بين الغياب والحضور، يظل الفنان اللبناني إيوان اسماً يحمل نغمة خاصة في ذاكرة الجمهور العربي عامة واللبناني خاصة، بصوته الدافئ، وخياراته الفنية التي تمزج بين الإحساس والوعي بالكلمة، ولا تزال أغنياته ناجحة وتترد بين مختلف الأجيال على الرغم من غيابه الطويل عن الساحة الفنية ولكن اسمه لا يزال يتردد كما أغانيه والمشاعر التي تطل منها بين الأجيال.
وفي حواره مع "العربية.نت" و"الحدث.نت"، كشف عن ملامح مشروعه الجديد، وفلسفته الفنية، ولماذا يرى أن التأني والصبر أهم من الانتشار السريع، كما تحدث أيضا عن فترة الغياب الطويل وكيف يراها، وعن رؤيته للأعمال الموسيقية الحالية وازدحام الوسط الفني. وكشف عن تفاصيل علاقته بالجمهور والسوشيال ميديا الآن ورسالته لجمهوره بعد كل هذا الغياب، وكيف يرى مستقبله الفني بعد العودة والجيل الجديد.
*بعد فترة من الغياب النسبي، عدت للتحضير لعمل جديد.. كيف تصف هذه المرحلة؟
هي مرحلة حاسمة وصامتة في آنٍ معاً. لا أحب إصدار الأغاني من أجل أن أكون موجوداً فقط. أعود حين أشعر أن لدي شيئاً أستحق أن أُسمع من خلاله.
العمل الجديد وهو أغنية "شطبنا" وهي أغنية مصرية، وهناك أغنية مصرية أخرى، وأغنية لبنانية باللهجة البيضاء، هذا العمل هو نتاج شهور من التفكير والتجارب والبحث، ليس فقط عن اللحن المناسب بل عن شعورٍ صادق يمكن أن يصل إلى الناس، فالأهم من كوني متواجدا هو أن تصل هذه المشاعر للجمهور ويتفاعلوا معها بقلوبهم.
*هل يمكن أن تخبرنا قليلاً عن طبيعة هذا العمل؟
الأغنية الجديدة تحمل طابعًا مختلفًا عن أعمالي السابقة، من حيث البُعد الإنساني والفكرة التي تطرحها. اخترت كلمات تشبهنا اليوم، تعبّر عن واقعنا ومشاعرنا. ولحنها فيه دفء وشيء من الحنين، لكن دون أن يفقد نضارته أو تواصله مع الجيل الجديد، فأنا أحب أن أتفاعل مع الأجيال الجديدة وأرى نظرتهم للحياة والموسيقى والفن.
*لاحظنا أنك تكرر دائمًا عبارة "لا أستعجل الإصدار".. ما الذي تقصده بذلك؟
نعم، نحن نعيش في زمن سريع جدًا، الكل يريد أن يُصدر أغنية، أو مقطعًا، كل أسبوع أو أسبوعين. والكل يريد أن يكون حاضرا أو متواجدا على الساحة الفنية، لكن إيماني أن الفن الجيد لا يُطبَخ على نار سريعة، بل بهدوء وتأنٍّ، والجمهور قد ينتظر، لكن حين تصله أغنية صادقة ستبقى معه. أكثر من عملين أو ثلاثة نُشروا بعجلة وتم نسيانهم في أسبوع. أنا أفضّل أن أُحاسَب على أغنية ذات معنى، على أن أُصفّق لأغنية بلا روح، وهناك أغان لجيلنا ما زالت موجودة والجمهور يحبها ويسمعها حتى الآن، فالمهم هو الآثر الذي ستضعه، البصمة التي سيتذكرها الجمهور هو صدق المشاعر التي لمسها من خلال العمل.
*برأيك، ما الذي يميز الأغنية الجيدة اليوم؟
الصدق. هذه الكلمة وحدها تحمل كل ما أحتاجه في الأغنية. سواء كانت رومانسية، اجتماعية، مرِحة، أو حزينة، المهم أن تحمل صدقًا. الجمهور ليس كما يظن البعض، هو يشعر بما يسمعه. ربما لا يقول ذلك، لكنه يُبقي في ذاكرته ما لامس قلبه فعلًا، وتعيش الأغنية في ذاكرته فترة طويلة كما عاشت معنا أعمال فنانين عظماء أثروا الفن بموسيقاهم المتجددة والمختلفة مثل الرحباني والموسيقار محمد عبد الوهاب وغيرهما مع حفظ الألقاب، وضعوا بصمة في الموسيقى العربية وأدخلوا عليها تحديثات وطوروا منها، ولذلك أنا أريد أن أترك علامة يذكرني بها الجمهور بعد ذلك.
*هل تجد اليوم أن الساحة الفنية مزدحمة؟ وهل يُصعّب ذلك المنافسة؟
لا أنكر أن الساحة مزدحمة، وهناك وفرة كبيرة في الإنتاج الفني، لكني لا أرى أن كل هذا يشكّل منافسة حقيقية. هناك فرق بين "الحضور" و"الأثر". قد تكون حاضرًا في كل منصة لكن لا أحد يتذكرك. وقد تغيب لسنوات ويعود الناس لأغنيتك حين يريدون أن يشعروا. أنا أبحث عن هذا النوع من الأثر لا الضجيج العابر.
*كيف ترى جمهورك بعد هذه السنوات؟ وهل تغيّر في نظرته لك؟
جمهوري اليوم أكثر نضجًا، وأكثر انتظارًا. وأنا أحترم هذا الصبر. حين أقرأ تعليقًا من أحد المتابعين يقول: "اشتقنا لصوتك"، أشعر بمسؤولية. هذا ليس مجاملة، بل رابط حقيقي بين الفنان وجمهوره. ولذلك لا أستهين أبداً بأي عمل أقدّمه، فالجمهور ينتظر بشغف وهذا الشيء ليس سهلا أبدا، ومسؤولية كبيرة على عاتقي لابد أن أحافظ عليها.
*هل من رسالة تحب أن توجّهها لجمهورك في هذا التوقيت؟
أقول لهم: شكرًا على كل هذا الوفاء. على صبركم، على دعمكم، وعلى تذكيركم الدائم لي بأنني أُغني لمن يستحق. حقيقة هناك علاقة جميلة بيني وبين جمهوري، وهناك منهم من أصبح من الأصدقاء، وأحب أن أقول لهم إنني أعدكم أن العمل المقبل سيكون مختلفًا، قريبًا من قلوبكم، نابعًا من قلبي أولًا. وأتمنّى أن نلتقي بالأغنية، كأنها لقاء أصدقاء لم يفترقوا يومًا.
*وأخيرًا، كيف ترى مستقبلك الفني بعد هذه العودة؟
أراه ممتلئًا بالمغامرات الجميلة. لا أريد أن أكون نسخة مكررة من نفسي، بل أكتشف في كل تجربة صوتًا جديدًا بداخلي. طالما مازال في القلب شغف، وما زالت في الذهن فكرة، فأنا مستمر، ليس من أجل المجد بل من أجل المحبة التي أوصلتني لما أنا عليه، أريد أن أكون جزء من هذا الجيل مثلما كنت موجودا من قبل، وأن أشارك في الموسيقى الحالية، لا يوجد لدي مانع من التعاون مع مختلف الأسماء فأنا أحب التجديد والتطوير وأحب الاستماع لكل ما هو جديد. أحب أن أكون جزءا من الجيل الجديد وموسيقاه وما يسمعه، فالأثر هو ما سيبقى بالنهاية وليس مجرد التواجد.