 1980، نقل الشاب ويلي راميريز إلى أحد مستشفيات فلوريدا وهو في حالة غيبوبة. حاول والداه، الناطقان بالإسبانية، شرح حالته للطبيب، لكن الأخير لم يفهم لغتهما. فقام أحد موظفي المستشفى ثنائي اللغة بترجمة أقوالهما للأطباء.
المأساة بدأت مع كلمة واحدة: فقد استخدم الوالدان كلمة "intoxicado"، التي تعني بالإسبانية "تسمم". لكن الموظف ترجمها إلى الإنجليزية بمعنى "ثمل" أو "في حالة سكر". وبناءً على هذا الفهم الخاطئ، عالج الأطباء راميريز على أنه يعاني من جرعة زائدة من المخدرات، بينما كانت حالته الحقيقية تسمماً غذائياً خطيراً.
الخطأ في الترجمة أدى إلى تشخيص وعلاج غير مناسبين، فترتبت عليه مضاعفات خطيرة انتهت بإصابة ويلي راميريز بشلل رباعي دائم بعد استيقاظه من الغيبوبة.
وقد اضطر المستشفى لاحقاً إلى دفع تسوية مالية تجاوزت 71 مليون دولار تعويضاً عن الأضرار التي لحقت به.
كان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر بارعاً في جذب انتباه الجمهور، لكن زيارته إلى بولندا عام 1977 ارتبطت بواحدة من أشهر هفوات الترجمة الدبلوماسية.
ففي خطاب ألقاه آنذاك، أراد كارتر التعبير عن اهتمامه بالتعرف أكثر إلى "تطلعات الشعب البولندي للمستقبل"، غير أن المترجم نقل العبارة لتصبح "شهوات البولنديين في المستقبل"، بما حمل إيحاءً غير مقصود.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ فعبارة كارتر البسيطة "غادرت الولايات المتحدة هذا الصباح" تحولت إلى "غادرت الولايات المتحدة ولن أعود أبداً"، وفق ما ذكرت مجلة "تايم". حتى جملته الترحيبية بأنه "سعيد بوجوده في بولندا" خرجت في الترجمة بمعنى فاضح يشير إلى "الإمساك بالأعضاء الحساسة لبولندا".
هذه الأخطاء وضعت المترجم في قلب حادثة دخلت التاريخ، وباتت مثالاً كلاسيكياً يُستشهد به في الدراسات حول مخاطر الترجمة غير الدقيقة في المجال الدبلوماسي.
لم يكن مستغرباً أن يستعين الرئيس جيمي كارتر بمترجم آخر خلال مأدبة عشاء رسمية لاحقة في الزيارة نفسها، بعد سلسلة الإخفاقات التي واجهها. غير أن معاناته لم تتوقف عند ذلك الحد؛ فبعد أن ألقى السطر الأول من خطابه، قوبل بصمت مطبق، ثم تكرر الأمر بعد السطر الثاني، وسط ذهول الحاضرين.
المفاجأة كانت أن المترجم الجديد لم يكن يجيد الإنجليزية بما يكفي، فاختار أن يلتزم الصمت بدلاً من المجازفة بالترجمة الخاطئة. ومع انتهاء زيارة كارتر، تحولت هذه الحوادث إلى مادة للتندر والنكات في الأوساط البولندية.
في عام 2004، أدين عدد من العاملين في أحد المستشفيات الفرنسية بتهمة القتل غير العمد بعد أن خضع أكثر من 450 مريضاً بالسرطان لعلاج إشعاعي غير سليم على مدى أربع سنوات، مما أسفر عن وفاة سبعة منهم.
السبب الرئيسي كان سوء استخدام أجهزة أشعة جديدة، إذ كانت كتيبات التعليمات مكتوبة بالإنجليزية بينما كان الطاقم فرنسياً، ما أدى إلى أخطاء في فهم الإرشادات وترجمتها، وبالتالي تقدير خاطئ لجرعات الإشعاع.
التقارير كشفت أن المرضى تلقوا جرعات أعلى بنسبة 20 بالمئة من الموصى بها بسبب خطأ في معايرة الأجهزة. ولم يكتف اختصاصي الأشعة المتورط بارتكاب الأخطاء الطبية، بل وجهت إليه أيضاً تهمإتلاف الأدلة وإنكار التهم الموجهة إليه.
ورغم أن الأطباء حاولوا تبرير ما حدث باعتباره "خطأً بشرياً"، فإن المحكمة رأت أن خطورة العواقب تستدعي الإدانة، لتصبح هذه الحادثة واحدة من أخطر الأمثلة على عواقب الترجمة الطبية الخاطئة في فرنسا.
في عام 1956، أثارت تصريحات منسوبة إلى الزعيم السوفيتي آنذاك نيكيتا خروتشوف ضجة دولية بعدما ترجمت على أنها تهديد مباشر للدبلوماسيين الغربيين.
فقد نقلت وسائل الإعلام قوله خلال حفل استقبال في السفارة البولندية في موسكو: "سوف نقوم بدفنكم". وسرعان ما تصدرت العبارة عناوين الصحف والمجلات في الغرب، لتزيد من حدة التوتر والبرود في العلاقات بين الاتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي.
لكن وضع التصريح في سياقه يوضح أن خروتشوف لم يكن يقصد تهديداً مباشراً، بل كان يعبر عن قناعة أيديولوجية بأن الشيوعية ستستمر إلى ما بعد الرأسمالية، التي ستنهار بفعل تناقضاتها الداخلية. كان بذلك يشير إلى مقطع في "البيان الشيوعي" لكارل ماركس يؤكد أن الطبقة البورجوازية "تحفر قبرها بيديها".
وبعد سنوات من الجدل، حرص خروتشوف على توضيح مقصده. ففي خطاب ألقاه عام 1963 في يوغوسلافيا قال: "ذات يوم قلت: 'سوف ندفنكم'، وقد سببت لي تلك العبارة مشكلات كثيرة. بالطبع لم أعن أننا سنقوم بدفنكم باستخدام مجرفة، بل إن طبقتكم العاملة هي التي ستقوم بذلك".
تتهم بعض الدول باستغلال الغموض اللغوي في الاتفاقيات الدولية لصالحها.
ومن أبرز الأمثلة معاهدة ويتانغي التي وُقعت عام 1840 بين التاج البريطاني وما يقارب 500 من زعماء شعب الماوري في نيوزيلندا.
فقد تضمن النص الإنجليزي للمعاهدة منح بريطانيا السيادة الكاملة، بينما استخدم النص بلغة الماوري كلمة "كواناناتاغا" (kawanatanga) التي تعني "الحكم أو الإدارة"، وهو ما جعل الماوري يعتقدون أنهم سيحتفظون بسلطتهم على أراضيهم ومواردهم.
هذا التباين بين النصين أدى إلى نزاعات طويلة الأمد لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. ومنذ سبعينيات القرن العشرين، عبّر الماوريون عن رفضهم لتلك الصياغة المتناقضة في احتجاجات رفعوا خلالها شعار: "الاتفاقية مزورة".
خلال الزيارة الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية، تداولت وسائل إعلام عربية خبراً بعنوان: "البيت الأبيض يبحث إجراءات عزل الرئيس من منصبه"، نقلاً عن تقرير منشور بالإنجليزية. وسرعان ما انتشر الخبر على نطاق واسع، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أو على منصات التواصل الاجتماعي.
لكن الترجمة لم تكن دقيقة. فالخبر الأصلي باللغة الإنجليزية أشار إلى أن محامي البيت الأبيض يدرسون الخيارات القانونية في حال قرر الكونغرس المضي في إجراءات سحب الثقة، ولم يقل إن البيت الأبيض يبحث بالفعل عزل ترامب. هذا التحريف في الترجمة أضفى طابعاً دراماتيكياً على الخبر، وأسهم في تضليل الجمهور حول فحواه.
أحياناً تكمن المشكلة في سوء الفهم أكثر من سوء الترجمة، وهذه الفكرة تتضح في الحكايات التي تُضخمها الصور النمطية الجاهزة.
فخلال زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين عام 1972، سئل رئيس الوزراء الصيني آنذاك، زهو إنلاي، عن تقييمه لآثار الثورة الفرنسية عام 1789، فأجاب: "ما زال الوقت مبكراً جداً للحكم".
الأميركيون فهموا العبارة على أنها تجسيد لـ"الحكمة الصينية" ورؤية بعيدة المدى، واعتبروها دليلاً على أن الصينيين يفكرون بمدى زمني يمتد لقرون.
لكن المعنى الحقيقي مختلف تماماً. زهو لم يكن يقصد الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، بل كان يتحدث عن انتفاضات الطلاب والعمال في فرنسا عام 1968، أي قبل بضع سنوات فقط من ذلك اللقاء.
المترجم الأميركي تشارلز فريمان، الذي كان حاضراً مع نيكسون، يوضح أن سوء الفهم هذا استخدم لترسيخ صورة مسبقة عن القادة الصينيين كرجال دولة ذوي نظرة استراتيجية بعيدة، على عكس نظرائهم الأوروبيين. ويعلق قائلاً: "الناس صدقوا ما أرادوا أن يصدقوه، ولذلك ترسخ هذا التفسير الخاطئ إلى الأبد".